Wed,Apr 24 ,2024

الخوف

نبيل أحمد الخضر

تحميل


كان الخوف وقله الحيلة هما المسيطران على كل الاعين.

العطش يشقق كل الشفاه.

اليأس يقبض على كل القلوب.

عوائل تهجر مسكنها.

فهناك هجوم أكبر في أيام قادمة.

الهواء المضغوط.

البيوت اهتزت، النوافذ تهشمت.

صرخات رجال غاضبة.

زعقات نساء خائفة.

صياح أطفال باكي.

بيت جديد هربوا إليه، ابنتهم المتزوجة من موظف لدى إدارة الجوازات بجوار جبل نقم الذي أتى الخبر سريعا بتعرضه للقصف حتى قبل ان يحطوا رحالهم.

بدأ القصف بصواريخ أصغر وأخف ضررا ولكن قربهم الكبير من الجبل جعل ايضا البيت يتهشم ويزداد:

غضب الرجال.

خوف النساء.

بكاء الاطفال.

صنعاء كلها جبال، خلقت من الجبال.

جدران بيوتها من صخورها.

مياهها من ينابيعها.

قافله جديدة انطلقت بجوار القافلة القديمة.

كان منزل الاسرة الكبيرة للزوج هو الاختيار القادم ...هناك في وسط العاصمة التي يبدو أنها لا تتعرض كثيرا للقصف لتبدأ فترة انتظار يومي للأخبار عن أماكن:

قصف جديدة.

موتى جدد.

رعب جديد.

رغبة متنامية بالعودة كلا الى عشة الامن الذي بناه بكده وتعبه.

وجاءت اللحظة التي يخافها الجميع. اهتزاز البيت الكبير حتى يكاد يقع وتهتز له الجدران وتتساقط بسببه قطع " الجص" القديم من السقف.

لا مكان أمن.

 الرحيل هو الحل الوحيد.

لم يتبقى الكثير من الأماكن التي يمكن اللجوء اليها. لا وجود لأهل يمكن النزول في ضيافتهم.

توقفت السيارة هناك وهي تبتعد ببطء عن صنعاء. لا تكاد توافق على الهرب بحمولتها كما يريد سائقها وركابها.

على أعتاب المدينة.

توقف الركب ينظر الى الافق.

لا مكان أمن.

أخبار الراديو تبث لهم كل دقيقة منذ خروجهم أخبارا عن:

موتى هناك.

جرحى هنا.

لاجئين هناك.

نازحين هنا.

لم يبد الافق ايضا متسامحا معهم.. فحتى السحاب تتكاثف وتزداد الوانها الرمادية اسودادا منذرة بقصف سماوي على الطريق الموحل دشنته اولى فلاشات البرق التي شقت السماء لنصفين ليصل هدير رعودها مفزعا كل من في الارض.

قارب الخوف تأمن.

هكذا قالها الاب وهو يبتسم كأنما أطلق حكمة سيرددها الجيل القادم وأجيال قادمة من بعده... استدار بسيارته متجها الى عاصمة الروح صنعاء، ومع كل اقتراب من مركز القصف كانوا يقتربون أكثر وأكثر من الامان والحرية.

  • بيتك أمن. نجي عندك يا أستاذ نبيل.