Mon,Dec 30 ,2024

الرجوع إلى الرحم

نبيل أحمد الخضر

تحميل


تعارك سمير مع بعض من أصدقائه ورغم أنه لم يتعد السابعة إلا أنه يتعارك مع كل ما تطاله يداه.

لا أحد يعرف مقدار الحنان الذي يكتنزه بين ضلوعه إلا أنه لم يتكيف مع الأجواء المحيطة به، كان غالبا ما يسند رأسه بين ذراعي والدته الدافئتين وصدرها الرحب.

والدته هي الوحيدة التي تعرف كم يملك من حب لها قبل كل شيء وكم يملك من حب للعالم من حوله، دائما ما يحس أنه تؤامها وأن ما يصيبها سيصيبه ولو بعد حين.

في يوم ما تعارك مع صديق أخر على بعض سدادات المياه الغازية التي كانوا يلعبون بها، كان عراكا عنيفا وأرهقه بشكل ورجع إلى والدته المتعبة التي كانت مستلقية على فراشها تنشد الراحة.

قال في نفسه:

  • لو أعود إلى وطني الحقيقي، داخل جسد والدتي.

وظهر له محقق أمنيات الصغار وهو مخلوق هيئته كالطفل ويرتدى ثيابا كلها بيضاء، متوجا بتاج على شكل هلال مثبتا على شعره الأسود اللامع.

  • سأحقق لك أمنيتك

ومسح بيده على جسد الطفل الذي تضاءل حتى أصبح لا يرى بالعين المجرد والتصق سمير بجسد والدته غارزا نفسه داخل مسامات الجلد إلى أن أصبح داخل الأوردة ومع جريان الدم داخل الشرايين والأوردة وصل إلى محطته الأولى.

 

 

إلى قلب الأم.

كانت نبضات قلب والدته تصدر ترنيمة غاصت بذاكرته إلى البعيد إلى الزمن الذي كان يسمع فيه دقات قلبها ليلا ونهارا، في فرحها وحزنها، في راحتها وتعبها وهمس لنفسه وهو يلتصق بشغاف القلب.

  • كم اشتقت لهذه الأصوات

وبعد ساعات طويلة من الاستلقاء على جدار القلب والتجول في أرجائه ذهب مع كريات الدم الحمراء عبر غابات من الشرايين والأوردة متجها إلى مسكنه الأول.

لم يستطع الجسد أن يطرده فكلما كان يمر كانت الأجسام المضادة تعتقده جزاء منها وجزء من هذا المكان الذي يتجول بداخلة بحرية.

تلك الحرية التي كان ينشدها. من سيطرده، هل سمع بأحد طرد من وطنه!! إلا إذا كان الوطن نفسه ملئ بالجراثيم فلا يستطيع أن يفرق بين الحجر والياقوت.

كل جسد الأم كان يظن أن الوافد الجديد جزء منه، نسخة منه، فلم ولن يتم طرده من داخل مسكنة الأول.

الطريق طويلة ولكنه وصل أخيرا إلى مسكنه الأول، إلى رحم والدته الدافئ، الحنون، وصرخ بفرح!

  • هذا منزلي الأول الذي لن أتركه؟

 

 

 

تمدد داخل رحم الأم وتدثر بدثار كريم النسيج، من حرير إلهي وغرق في سبات عميق. في يوم ما جاءت الساعة التي يجب فيها أن يخرج إلى النور والهواء البارد والصراع، حين خرج أطلق صرخة احتجاج عنيفة ولكنها احتضنته بحب جارف وقبلته قائلة:

  •  أهلا بك من جديد