Wed,Apr 24 ,2024

فقدان

نبيل أحمد الخضر

تحميل


 

 

هكذا ترحل مثل الطيور إلى أقاصي السماء وهكذا مت مثل شجرة واقفا كأنك لا تريد أن تفقدني الظلال التي كنت تقينى بها حر الشمس وبرودة الطقس.

 

تفتح ذراعيك وتنبت شعيراتك مكونة أوراق من كل لون على كل ورقة منها أسمى. في كل شيء كتبت أسمى.. كل ورق العالم وكل جدرانه وكل سماوات الكون.

 

كأنك... سرير.. كأنك دثار.. كأنك تخلق الأمان في كل شيء تحيط به أو تلمسه يداك.. كأنك نظرة تحتوي العالم.. كأنك بسمة تنشر الفرح خبزا لكل الكائنات.

 

يا لهول فقدانك... وهل فقدتك... ها أنت تركت لي ما أتعيش به لأجلك وبك... إلا أنت... ها أنت أورثتني سلالا من أحلامك وضحكاتك وقطرات من دموعك.

 

عندما كنت شابه.. كنت أحلم بصدر واسع أنام على ضفافه وأغمض عيناي وأنا أحس أعشاب صدره تخز خداي.

 

كنت أحلم بصدر قاس ترتكز على خصر مشدود مزخرف بالعضلات.. تاجا أسود على رأسه وابتسامة عذبة تظهر لمعان أسنانه.

 

كنت أحلم بك فارسا حنونا تحتملني طوال الطريق مهما بعدت. وجئت من البعيد.. ممتطيا جوادك الأبيض.. منتصبا وشامخا لترفعني من على سطح الأرض إلى سرير من سحابة بيضاء.. ناعمة.. ناعمة.. كأنها.. كأنها.. لست أدرى.

 

ها قد جئت لترفعني من على التراب ولتحتويني.. وتهرول بي إلى البعيد.. كم أحسست بالدفء.

 

كم حسدت ظهري الذي كان يحتك بصدرك القوى.. كم حقدت على خصري الذي كان يستمتع بدغدغاتك.. كم غرقت في مسام جلدك الشهي.

 

والجواد ما يزال يهرول.. كل جسدي كان يحتويه جسده.. كل جسده كان يحتك بجسدي.. وصرخت فرحة.. أم أنها كانت صرخة نشوة أفلتت منى دون قصد.

 

أرجعت كفاي إلى الوراء وأحطت بخصره.. وجذبته نحوي.. كم أحببت التصاق جسدينا وما يزال الجواد يهرول بنا.

 

فرح متواصل.. ذهاب لا ينتهي إلى مدن النشوة والرغبة.. دونما إحساس بالاحتياج.. دونما إحساس بالفقدان.

 

حتى عندما رحلت.. رحلت دونما رغبة منك.. رحلت كالطيور.. كالأشجار.. لكنك حتى عند رحيلك ما زلت تظللني بأوراقك.. وما زالت شجرتك حتى وإن كانت قد أسلمت الروح.. ما زالت تخبئ لي تفاحة بين أغصانها الكثيفة لا تسقط إلا عندما أستظل تحت جذعها فيالك من كريم وأنت بين يدي وبالك من كريم وأنت هناك في الجانب الأخر من الكون.