Fri,May 09 ,2025

الإقامة البحثية مع مركز الباحثات اللبنانيات ابريل 2009

2025-05-06


بيروت... مدينة شابة

دائما ما كانت بيروت حلم كل شاب عربي يسعى إلى التحرر في عاصمة عربية الاسم، أوروبية السلوك، عالمية الثقافة، ذات نشاط مكثف في مجال الثقافة والفنون والآداب، عاصمة عالمية للكتاب، وذات خبرة طويلة في مجال المجتمع المدني.

في الشهور القليلة الماضية كان هاجس زيارة بيروت يسيطر على تفكيري وخصوصا بعد زيارة القاهرة بدعم من سفر – صندوق تجوال الشباب العربي الذي دعم تحقيق هذا الحلم بزيارة بيروت والتي تمت في الفترة ما بين 2أبريل إلى 26 أبريل 2009م، وأنا الآن في اليمن أفكر ما الذي قدمت لي زيارة بيروت وما الذي أخذته منى وهل كانت بحجم الحلم أم أنها فاقته أم أنها لم تكن بحجم الحلم ولكي أكون صادقا مع نفسي فهي لم تكن بحجم الحلم، فقد بدأت الأفكار التي تقارن ما بين القاهرة كمدينة أزورها باستمرار وبيروت التي تشغل تفكيري، وما بين مطار هذه ومطار تلك، وما بين شعب هذه وشعب تلك، وما بين مؤسسات هذه ومؤسسات تلك. وللحق أقول كانت القاهرة الفائزة وبامتياز.

ولا أعرف ربما لأنني يمنى وبالتالي أستطيع أن أدخل إلى القاهرة متى أشاء دون تأشيرة تلك التأشيرة التي خرجت بصعوبة وربما عندما أدخل القاهرة لا أحد يقول لي إنك يجب أن يكون لديك مبلغا من المال وحجز في الفندق، وقد أدخل إلى القاهرة بخمسون دولار ولا أحد يفتش ولا أحد يستجوب، وعندما أقول إن بيروت أوروبية السلوك أظن أن المسالة هنا لا تتعدى الملبس والتصرف ولكن أيضا للمحددات الكثيرة التي يستلزمها الدخول إلى هذه الدولة والعيش في هذه المدينة.

أصبحت متهما إلى أن تثبت براءتي؟؟ أقصد ثرائي؟!.

المحاولة للسفر لبيروت تكررت مرتين وكانت الأولى فاشلة ورجعت من المطار وكانت الثانية على وشك الفشل، ففي الأولى وعلى الرغم من أن التأشيرة موجودة إلا أن الشخص المكلف بالأمن في مطار صنعاء رفض صعودي إلى الطائرة إلا بعد إظهار مبلغ 2000 $ وإلا فلن أصعد إلى الطائرة، وبالفعل فقد رجعت إلى المنزل وبدأت أول تغييرات الحجز الذي تكرر مجددا، وحينها أخبرتني السفارة أنه ما دمت أملك تأشيرة وعنوان سكن معروف ببيروت فأنني فأستطيع السفر دون هذا المبلغ، وبعد أسبوع من المحاولة الأولى ذهبت إلى المطار وتكرر نفس السيناريو إلا إننا كنت مجهزا ببعض الأوراق المأخوذة من موقع الأمن اللبناني الذي يصادق على قولي، واستطعت القفز على الحاجز الأول وهو المطار اليمني.

 ولأن سفري كان على طيران المصرية فقد كان يمر عبر صنعاء القاهرة بيروت وعند كل باب في مطار صنعاء كان هناك من يستوقفني، وكل الذاهبين إلى القاهرة دخلوا وأنا ما زلت أقدم لكن من يحمل فوق كتفيه نجمة أسباب سفري إلى لبنان، وعند الوصول إلى بوابة الخروج لأرض المطار والصعود إلى الطائرة استوقفت للمرة الثالثة في مطار صنعاء ليتم إرجاعي لضابط الأمن في المطار وكانت خمس دقائق صعبة وليس ذلك بسبب الأسئلة ولكن بسبب ضغط الوقت فلم يكن هناك متسع وإذا طارت الطائرة فهذا يعنى تأخير إضافي وتكاليف إضافية لتغيير الحجز والمواصلات من وإلى المطار.

كيف وما السبب ولماذا، كيف ستسافر؟؟؟ وعند من ستسافر؟ ولماذا ستسافر؟ وهل هذه هي مسودات الكتب التي ستناقشها مع الدكتورة التي ذكرت اسمها، وكيف تعرفت عليها، ولماذا التذكرة من الأردن، وكل هذا لانا سأسافر إلى لبنان، فما الذي يحدث، لو كنت سافرت لأفغانستان كان هذا أسهل!, وبعد خمس دقائق صعبة وقع على تذكرتي لأدخل إلى الحافلة ومنها إلى الطائرة المتجهة إلى مصر، وقيل لي والفكرة هنا لشخص جاورني في الطائرة أن هذا يتعلق بحساسيات إقليمية بسبب الأوضاع في صعده في اليمن ودور بعض الجهات الإقليمية في هذا النزاع ومنها جهات لبنانية مؤثرة, وفي مصر كان الترانزيت يستمر لمدة سبع ساعات على الرغم من أن هناك طائرة أيضا بعد ساعة من وصولي القاهرة فهناك طائرتين في ذلك اليوم من القاهرة لبيروت وقد جاء إلى عندي في موقع الترانزيت شاب مصري ليخبرني إذا كنت أريد الذهاب فيها، لا أعرف هل كان منظري متعبا فقرر أن يساعدني أم كان هناك فراغ في حجز ما فقرر أن يعبئه، وكانت فرصة وافقت عليها وسافرت إلى بيروت في منتصف صباح ذلك اليوم 2/ أبريل/ 2009م.

في بيروت... الجرأة لا تعنى الحرارة:

إن تكون جريئا يعنى أن تكون حار المشاعر وساخن الفكر ولكن في بيروت قد لا تعنى الجرأة ذلك بالضرورة فمدينة بيروت المحتضنة لأول مؤسسة تعنى بحماية حقوق المثليين في الشرق الأوسط، أصبحت جريئة حتى مع جمود مشاعرها وبرودة خيالها, ولا أعرف حقيقة ما أريد الحديث عنه هنا، ولكن تبدو المؤسسات اليمنية باردة على مستوى الأداء ولكنها ومن الداخل حارة على مستوى الفكر والأحلام والمشاعر والتطلع للمستقبل بخلاف المؤسسات غير حكومية البيروتية، وربما لأن العمل في المجتمع المدني هناك احترافيا أكثر وأي فكرة تجد لها رواجا ليس لأن أصحابها تعبوا في التفكير بها وتناقشوا بسخونة في أبجدياتها ولكن لأن الفكرة في الأساس جيدة ومضمونة النجاح ومسبوكة على مستوى البناء فأصبحوا بسبب من نجاحهم ذو صعوبة في الوصول إليهم وزيارتهم.

فاديا حطيط... لقاءات مفيدة جدا... قليلة جدا:

كان من المفترض أن يكون السفر 25 يوما وأن يكون هناك كل أسبوع لقاءين وهذا يعنى ستة لقاءات على الأقل معها للتعرف على تجربتها والإفادة منها، ولكن جاء سفرها إلى إيطاليا في 19 أبريل مفاجئا ليجعل آخر أسبوع من السفر دون لقاءات معها، وينخفض عدد اللقاءات من ستة لقاءات في الثلاث الأسابيع إلى أربعة لقاءت فقط، وإن كانت قد قللت من حجم هذه الخسارة بمجموعة من الكتب المهداة منها ليتم التعرف على تجربتها والاستفادة منها عند رجوعي إلى اليمن.

فاديا حطيط شخصية معروفة في مجال الطفولة في الوطن العربي وتناقش هذه الشخصية رسائل ماجستير للعديد من الشباب العاملون مع الأطفال في الوطن العربي، وتمتلك العديد من الدراسات والأبحاث والكتب التي أعطتنا بعضها للاستفادة من أفكارها، وهى على المستوى الإنساني مضيافة ومهتمة وعلى المستوى العلمي موسوعية وذات تاريخ طويل في التعامل مع قضايا الطفولة المبكرة في المنطقة العربية، وذهبت إليها للتعرف على تجربتها من خلال معايشتها وكذا لعرض مجموعة من كتاباتي عليها وهى التي قمت بكتابتها في الثلاث السنوات الماضية من خلال مشاهداتي لأوضاع الطفولة في الجمهورية اليمنية، وأعترف أن بعضها لم يكن قد أكتمل ولكنى أحببت قبل أن أنتهى الاطمئنان إلى جودة ما أكتبه.

مصر هي أمي:

عندما أتذكر ما الذي حدث في مصر وفي بيروت أتذكر إننا رجعت من مصر بمائة وثمانية كتب من أقوى ما أنتجته المخيلة العربية في الحقوق الإنسانية ولم أرجع من بيروت إلا بثلاثون كتابا منها سبعة كتب مشتراة بالرغم أنها من مؤسسة مجتمع مدني وأقصد هنا ورشة الموارد العربية، وعندما أتذكر مصر أجد بعد زيارتي الأولى حصلت على أربع فرص للسفر، والخوض في تجارب مشاركات إقليمية في الإيدز والطفولة والشباب، وحصلت على الكثير من الأصدقاء المصريين الموجودين على الفيسبوك والمدونات وما يزال هناك الكثير لتقدمه لي مصر من فرص بخلاف بيروت.

وعندما أفكر في مميزات المدينتين أدرك في أن مصر أم تعطى من يأتيها بغير حساب على مستوى الأفكار والخبرات والعلاقات والنشاطات، وعندما أفكر في لبنان وفي بيروت أحس بها كصديقة لا تعطيك الكثير بقدر ما تعطيك بحساب وتحاول أن تجعلك تأتي إليها ثانية إذا كنت تحتاج للمزيد، فالقاهرة العجوز والكبيرة السن تنظر إليك بمحبة وتفرد ذراعيها لك بشكل كامل وبيروت الفتاة الجميلة تتهرب منك ولا تستطيع أن تأخذ منها إلا القليل.

وهناك في القاهرة الأسواق الشعبية والأكلات الساخنة والزيوت المتطايرة من كل صوب وبيروت مدينة الأكلات الباردة التي تجعلك تدمع بسبب حموضة مخلاتها التي تأتي مع كل طعام تطلبه، وتقارن دائما ما بين القاهرة مدينة الشاي الساخن والشوارع الساخنة والمصائب الشهرية والحراك المجنون، وبيروت مدينة الكولا الباردة والشوارع الحديثة والهدوء المزعج، وتتعمق أكثر في المقارنة، وتجد أن القاهرة بلد الأشخاص الذين يعتبروك "بلديات" من أول وهلة.

إن بيروت بلد الأشخاص الذين يعتبروك غريبا حتى ولو عايشتهم دهرا، والقاهرة بلد الشوارع المفتوحة فيما عدا البعض اليسير منها وبيروت بلد الشوارع المغلقة فيما عدا اليسير منها، والقاهرة بلد متخم بالبشر والمنازل الحميمية، وبيروت بلد متخم بالبنوك والفنادق الباردة، في كل شارع بيروتي بنكا أو فرعا لبنك حتى أنى كنت اتصال أين الناس وأين يسكنون؟، ولا أعرف ما الذي جعلني أقارن فهذه الفسحة من الصفحات مخصصة لبيروت.

وفي المجمل كان يجب أن أعطى ما تأملته وما أحسسته وأنا أتطلع لصخرة الروشة، والإحساس بالغربة يضايقني والذي لم أتذوقه في القاهرة، ولا أعرف لماذا أكتب بشكل سلبي حتى الآن رغم أن الكثير من المؤسسات أحببتها والكثير من الشخصيات أصبحت صديقة لي أتطلع للقائها مجددا هناك في بيروت.

مؤسسات مدنية بحج عائلي:

تتكاثر في اليمن مؤسسات صغيرة على اعتبار أن العمل في الغالب ينصب في العاصمة صنعاء وقد لا يتعداها إلى الضواحي والمدن الأخرى وكذا لحداثة تجربتها وكونها ما زالت في مرحلة النمو، ولكن في لبنان وخصوصا تلك المؤسسات التي قمت بزيارتها بداء لي أن كل مؤسسة ذات حجم كبير لدرجة فكرت فيها كثيرا حول طرق إدارة هذه المؤسسات فأغلبها أو كلها تحتوي على فروع لها في كل المناطق اللبنانية وعلى رأسها بالطبع مؤسسة عامل وجمعية الثروة الحرجية والتنمية والتي كانتا من أوائل المؤسسات التي زرتها، وكذا من أقدم المؤسسات هناك، وكذا الأمر بالنسبة للعديد من المؤسسات التي سيأتي تفصيلها والاستفادة التي خرجت منها في المقاطع التالية.

حكاية السفر للمدينة الشابة:

بداء السفر لبيروت في الحادية عشرة ليلا بحيث يكون هناك ترانزيت في مطار القاهرة ومنها لبيروت، ووصلت هناك في الثانية عشرة ظهرا، ولأسباب تتعلق بالتغيير في الطائرات فقد فقدت الشنطة الخاصة بي مما اضطرني الجلوس يومين بالثياب التي كنت أرتديها وأيضا كلفني الرجوع إلى المطار بعد يومين 40 دولارا مساوية للمبلغ الذي أتيت به من المطار لحظة وصولي.

وبحثت أول ما بحثت عن المدينة القديمة لأنني أعرف أن المدن القديمة أكثر دفء من الحديثة وأكثر كرما وضيافة ولكني لم أجد بلدا قديمة، كانت المدينة القديمة قد اختفت أثناء الحرب، وعمر بدلا منها مدينة جديدة مليئة بالبنوك والفنادق لدرجة أن هذه المدينة الجديدة تحتوي في بعض شوارعها على بنوك فقط على طول الشارع، وتمشى عشرون دقيقة قبل أن تنتهي منه ومع ذلك لا تحفظ اسم بنك واحد من البنوك الموجودة، وهذا ليس في المنطقة الجديدة والتي بداء فيها الإعمار حاليا ولكن بيروت في كل شارع منها يوجد بنك أو فرع لبنك وهذا يجعلك تحس بروحانية تختفي رويدا رويدا وتحس بماديتك تظهر رويدا رويدا.

بدأت أولى زياراتي بالاتصال بجمعية الإخوة للعمل الثقافي وهي جمعية تعمل على اللاجئين الفلسطينيين من الشباب والأطفال في مخيم برج البراجنة ويعتبر الأخ حسن المصطفى "أبو فادي" الوحيد في لبنان الذي عمل على زيارتي للفندق واصطحابي إلى جمعيته وأعتبر ضمنيا أنه هو الوحيد الذي لم يحتج إلى اتصالات من أربعة لخمسة لتحديد الموعد وتجديده وتأكيده.

وكان وصولي في وقت تقدم فيه المؤسسة دورة تدريبية لمجموعة من الشباب في برج البراجنة حول المشاركة الشبابية وحول الحوار بمشاركة عشرون شابا وشابة، وبعد ساعة من الحديث حول الجمعية وما تقدمه من خدمات للاجئين الفلسطينيين تعرفت على أنشطة الجمعية الرياضية والتي كانت تحاول أن تعطى للشباب والأطفال مجموعة من التدريبات على تنس الطاولة، وقد أحببت مشاهدتهم، وفكرت كم من المؤسسات في اليمن التي حاولت أن تطرح الرياضة في مساقاتها؟ وهل فكرت المؤسسات اليمنية في مدى ارتباط الرياضة بالصحة للأطفال ودورها في الترويج والتوعية بأهمية مشاركة الطفل وحمايته من العنف والإساءة والإهمال، وفيما بعد دخلت الدورة التدريبية، وتعرفت على الشباب والشابات بداخلها، وكانوا يسمعون لأول مرة عن سفر وسألوني الكثير عنها ربما لأنهم يرغبون بالاطلاع على العالم العربي وخصوصا تونس بالنسبة لبعض الشباب وقد أعطيتهم عنوان سفر وبعض ما تقدمه من خدمات للشباب العربي.

ومن ميزات الشباب الفلسطيني برغم ظروفه الصعبة أنه محب جدا لزائريه، وتعتبر جمعية الإخوة للعمل الثقافي الوحيدة التي دخلتها العاشرة صباحا وخرجت منها الرابعة عصرا بسبب من تعامل العاملين فيها ومنتسبيها، بينما بقية المؤسسات لم تكن تمر الساعة إلا وأجد نفسي قد استهلكت ولم يعد هناك ما يمكن الحديث حوله، وقد رافقني إثنين من الشباب إلى داخل المخيم وتجولنا بداخله، وهم من أهم الشباب الذي تعرفت عليهم في بيروت وأحدهم أسمى أحمد إسكندر وهو السكرتير الصحفي لسفارة دولة فلسطين في بيروت.

وتحدثنا كثيرا حول أحوال اللاجئين وخصوصا الأطفال والشباب في المخيمات، ولم يشاء هذا الشاب أن يتركني إلا بعد عزيمة على حلوى بسبب ولادة طفل في عائلتهم، وقد تجولنا وتحدثنا معا حتى اقتراب المغرب، وفيما بعد دعاني لفعالية غنائية فلسطينية بمناسبة يوم الأرض وذهبت إليها في اليوم التالي وكانت سهرة ممتعة مع مجموعات من الشباب الفلسطيني الذي قدم مجموعة من الرقصات والأغاني الجميلة، وكان يرغب بأن يهزمني مجددا على عشاء، ولكن زياراتي التالية للمؤسسات اللبنانية جعلتني أنسى موعدي معه ولكني لا أنسى أن أشكره على ما قدمه من ضيافة كريمة.

وفيما بعد بدأت زياراتي تتواتر على المؤسسات وعلى الدكتورة فاديا حطيط وكان اليوم التالي موعدي معها لنتحدث سوية حول بعض نشاطاتها ومن ثم حول بعض نشاطاتي أنا كفرد ومن ثم حول نشاطات (مؤسسة إبحار للطفولة والإبداع)، والدخول بعدها في مناقشة بعض أوضاع الطفولة في اليمن ولبنان، وتذكرها لبعض الشخصيات التي التقتها من اليمن ولحظتئذ تناولت منى مسودات الكتب التي ذهبت خصيصا لمناقشتها معها، وهي حصيلة ثلاث سنوات من البحث والعمل ضمن بيئة الطفولة والشباب في اليمن أولها بعنوان "الأطفال والضواحي اليمنية خارج نطاق الريف خارج نطاق المدينة وخارج نطاق الحياة" والكتاب الثاني كان بعنوان "الإنترنت في خدمة الطفولة اليمنية" والكتاب الثالث بعنوان "المناطق الرمادية والسوداء في قضايا الطفولة في الجمهورية اليمنية"، والثلاث الكتب كانت كتب صغيرة بمعدل 100 صفحة لكل كتاب من هذه الكتب وتركتها كمسودات لديها على أمل مناقشتها في اللقاء التالي.

وما بين اللقاءات مع الدكتورة كانت الزيارات للمؤسسات غير حكومية هناك، ومن خلال الدكتورة تعرفت على مؤسسات كبيرة منها ورشة الموارد العربية ليت لم أراسلها عندما كنت في اليمن ولكن من خلال تنسيق الدكتورة فاديا حطيط استطعت الحصول على موعد مع ورشة الموارد العربية كمؤسسة كبيرة جدا في الوطن العربي تقدم الكثير من الدراسات والأبحاث ولدورات في مجال الطفولة والشباب وخصوصا في مجال الطفولة المبكرة، وكانت زيارتي لورشة الموارد العربية من الزيارات الوحيدة التي أظن أنها كرست لفرصة لي لزيارة لبنان في المستقبل القريب فهناك مؤتمر حول الطفولة المبكرة سيقام في نوفمبر القادم وأتطلع إلى المشاركة بها، وورشة الموارد العربية صغيرة الحجم على مستوى الواقع فهي تقطن في شقة صغيرة في وسط بيروت، ولكن الداخل إلى موقع الورشة الإلكتروني والمستفيد من الكم الكبير من الدراسات والأبحاث والترجمات التي توفرها الورشة للقارئ والناشط العربي تجعل من المتأمل في تجربة هذه المؤسسة يعرف أن الشيء ليس بصغر حجمه ولكن بجودة وضخامة وقوة وشهرة أفكاره ونشاطاته وأنه من الممكن لمؤسسة تحتوي ربما ثلاثة أشخاص أن تعمل على تغيير مجتمعات إذا توفرت الرؤية والحماس والإلهام والإيمان،.

وتعتبر الورشة من أهم المؤسسات التي حصلت منها على كتب، تلك الكتب التي عندما أزور عاصمة أبحث عنها لأنها الزاد المستمر إلى أمد بعيد بعد نهاية الزيارة، وكنت أحب أن أحصل على كل نتاج الورشة ولكن في العموم فالورشة لديها من النتاجات ما يعجز الشخص عن شرائها لأن الكثير من الكتب التي تتوفر في الورشة هي للبيع ربما كنوع من الاستمرارية في طباعة هذه الكتب وعدم التوقف عن إنتاجها عند انتهاء طبعاتها، وكنت حزينا لأنني تركت خلفي بعض الكتب التي كنت أرغب بها بشدة ولكن فكرت بأنه في زيارة لاحقة سوف أحضر لبيروت وساعتها سيكون لي لقاء آخر من ورشة الموارد العربية وأعضائها الملهمون.

وفي اليوم التالي كان لقائي مع جمعية الثروة الحرجية والتنمية وهي من المؤسسات التي لديها العديد من الفروع في الدولة اللبنانية، والتي رغم قلة عدد أعضائها إلا أنها كانت نشطة جدا في هذا المجال المتعلق بالبيئة وتعمل هذه الجمعية في مجال التحريج وحماية المحميات الطبيعية وحماية البيئة والدعوة إلى حمايتها ودراسات وأبحاث حول الأضرار البيئية.

ما أحسسته أنني وعند زيارتي للورشة وبعدها الثروة الحرجية والتي قابلتني هنا سيدتين وفي الورشة أيضا سيدتين وسيد ثالث أن المجتمع المدني في لبنان تسيطر عليه المرأة، وهذا ما تأكد لي عند زيارة العديد من المؤسسات في وقت لاحق، وما تأملته لدى جمعية الثروة الحرجية والتنمية هو قدرتهم على إيجاد طرق جيدة للتواصل مع جيل الأطفال على مستوى البيئة فقد وصلت في فترة كانت فيها المؤسسة تعمل في إحدى القرى اللبنانية مع الأطفال حول البيئة والتعامل معها.

وكنت قد عملت في إبحار في وقت سابق حول "يمن بلا قات" للأطفال في مشروع مر عليه حتى الآن حوالي خمس سنوات وانقطع المشروع حينها بعد نجاحه ولم يتم الاستمرار فيه بعكس هذه الجمعية التي بدأت بمكتب والآن نجدها لديها العديد من المكاتب والفروع في كل لبنان لأنها تخصصت وعملت على تخصصها وأمنت به بشكل كامل، وأغلب الظن أن التخصص أفضل بكثير من الدخول في كل الجهات ومحاولة الوصول إلى عدة قمم في نفس الوقت وهذا مستحيل، وربما كانت هذه الفكرة هي من أهم ما خرجت به في هذه الزيارة, وقيما بعد كانت زيارتي للدكتورة فاديا حطيط حول الكتب التي قدمتها لها وكانت مجموعة تعليقاتها على الكتب ملهمة بحيث جعلتني أخفض عدد الكتب إلى كتاب واحد هو الأطفال في الضواحي اليمنية الذي يبدو أنني سأعمل عليه بجد خلال الأيام القادمة لأنه هو الوحيد الذي دفعتني إلى إكماله.

ومن المؤسسات التي زرتها أيضا كان الصندوق العربي لحقوق الإنسان والذي تعرفت على تجربته التي استمرت خمس سنوات قبل أن يظهر الصندوق بحلته الحالية بمعنى أن فترات التحضير كانت منهكة، ولكنها خرجت للوطن العربي بصندوق قوى ومؤثر، وما تأملته هنا كان بخصوص مدونتي "ضمانات" والتي أسعى إلى تكوينها إلى منظمة وربما كنت مستعجلا بهذا الشأن وما يزال الأمر يحتاج للكثير من الدراسة والتحضير.

وبعدها بأيام زرت مؤسسة عامل وهي من المؤسسات الكبيرة في لبنان، وكانت استفادتا منها مهمة، وتقابلت مع رئيسها، وهو ناشط في مجال عمل عامل منذ أكثر من ربع قرن ويحوي في عقله الكثير من التجارب والأفكار والمفاهيم التي دونتها لأستفيد من هذه التجربة الرائدة في المستقبل, وأدركت أن بيروت أنها مدينة إقليمية ربما لأن كل المؤسسات التي زرتها كانت لديها نشاطات إقليمية بخلاف اليمن، وربما ذلك بسبب موقع بيروت المتوسط في الوطن العربي مما يجعلها قبلة المغرب والمشرق على حد سواء، ويعطى لهذا القول مصداقيته زيارتي لورشة الموارد العربية من جهة، وللصندوق العربي لحقوق الإنسان وللجمعية الإنسانية العالمية مكتب الشرق الأوسط، وتعرفي في الثلاث المؤسسات على ربيع يزبك المدير الإقليمي للجمعية الإنسانية العالمية وسمر حيدر من الصندوق وميسون ومي من الورشة كناشطون يحملون في رؤوسهم أفكار وملاحظات واهتمامات لا تمس لبنان فقط، ولكن المنطقة العربية بمجملها وبالتالي فالمعلومات التي أخذتها منهم حول القضايا المهمة في الوطن العربي كانت ذات فائدة قصوى ليس لتفكيري فقط ولكن في مجال تطوير أعمالي وأعمال المؤسسة في المستقبل.

ومن الزيارات التي اعتبرتها ملهمة أيضا زيارتي لمؤسسة غسان كنفاني "الكاتب الفلسطيني الكبير" وتقابلت فيها مع زوجته التي تديرها، وكانت أيضا ثرية على مستوى الفكر والعمل والتجربة في مجال الطفولة المبكرة ورافقتني لدورة تدريبية لمؤسستها عن مربيات الأطفال والطفولة المبكرة باستخدام تقنية العمل الإبداعي، وما يميز زيارة مؤسسة بحجم مؤسسة غسان كنفاني هو الحصول على خبرة امتدت لربع قرن في مجال الطفولة وثقافة الطفل في لبنان والعديد من الكتب والبرامج الموجهة للطفولة المبكرة، ولم تبخل زوجته بالعديد من الأفكار والكتب والسماح بالتصوير لكل جوانب المؤسسة دون استثناء.

وتبقى لفلسطين في لبنان رائحة خاصة فاللاجئون يتواجدون في كل مكان وكانت زيارة المؤسسة الفلسطينية للحقوق "حقوق" والتي كانت لها أيضا تجربة جيدة في مجال الأطفال الفلسطينيون في لبنان، وتعرفت من خلالها على أوضاع الأطفال في المخيمات الفلسطينية في لبنان ودور المؤسسات الفلسطينية واللبنانية في تجسير الهوة ما بين الطفل الفلسطيني والطفل اللبناني في مجالات متعلقة بالتعليم والصحة والبرامج الموجهة للطفل ونمائه وحمايته من العنف والإساءة والإهمال.

ومن الزيارات الممتعة والمتعبة في نفس الوقت زيارة قرى الأطفال في البقاع "قصر نبقة" وقرى الأطفال تعتبر فكرة وممارسة عالمية، وتوجد في العديد من الدول، ولكن ليس في اليمن حتى الآن برغم نموذجيتها ها، وزيارتي لهذه القرية في البقاع استمرت يوما كاملا من الصباح إلى التاسعة ليلا، ما بين السفر للذهاب أو العودة، وما بين زيارة هذه القرى والطواف في مبانيها المختلفة والمتعددة، ومن البيوت المخصصة للأطفال، إلى المركز الصحي، والمركز الاجتماعي، وبيوت الأمهات والخالات، وغداء تعارف مع الكثير من العاملين في هذه القرى استمتعت به واستفدت من هذه التجربة بشكل كبير.

وهناك العديد من المؤسسات التي لم تكن مطروحة على جدول مواعيدي ولكن بعد الذهاب إلى لبنان والتعرف على المجتمع المدني تم الاتصال بها وزيارتها وأذكر من هذه المؤسسات التي أطلعت على نشاطها مؤسسة حلم لحماية حقوق المثليين في لبنان، ومركز الباحثات اللبنانيات، وكانت مؤسسة حلم من المؤسسات التي قدمت لي رؤية مغايرة عما كنت أعتقد بخصوص هذه الفئة، وعن ذهنيتين العامة عنهم ففئاتهم المستهدفة تشارك في العديد من الفعاليات الوطنية والتوعوية، وخصوصا الخاصة مرض الإيدز والعنف والوصم والتعايش.

وكان لمركز الباحثات اللبنانيات دور ليس فقط في استضافه لقاءاتي مع الدكتورة فاديا حطيط ولكن أيضا في التعرف على نشاط هذا المركز، والحصول على بعض إصداراته التي رغم قدم بعضها إلا أنها ما زالت تحتوي على قضايا موجودة حتى الآن على الساحة في المنطقة العربية.

وفي نفس المركز كانت الزيارة الرابعة للدكتورة فاديا حطيط جيدة، وربما لأن في هذه الزيارة كانت الأخيرة اهتمت أيضا بالطواف معي في الشوارع، وتقديم بعض الأماكن لي، ومعلومات عن الشوارع الجديدة والكنائس والمساجد في رحلة جميلة برفقتها تعرفت فيها على مرشدة رائعة، واهتمت خلال هذه الزيارة بتوفير بعض كتبها التي جئت بها إلى اليمن وأقرأها حاليا.

النشاط الثقافي... جنون!!!

لا يمر يوم واحد وأنت تمشى في شوارع بيروت إلا وتجد أمامك لوحة مرسومة على جدارية جديدة، ولا يمر يوم إلا وتجد لوحات ملصقة على الجدران لفعالية أدبية أو موسيقية أو مسرحية، وعندما أخرج من الفندق وأذهب إلى مؤسسة من المؤسسات التي زرتها كنت أشاهد كل يوم فعالية جديدة وإعلانها ملصق على الجدران منها السياسي ومنها الثقافي ومنها الكوميدي ومنها المسرحيات الخاصة بالكبار فقط، وفعاليات خاصة ببيروت عاصمة عالمية للكتاب، وفعاليات خاصة بالفلسطينيين واحتفالاتهم، وفعاليات سينمائية لأفلام جديدة دخلت سوق السينما مثل فيلم سيلينا الذي كان يعرض في العاصمة اللبنانية في مدة زيارتي، وجعلتني أترحم على دور السينما في اليمن التي أغلقت ثلاث منها وبقيت واحدة ما زالت تقاوم الزوال ومتخصصة في الأفلام الهندية التي تجد رواجا لدى الكثير في اليمن ولا يوجد غيرها في صنعاء، وإن هذا ليس نشاط ثقافي ولكنه جنون ثقافي لا حدود له في تلك العاصمة الباردة الأرصفة، والحارة التفكير، وأغلب الظن أن لقاء البشر مهم ولكن من المهم أيضا الحصول على أفكارهم الموجودة في الكتب الخاصة بهم وربما أكون قد ذكرت الكتب كثيرا في هذه المساحة ولكن هذه طبيعتي التي تنظر إلى الكتب كأهم ما في أي لقاء مع أي شخص ليس في اليمن وحدها ولكن في كل مكان.

بيروت يا بيروت

بيروت بلد المخيمات واللاجئون، بيروت بلد الفنادق والبنوك، بيروت موطن المؤسسات المحلية ذات الانتشار الواسع، بيروت بلد المنظمات الدولية وفروعها الإقليمية، بيروت بلد الحرية والجمال والاهتمام والمحبة، جميلة لكنها باردة، نظيفة لكنها مغرورة، وبصدق أنا لم أحب بيروت ولكني أحببت ساكنيها، ولم أحبهم جميعا ولكن من التقيت بهم، والذي قدموا لي الكثير الذي سيعمل على دفعي للأمام في المستقبل القريب والبعيد.