Fri,Apr 19 ,2024

المدبرة

نبيل أحمد الخضر

تحميل


دائما ما يكون أبى غاضبا منى …. خائفا علي.. وبالأخص على صحتي.. أخرجني من المدرسة.. لأنني كما ذكر أذاكر كثيرا وهذا يذكره بشقيقته.. أيام زماااااان.

دائما ما يجعلني أشاهد القليل من برامج التلفزيون ويقول إن المشاهدة الكثيرة والتحديق الكثير بالشاشة فيه ضرر كبير.

دائما ما كان يوقظني من أحلام اليقظة ويراقبني على مدار الساعة فإن رأنى انهمكت في حلم من أحلامي هزني ليعيدني إلى واقعه.

أبى يملك مثلا شعبيا يردده على مدار الساعة ويقول المثل.. “تنكه الخال يأتيك الولد.. أما الصبايا على عماتها”.

وبالفعل فأنا أشبه عمتي كثيرا.. نفس الشفاه الحمراوان من دون طلاء.. نفس الشعر المتطرف في سواده.. المتطرف في طوله.. نفس العينين الحالمتين إلى أقصى حدود الحلم.

عمتي.. وأسمها (المدبرة) جميلة الجميلات.. فاتنة الفاتنات.

ملكت (الأرنب) كما يقول المصريين في الوقت الذي كان فيه هذا (الأرنب) يشترى لها باحة ملعب الثورة الرياضي!!

يقال إنه كان مهرها.. ويقال إنه بهذا المبلغ كان ذاك الرجل الستيني يستطيع أن يتزوج ثمان زوجات يطلق أربعا ويتزوج أربعا.. هكذا حسب الشرع!!!

يقال أن هذا الأرنب بداء يقرض كل شيء.. أسرتي.. عمتي.. زوجها وحتى نفسه.

جاء الأرنب.. ذهب الأرنب وأخذ معه كل شيء.. حتى الستيني ذهب وذهبت معه أرانبه.

وأذكر أنى سمعت.. أن عمتي رجعت أقل مما ذهبت، اقل مالا، أقل جمالا.

رجع بها والدي بعد فحص عند دكتور ما وهو يكاد يجن … ضربها بشدة.. لكنها لم تكن تعرف لماذا أو كيف!! كان يسألها أسئلة لم أكن لأعرف معناها.. كان يقذفها بألفاظ لم أسمعها يوما من فم والدي قبل أو بعد ذلك اليوم أبداء.. ومن يومها أقفل عليها باب غرفتها مرة واحدة والى الأبد!!!

هكذا بدأت تفقد كل شيء.. ذهبها بداء يتناقص إلى أن جاء اليوم الذي اختفى فيه ففي ثورة من ثوراتها وزعت كل شيء على اللاشئ.

 من النوافذ طارت الخواتم الذهبية ومن الأبواب طارت الثياب الحريرية.

سمعت من والدتي أنه من بعض المال الذي تبقى .. ومن بعض الذهب الذي رجع طاف والدي بشقيقته على كل مشعوذي الأرض.

منهم من حاول علاجها عبر الأعشاب.

منهم من حاول علاجها عبر الدخان.

منهم من حاول علاجها عبر جسده.

كل شيء ذهب كالريح.. وللريح.. ولم يتبقى إلا جسد بجمال أسطورة.. وفى مرة من المرات وأريدكم هنا أن تحفظوا السر لأنني سمعته وأنا أمثل شخصية النائمة.. سمعته من أمي وهي تحدث جارتها المقربة.

  •  في ليلة ليس فيها ضوء قمر.. غافلتنا المدبرة وخرجت للشارع وبحثنا عنها طوال الليل.. زوجي الله يحفظه كاد يجن ووجدناها فجرا ملقاة جوار جدار في زقاق على جسدها عضات وقرصات وكمية من لعاب وأرجعناها.. حاول زوجي أن يعرف من فعل بها ذلك.. لكنها لم تنطق بشيء.

وضربها والدي ذلك اليوم أيضا، كان يردد فقط.

  •  لقد أصابك السعار يا خبيثة.... قولي لي وسوف أعطيك ما تريدين … يا ق……

وسمعتها” أمى” كأنها قالت:

  •  في يوم من الأيام تذكرت – المدبرة – أسم رجل مر على جسدها ولكن لم يحدث شيء لقد تجاهلنا الموضوع.

لا أعرف أسم عمتي الحقيقي فأنا أعرف أنها فقط – المدبرة – ولكن عندما ناداني شقيقي يوما بهذا الاسم.. ضربة والدي حتى فقد الوعي وأسعفناه في ذلك اليوم إلى المستشفى وظل هناك يومان.

لكنه لم يرتدع فما يزال كلما خرجنا لوحدنا فقط.. يناديني – المدبرة – طوال الوقت وأيضا يخرج لسانه ليستفزني.. وهذا يغضبني بشدة!!

من ذاك اليوم الذي تلقى فيه شقيقي ضربات والدي عرفت أن هذا الاسم بشع فلم أعد أنادى عمتي به عندما أذهب إليها بطعامها ولكنى أناديها فقط بعمتي.

وفى ذات ليلة كنت أحاول أن أستطلع حكاية جميلة الجميلات وسألت والدي وهو ينظف شعري من الحشرات وسمعته كأنه أجاب:

- هي مريضة؟

- لماذا لا نذهب بها إلى المستشفى؟

- لا وجود لمستشفيات مجانية فحتى الحكومية منها تحتاج من الرشاوى الكثير!

وكأني وجدت الحل:

- فلنذهب بها إلى مستشفى خاص؟

- من أين لنا بالمال … نحن الآن أفقر من الفقراء.. حتى الفقراء يملكون الآن صحنا لاستقبال القنوات الفضائية وحتى الفقراء بداء يملكون الآن تنور الغاز.. ولكننا ما زلنا نخبز عيشنا بالحطب.. لا.. لن تذهب – المدبرة – إلى أي مكان فلتظل في مكانها حتى الموت!

في ذلك الوقت اقتنعت بكلامه.. ولم أتذكر حينها إلا (حر الحطب) الذي كانت أمي ترسلني دائما إلية لأحضر لها الحطب.

رغم خوفي من أن يظهر لي ثعبان أو عقرب وسط الحطب إلا أن أكثر ما كان يخيفني فعلا هو منظر – المدبرة – في الزاوية مقيدة بالسلاسل.

 

 المدبرة: تعنى المنحوسة في اللهجة اليمنية

 حر الحطب: مخرن للحطب.