Fri,May 09 ,2025

السفر من أجل الابداع

2025-05-06


عن ماذا ولماذا؟

بعد الإقامة الحقوقية مع مؤسسة الارش لحقوق الانسان في القاهرة بجمهورية مصر العربية، ومن بعدها الإقامة الثقافية مع مركز الباحثات اللبنانيات في بيروت جاءت الفرصة للسفر خارج الوطن العربي وتحديدا في الولايات المتحدة الامريكية ضمن برنامج الزائر الدولي وهو برنامج ترعاه وزارة الخارجية الأميركية للتعرف على مختلف النواحي التي تتميز بها المؤسسات الأميركية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التربوية، والعادات الأميركية السائدة، وزيارة الأماكن التاريخية والمناطق الطبيعية، وبعض الأحداث الثقافية.

وتتميز الولايات المتحدة الأمريكية بالتنوع على الصعيد الثقافي والقومي والجغرافي، وأشخاص تواقين للتعرف على زوار من دول وحضارات مختلفة بغية تبادل الأفكار والآراء وتبادل التجارب، وهذا البرنامج ينشط برعاية وتنسيق مكتب الزائر الدولي وهو جزء من مكتب الشؤون الثقافية والتربوية (والمعروف سابقا بوكالة الإعلام الأميركية) في وزارة الخارجية الأميركية، وتتم إدارة هذا البرنامج بالتعاون مع عدد من المنظمات غير القابلة للربح في القطاع الخاص.

وكانت رحلتي  الخاصة بزيارة الولايات المتحدة الأمريكية تحت عنوان "الشباب والفنون" لزيارة أهم المعالم الفنية والأدبية والمسرحية والتعرف على شكل الصناعات الإبداعية والثقافية هناك بالإضافة إلى مجموعة ثرية من التجارب الدولية الإبداعية والثقافية بدعوة موجهة من قسم الخارجية الأمريكية لمجموعة من تسعه شباب فقط يعتبرون الأكثر نشاطا في الوطن العربي في دول اليمن وتونس والمغرب والجزائر ومصر والعراق بمعدل ثلاثة من مصر وإثنين من المغرب ومثلهم من اليمن وواحد فقط من كل دوله أخرى في المنطقة في شهادة دولية للمجموعة الأكثر فعالية في الإبداع والفن والثقافة والأدب في الوطن العربي.

وخلال رحلتي العالمية من أجل الابداع تزداد تشويقا ومعرفة عبر منسق الزيارة وهو معهد التعليم الدولي في واشنطن الذي عمل على تعريفنا على أهم التجارب الفنية والأدبية والثقافية والمسرحية في نصف العالم الغربي فمن مؤسسة الشباب والفن في واشنطن إلى الصالة الوطنية للفنون ومن دائرة الشئون الثقافية في وزارة الخارجية الأمريكية إلى جامعة هوارد والمساقات الفنية والثقافية والإبداعية فيها مرورا بالوقف الوطني للفنون إلى لجنة لدى سوى للفنون والعلوم الثقافية وهناك تم التعرف على مؤسسات مجتمع مدني نشطة للغاية في مجال الفنون والأدب وكيفية تطوير البرامج والمناهج في صندوق الاستثمار للأطفال والشباب في المجال الفني والإبداعي كمنظمة سيتي آت بيس ومركز جو إف داني سنتر للرقص ومشروع باول هاوس ومنظمة الوهيب هروب الرائعة والغير نمطية بالإضافة إلى طاولة مارتا.

عمن ولمن؟

تتنوع البرامج في الزائر الدولي بين برامج فردية مخصصة للزائر الذي يأتي بمفرده وبرامج للمجموعات التي يأتي الزائرون فيها من مناطق إقليمية أو من مناطق مختلفة في العالم، ويهدف البرنامج لتعزيز التفاهم المتبادل من خلال التواصل على المستويين الشخصي والمهني، والمشاركون في هذا البرنامج هم شخصيات أجنبية مرموقة ومحترمة في بلادها تلعب دورا هاما في الأوساط الحكومية والسياسية وفي مجالات الإعلام والتربية والاقتصاد ومكافحة المخدرات والجرائم والعلوم والبيئة والعمل وحقوق الإنسان وقضايا المرأة وإدارة الفنون وشتى المجالات الأخرى. ويقوم المسؤولون في السفارات أو القنصليات الأميركية في البلدان الأجنبية باختيار المشاركين بالبرنامج. وتتم دعوة هؤلاء الأشخاص للمجيء إلى الولايات المتحدة بغية لقاء نظرائهم في الحقل المهني والتحدث معهم حول المواضيع المهنية التي تهم الجانبين في زيارة تستغرق عادة ما بين أسبوعين وأربعة أسابيع فرصة التعرف على الولايات المتحدة عن كثب.

ويتم عادة اختيار معظم الزائرين الدوليين لأنهم قد عملوا مع شخص ما أو تعرفوا على أحد المسؤولين الأميركيين في السفارة أو القنصلية الأميركية في بلده، وقد يكون هذا الشخص أو المسؤول في مكتب الشؤون العامة والثقافية في السفارة الأميركية أو في المكتب السياسي أو الاقتصادي أو مكتب الملحق العسكري أو في أية منظمة للتنمية مثل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، ويتم اختيار الزائر الدولي لأن بلده والولايات المتحدة سيستفيدان من تبادل الأفكار والآراء خلال اللقاءات المهنية، ويأتي المشارك في برنامج الزائر الدولي إلى الولايات المتحدة بصفة شخصية بالرغم أن الحكومة الأميركية تقدم سنويا تمويلا كاملا لثلثي عدد الزائرين الدوليين.

عن أين ومع من؟

مع الوصول الى واشنطن بدأت فعاليات البرنامج بالمضي قدما في العاصمة الامريكية ومن ثم لوس انجلوس ودنفر ونيويورك لمقابلة الكثير من المؤسسات الإعلامية و الجولات الدورية والمؤسسات الثقافية والفنية والأدبية والسينمائية والمسرحية و المدارس والجامعات وزيارات لأسر أمريكية ضمن نشطة ممتعة وناجحة ومضيافة  واكتشاف النواحي العادية وغير الرسمية في حياة الأميركيين بصفتها طريقة للتقارب والتعبير عن الصداقة واستثمار أوقات الفرع في الكثير من الأماكن العامة والمكاتب والمجمعات التجارية والمحلات والمطاعم والثقافة الامريكية في كل المدن والولايات ضمن برنامج الزيارة  والخروج بإنطباع رائع عن الثقافة والفنون الامريكية ككل.

عاصمة متحفية

إن تجارب منظمات المجتمع المدني هناك ذات أهمية مطلقة وغير عادية ولديها الكثير من الجنون والإبداع والقوة والشمولية والتنوع والفن, وكانت للزيارات إلى أهم المباني الحكومية ذات الارتباط بالفن والإبداع الأمريكي ذات نكهة خاصة وجميلة فمن مكتبة الكونجرس ذات المعمار المدهش وآلاف وملايين الكتب بداخلها وعشرات التماثيل زيارة للمحفوظات بداخل المكتبة والاطلاع على أهم التجارب الأمريكية الإبداعية في التاريخ الأمريكي إلى متحف الكابيتول الضخم والذي كان يحتاج إلى أيام للتعرف على كل ما بداخله من تحف قيمة وذات ارتباط بالتاريخ الأمريكي الإبداعي والفني مروا بصالة ومتحف سميثسونيان الوطنية للصور والمتحف الأمريكي والمتحف الوطني للتاريخ الأمريك وعن السياسات الفنية والإبداعية كجزء لا يتجزأ من التاريخ الأمريكي في تطوير وتفعيل وبناء الفنون والإبداع هناك ماتت هناك زيارات أمريكيون لأجل الفنون والمقابلة مع العاملين في تطوير السياسات الفنية هناك ومؤسسة تعليم الفنون.

إن ما يميز واشنطن في هذه الزيارات السابقة جميعها هو أناقتها المفرطة في تقسيم الشوارع وهندستها الرائعة في هذا المجال بالإضافة إلى متاحفها وحدائقها الجميلة وحميمية المؤسسات التي تم زيارتها هناك بشكل كامل وقدرتهم على التفاعل والتعاون والرغبة في العمل المشترك.

مدينة الفن والضوء

وهناك في أقصى الغرب في "لوس أنجلوس" كانت لنا لقاءات أخرى ودهشة أخرى مع عدد من المؤسسات والتجارب الفنية والأدبية التي تستلهم من ثقافات عديدة موجودة بالمدينة هذه الفنون فمن الفنون المكسيكية إلى المعاهد الفنية الكبيرة التي تخرج إلى العالم معظم فنانيه وفي لوس أنجلوس هناك مليون وظيفة يخلقها الفن والإبداع في المدينة الحاضنة لهوليوود وشارع بيفرلي هيلز وغير ذلك من الشوارع أو المؤسسات التي تعمل بالفن ولأجل الفن سواء التجاري منه والمكتسح للعالم كالأفلام الأمريكية أو المدني منه والتي تقدمه مؤسسات المجتمع المدني هناك.

في لوس أنجلوس تحس بالفن في كل بلاط من بلاطات الشوارع المزخرفة بأسماء النجوم الذين لمعوا في سماء الفن في العالم وهناك أيضا المؤسسات التي ترفد الشارع بفنانين جدد يوميا فمن الفن والشباب الأقل خدمه في مجال إعادة التأهيل بالفن إلى برامج التعليم البديل عبر الفن ومؤسسة أبدعوا لأن ومرورا بأوركسترا لوس أنجلوس الخيرية للشباب ومؤسسة فنون المدينة القديمة وائتلاف الرقص والموسيقى بالمدينة الفنية المهمة, وإن ما يميز لوس أنجلوس هو شوارعها الفسيحة وشاطئها الجميل والمزدحم والملي بالأجساد الملونة بكل ألوان البشر تتعامل مع البحر بحب ومع بعضها البعض بتسامح وجمال ورغبه بالحياة.

صنعاء أم دنفر

في دنفر تذكرت صنعاء اليمن فالاثنتين على علو مرتفع من على سطح البحر ومعظم الحاضرين أرهقوا من السفر والانتقال الفوري من مدينة ساحلية إلى مدينة مرتفعة في الجبال إلا أنا فقد توائمت مع جو دنفر كثيرا وأحسست بالصحة والحيوية بهذه المدينة في وسط الولايات المتحدة الأمريكية والنائمة على سلسلة جبال مليئة بالجليد، وفي دنفر كان هناك ذلك الاستثمار الهائل في مجال الفنون فالأوركسترا في شوارع المدينة تعتبر حدث ثقافي مهم يحضره الجميع ودور السينما في المولاة القريبة من الفندق تقدم أحدث الأفلام السينمائية في العالم وحضرت في هذه المدينة ولأول مرة في حياتي أوركسترا فنية عزف فيها ما لا يقل عن ثلاثمئة شخص من عازفين على الآلات وكورال من النساء والرجال معزوفات جميلة عالمية وأمريكية, وكانت الزيارات هناك لعدد جيد من مؤسسات المجتمع المدني التي قدمت رؤيتها لنا حول طرق استثمار الفنون في التنمية وان الإبداع أساس من أساسات التنمية في البلد ومن بينها مجمع دنفر لفنون الأداء ومركز دنفر لفنون الأداء وشارع الفنون ووندر باند وتينك 360 للفنون والمسرح الفضولي هناك ومشروع يونيتي للجداريات وكان من الرائع حضور هذه الكوكبة المهمة والمختارة بعناية من الزائرين الدوليين في وجود حدث مهم وهو مهرجان النقاط الخمس لموسيقى الجاز الذي زرع الموسيقى في جميع طرقات وشوارع المدينة الجميلة.

مدينة السحب

وكانت المحطة الأخيرة للمدينة السحابية نيويورك التي كانت تتباهى بناطحات السحاب التي تجعلك مرهقا من التحديق في طولها وتراصفها جنبا لجنب على امتداد الأفق في نيو يورك كان لبعض النماذج الفنية والأدبية والثقافية والفنية دور مهم في تغيير رؤيتنا للفن في أمريكا عموما فنيويورك تستطيع أن تخلق من كل شيء نقودا وبالأخص الفنون كانت المواضيع المهمة التي تم التعرف عليها في نيويورك هي مواضيع خاصة بالفن والإشراك السياسي للشباب عبر ثانوية ثاريللوا إتش للموسيقى والفن وفنون الأداء ومدرسة السينما ومنظمة البويت لتنمية المجتمع والتي تعمل على زيادة القدرة على العمل الفني في مجتمع يسوده العنف ومشروع الشارع 52 ومركز شعاع العين ومركز النشاط الفني هناك.

إن نيويورك تبقى في البال على مر الزمن لوجود تايم سكوير في جنباتها ذلك الشارع الذي يبين عظمة الفنون في التنمية فمئات الشاشات في ذلك الشارع والذي تعرض أحدث ما تم التوصل إليه من خطوط الموضة وأهم الأفلام المعروضة في الولايات المتحدة الأمريكية بالإضافة إلى شار ع برودواي الذي يقدم أهم وأحدث المسرحيات العالمية.

في نيويورك كان الانبهار بالفن قد بلغ القمة مع حضور مسرحية "شبح الأوبرا" وتلك القدرة الكبيرة على استثمار مساحة الخشبة المسرحية في تقديم ديكورات غاية في الجمال والضخامة والتنوع فمن مشاهد الأشجار التي كانت تنبت فجاءة على أرضية المسرح إلى المدرج الكبيرة الذي استوعب أكثر من 150 ممثل يصدحون بالغناء على المدرج إلى الإحساس لدى المتفرج بأنه ينزل إلى تحت الأرض مع الممثلين في مشهد بداء فيه بطلي العرض من شبح الأوبرا والفتاة المطربة كأنهم يمشون على الهواء وينزلون إلى الأسفل للوصول إلى قعر الأرض وإلى المسكن الأبدي لشبح الاوبرا الذى طغى عليه الحب في نهاية المسرحية ليترك الفتاه التي احبها للشاب الى تحبه ويموت هناك في قعر الارض ويتحول قناعه الذى كان يخفي وجهه المشوه الى درة لامعه اضاءت اركان خشبة المسرح وابهرت الحاضرين بلمعانها الشديد في وجوههم في ظل الظلمة الدامسة لكل شيء لتعطى تلك الفكرة الابدية بان الحب هو اساس الفن والابداع والحياة كاملة.

حوار الحضارات أم صراع الحضارات

إن الولايات المتحدة الامريكية ليست في الحقيقة من الدول التي تجد لها محبين في اليمن , وكنت أخاف أن تكون هذه الزيارة تقليل لإيماني بوجود حوار الحضارات وزيادة إيماني بوجود صراع الحضارات , ولكن بسبب أن البرنامج هو برنامج ثقافي وفني وإبداعي , وهو برنامج متخم بزيارة المؤسسات الفنية والثقافية والأدبية والإبداعية فقد خلق هذا نوع من التفاؤل بأن البرنامج سيكون ناجحا في خلق رؤية مشتركة بيننا كعرب والامريكيين , ورغم اعتقادي ببعض الأفكار المسبقة عن رجل الشارع الأمريكي الا أنها تغيرت عندما تعاملت معه عن قرب, وزاد ايماني بأننا جميعنا يمكننا الوصول الى اتفاق مع اللقاء والحوار والفهم ومهما كنا محملين بالانتماءات والاختلافات والأفكار الموروثة و المسبقة.

هل وصلت لإتفاق مع نفسي لأتفق مع الأخر

ها أنا أدخل العقد الرابع من العمر وبدأت أول عام بداخله ولم أصل بعد إلى اتفاق مع نفسي، عملت في مؤسسة تختص بالطفولة والحقوق الإنسانية وتقوم بتفعيل برامج الثقافة والفنون والأداب والعمل ضمن برامجها ومحاول معالجة قضاياها.

ومع رحلتي الى الولايات المتحدة الامريكية كنت ما أزال غير قادر على الوصول لاتفاق مع نفسي كي أتفق مع الاخر، ومع ذلك فقد أحببت الزيارات التي قمنا بها والشباب الذي التقين بهم، والمؤسسات الثقافية والفنية والأدبية التي تناقشت معها لأكتشف أننا نتشابه في الكثير سواء في الأفكار أو الأنشطة أو البرامج وحضور العروض السينمائية والمسرحية وعيش أيام من الجنون واللعب والضحك الذي يرتدى ثوب العمل الجاد.

وقبل وخلال وبعد الزيارة فكرت وما زلت أفكر في مثل هذه المشاركة ومدة نفعها على أفكاري وحياتي ومعتقداتي، وفكرت أيضا بمدى صعوبة الحوار مع الأخر وخصوصا عندما لا تعرف أنت نفسك أولا، وإنني لم أصل بعد إلى قرار رغم أنني تحاورت كثيرا مع نفسي "تلك النفس التي أحس أنى أدركها تماما" فكيف بالتحاور مع الأخر الذي لا أعرفه، ولا أدرك أفكاره المغايرة، ولا أريد فهمها لأني مطمئن لثقافتي وأحبها.

 وأغلب الظن أنني أستطيع فهم العربي في اقامتي الحقوقية والثقافية والفنية في مصر ولبنان أكثر لأنه جزء مني يفكر كما أفكر ويحس بما أحس ولدينا نفس القضايا التي تهمنا ولكن الأخر الأمريكي فلم أكن أعرف كيف أتعامل معه؟ وكنت أتساءل عند الحديث معهم, هل هناك طاولة للموضوعية ترن عندما يخرج أحدنا عن مسار الموضوعية؟، وهل هناك طاولة للاحترام تصفر عندما يبدأ أحدنا بانتهاك الأخر؟، ولماذا لا نختلف، الاختلاف جيد، وأساسا يجب أن نختلف إن لم يكن في الرؤى الأساسية ففي الآليات المحققة لها، وإن لم يكن في الآليات فعن مستوى النتائج التي يفترض أن نصل إليها, وكنت حدث نفسي كثيرا متسائلا " أليس من المعقول ألا يفهم أحدنا الأخر، ويعطي كلا منا  صورة سيئة عن نفسه أنه غبي، ولكن كل تلك التخوفات لم تتحقق فمع الاقتراب من الاخر والحديث معه بهدوء واتزان ومحاولة للفهم فلا بد من الوصول الى نقطة مشتركة للحوار المثمر.