Fri,Apr 26 ,2024

فرح

نبيل أحمد الخضر

تحميل


في زيارتها لنا كانت صديقتنا المشتركة تشرب كأس الشاي. تجلس بجوار عائشة بينما أجلس أنا في المكان المقابل لهم.

 

 أنتم محظوظين ... تزوجتم قبل الحرب بأشهر. أنا كنت أحلم بزفاف مهيب ورائع، أدعو فيه كل صديقاتي، المقربات وغير المقربات، جاراتنا العجائز اللواتي لم يستوعبن أنى لست عانس كما يظنون وأنى استطعت العثور على من أحب بهدوء واتزان وأن أعطى نساء القرية من قريباتي فكرة أن منتصف العشرينات ليس نهاية الصلاحية للفتيات في المدينة وحلمت ايضا بالرقص على أنغام أغنيتي الهندية المفضلة مع بعض طفلات يلبسن فساتين بأذيال طويلة كما فستاني.

 

جاهدت كثيرا لأجل ذلك ولكن لا أحد يهتم فهناك حرب على الارض وهناك قصف فى الجو وهناك ايضا مجموعات تكره البهجة وتعادى الفرح من الاسرة والقرية والشارع والمدينة والوطن بأكمله.

توقفت كل الترتيبات التي قمت بها على مدار شهر سابق وفى نهاية الامر لم يكن لي الا البيت مساحة للفرح. فالشارع أصبح خطيرا. وصالات بالمئات لا توجد منها مساحة أمنة ... بيتنا الصغير لم يستطع أن يستوعب البهجة. العرق بداء ينسكب على وجوههن... الزحام شديد رغم ان العدد بالعشرات فقط والالوان بدأت تنسكب على وجوههن بسبب الحرارة وتلال الماكياج.

 

بصعوبة استطعت الحصول على مكان وأنا سيدة اليوم على كرسي مرتفع بعض الشيء عن بقية النساء. لم اسمع أناشيد ... لم أتمتع بغناء ... لم يكن هناك مكانا للرقص ... معظم صديقاتي هربن إلى القرى. معظم جيراننا مستجيرات ببيوتهن. حتى عجائز قريتنا خفن من دخول المدينة.

 

كل شيء يمر سريعا.

 

 

 

 

رجال أسرتنا يدفعوننا على الدرج دفعا ... كل شيء يجب أن يمر سريعا لتصبح كل فرحة بها بلا طعم. بلا لون. بلا رائحة.

 

 سريعا أدخلوني. سريعا أخرجوني. سريعا ذهبوا بي الى البعيد.

 

يوم واحد فقط اختزل كل الايام التي خططت لأحيائها بالبهجة. يوم صعب. درامي. كمية الصراخ بداخلة أكثر من كمية الزغاريد ... لأصبح أسرع زوجة تزف الى زوجها في التاريخ لترحل أسرتي الى القرية ولأرحل مع زوجي الى بيته هنا في المدينة.

 

لأول مرة أحس أنى حمل زائد ويجب التخلص مني.

 

كنت أحلم بأيام من السعادة والضحكات لتأتى رصاصات الارض وصواريخ السماء لتبترها.

 

 كنت وأنا أنظر الى الاشجار في طريق القرية أحس بنفسي لصة اقتنصت الفرحة وحصلت على شبح ابتسامة وهربت.

 

ونظرت الينا وهي تبتسم ... وتسالنا عن قصة عرسنا.

 

تذكرت في يوم خطبتنا والهجوم على مستشفى العرضي وقتل المرضى هناك.

 

يوم الفرح الذي واكب رفع الجرعة والمظاهرات وإحراق إطارات السيارات في الشوارع.

 

ولم تنتهي الازمة سريعا. مر الشهر الاول والثاني والثالث.

 

 

 

 

 لتدخل قوات الحوثيين الى صنعاء.

وتمر أشهر لتبدأ الحرب على اليمن.

والحصار يشتد.

وزحام من أرواح تصعد يوميا الى الاعلى.

اصبحت سماء اليمن مزدحمة بالموتى الصاعدين الى السماء.

ربما سيبدأ الله بخلق ملاك جديد لتنظيم الزحام.

وليسميه مرورائيل.

موتى كل يوم.

وقصف كل يوم.

وبكاء في كل بيت ...

الكل قد أصبح مستاء.

الكل قد أمسى يريد الحرية والامان

يريد الاكل والشرب.

الكل قد أصبح مخنوقا بالحصار والرصاص والصواريخ.

الكل قد أصبح يمقت دعوات حضور العزاء.

كنا صامتين لتنظر الينا من جديد.

 

  • كلمني أنت عن الحكاية يا نبيل.