Thu,Apr 18 ,2024

وسط الرجال

نبيل أحمد الخضر

تحميل


أنا أؤمن كثيرا أنه لا يجب الفصل بين الذكور والإناث فلو خصصنا نوادي للنساء وباصات للنساء وغير ذلك فهذا يعنى أن المرأة ضعيفة وتحتاج للحماية وهذا ما لا اعترف به فالمرأة قوية وتستطيع أن تعيش في وسط مجتمعها بسلام وهذا ما كانت تقوله أمي حينما دفعتني إلى الشارع لبناء حياتي المستقلة.

كانت تقول لي مثلها الشعبي الأكثر بروزا وهي تصرخ " ما بقرة إلا بين أثوار وما مرة إلا بين رجال" وتعنى بقولها إن المرأة لن تكون امرأة حقيقية إلا وسط رجال حقيقيين تعمل ما يعملون. تساهم في البناء كما يساهمون. قوية بقدرهم... مهمة مثلهم. تمسك بأيديهم كما يمسكون بأيديها دون أفكار مسبقة... دون حساسيات فكرية أو جنسية أو تسلطية.

كان هذا المثل الشعبي معي في كل مكان أذهب إليه. كنت الفتاه الأكثر مصادقة للشباب في الجامعة. أصارعهم بالأفكار. أبادلهم المعلومات ولم أتعرض طوال حياتي الجامعية لأي تحرش أو مضايقة.

 واعترفت لأمي بصدق مقولتها فالرجال يدركون عند أول تعامل مع المرأة من هي السهلة ومن هي القوية ومن هي المساوية لهم ومن هي دونهم.

 

 

 

كنت أفكر وما زلت بأن المرأة هي من تعطى للرجل فرص التنمر والترهيب والغزل. وأنها إن وقفت أمامه وأظهرت له أنهما متساويان لا يزيد أحدهما عن الأخر في شيء فانه سيفهم وسيدرك وسيعمل على أساس من إدراكه وفهمه.

وما تزال مقولة والدتي معي. نبراسا لي في حياتي. في عملي الجديد. كنت قد بدأته ضعيفة. فلا فهم لدى عن أساليب العمل الحقيقية بعيدا عن نظريات الجامعة.

كان هذا الضعف بداية لتنمر بعض الشخصيات وإلقاء بعض الكلمات هنا وهناك. في يوم ما. في مصعد ما... أحسست بقرصه من يد ما... لم أعرف ممن هي وإلا كنت أوقفته عند حدة.

كان العمل صعبا. والضعف يزداد. والانسحاب إلى داخل الذات والى قوقعه النسوة التقليدية في المبنى الكبير يغزوني بشكل متسارع.

لم أكن أواظب على العمل يوميا وكنت أختلق الأعذار دائما لعدم الذهاب.

والدتي بحكمتها المعهودة أدركت السر دون أن أخبرها.

 في يوم ما أخبرتني أنها ستذهب إلى الجيران لتساعدهم في وليمة العرس لشاب جديد يدخل قفص الزوجية. ومع سوالى لها عن كيف ستقف وسط شباب الأسرة وشباب الشارع الذين يساعدون في خدمة الضيوف وتأخذ منهم الأوامر صرخت في وجهي بمقولتها المأثورة.

-        ما مرة إلا وسط رجال!

 كأنني نسيت أو تناسيت هذه الجملة في عملي الجديد.

صعوبات العمل التي صدمتني مع أول أيامي أنستني من أكون. وانكشفت أمامي كتله غباء سيطرت على تفكيري منذ وقعت عقد العمل.

في صباح اليوم التالي. ذهبت إلى العمل. قوية. مهمة. متحاورة. رجعت لطبيعتي. مرت سنوات الآن لم أسمع فيها كلمة واحدة تضايقني واختفى صاحب اليد التي قرصتني مرة واحدة والى الأبد.