تعزيز المهارات الرقمية للمبدع المبدع

إن المبدع لن يكون ذو تأثير على البيئة الرقمية إذا لم يمتلك المهارات اللازمة لاستخدام أدواتها بفعالية واحتراف، وما يزال المبدعين في دول العالم الثالث والدول النامية والمحافظة يتسمون بالضعف في تعاملهم مع البيئة الرقمية وأدواتها وذلك بسبب الحداثة النسبية لدخول الإنترنت إلى بلدانهم وعد قدرتهم المالية أو التكنولوجية لاستخدامها بالشكل الأمثل، ويسهم في هذا الضعف المتعلق بتعامل المبدعين مع البيئة الرقمية وأدواتها غياب مفاهيم الحرية بشكل عام وحرية الإنترنت بشكل خاص مما يخيف المبدعين من التواجد على البيئة الرقمية والاكتفاء بالبيئة الواقعية التي يعيشونها في شوارع ومجتمعات بلدانهم.

وتسهم القوانين التي تحد من حرية التعبير أيضا ليس فقط في تدني حرية إبداعاتهم على الأرض ولكن في البيئة الرقمية نفسها، وتأثير المبدعين يظهر بقوة عند مناقشتهم ضمن إبداعاتهم بقضايا مجتمعاتهم المركزية مثل التنمية وحقوق الإنسان والديمقراطية والفساد وبقية القضايا ذات الأولوية وطالما لا يستطيعون تناولها بشكل واقعي أو رقمي فإن هذا يؤدي إلى اختزال إبداعاتهم على القضايا الهامشية والتي لا تضيف لتجربتهم الإبداعية أو تأثيرهم المجتمعي أي شيء.

إن عدم استخدام المبدعين للبيئة الرقمية ككل وعدم استخدامها كبيئة اتصالية وحركية جيدة للإبداع والمجتمعات سيؤدي إلى ضعف حراكهم الإبداعي ككل ولن يحدث هذا الحراك نجاحات ملموسة أو تحركات جيدة أو تغيير حقيقي في المجتمعات التي ينتمي إليها المبدعين أو في البيئة الرقمية التي يستخدمها المجتمع بالرغم من الإمكانيات الكبيرة التي تحتويها البيئة الرقمية والتي يمكنها أن تساهم في حراك رقمي وفاعلية رقمية قوية تجعل من المبدعين قيادات لعمليات التطوير والتحديث والتغيير في مجتمعاتهم، وتعزيز المهارات الرقمية للمبدعين يستدعي في البداية منهم الى بلورة رؤية رقمية فاعلة تحتوي على رؤيتهم حول البيئة الرقمية وكيفية استثمارها لصالح تجاربهم الإبداعية، ومن ثم وضع خطط جيدة للطرق التي يمكنهم من خلالها استثمار البيئة الرقمية بالشكل الأمثل لصالح تجربتهم الإبداعية ولصالح تأثيرهم في مجتمعاتهم، ومن المهم أن يكون لدى المبدعين أنشطة مستمرة على البيئة الرقمية تعمل على تعميق الادراك المجتمعي للإبداع وأهميته في حرية وبناء ونماء ورفاه المجتمعات وتعزيز حقوق المواطنين وحرياتهم، والعمل بجهد لنجاح مثل هذه الأنشطة تشكل إلهاما للمجتمعات للوقوف مع المبدعين ودعم تجربتهم الإبداعية، ومن المهم لتعزيز مهارات المبدعين الرقمية العمل على جمع ودراسة التجارب المختلفة للمبدعين في دول العالم وخصوصا في الدول المتطورة والتي يعيش مبدعيها الحرية الإبداعية ويساهمون بشكل مباشر في الصناعات الإبداعية للدول المتطورة ويساهمون بشكل كبير في التنمية الإبداعية لمجتمعاتهم بما يشكل مساهمة ملموسة في التنمية ككل في بلدانهم حيث تعتبر الصناعات الإبداعية في بعض الدول المتقدمة استثمار مهم ومحوري في اقتصاداتها.

ويمكن للمبدعين في المجتمعات المحلية في دول العالم النامي العمل على فهم هذه التجارب والخبرات الدولية وإعادة تكوينها في إطار محلي ومنهجي لتصبح هذه التجارب عبارة عن خطوات يقومون بها لرفع مستوى مهاراتهم في البيئة الرقمية من جانب ورفع مستوى تأثيرهم في الحراك الإبداعي الرقمي من جانب أخر وخلق مقاربات جديدة وخاصة بالإبداع وتطويره في مجتمعاتهم المحلية وتبني وصنع آليات وسياسات واستراتيجيات للعمل على الإبداع في بيئتهم المحلية في البيئة الرقمية وفي العمل على مستوى الواقع.

ومن المهم لرفع مهارات المبدعين بشكل عام والكتاب المبدعين بشكل خاص في التعامل مع البيئة الرقمية وأدواتها العمل على تكثيف وزيادة إحترافية الكتاب في استعمال البيئة الرقمية كأدوات اتصال لهم مع مواطنيهم وجمهورهم وداعمي تجربتهم الإبداعية وتأثيرهم الاجتماعي من خلال هذه التجربة وتفعيل اتصالهم مع المؤسسات الإبداعية المحيطة بهم على المستوى المحلي أو تلك النشطة على المستوى الإقليمي والدولي بما في ذلك منظمات المجتمع المدني، وتفعيل مشاركتهم في الأنشطة والمشاريع الخاصة بالإبداع والتي ترفع من مستوى تفاعلهم أو استفادتهم من البيئة الرقمية أو البيئة الواقعية المحيطة بهم.

إن البيئة الرقمية تتميز بأنها وسط اتصالي وعلى الكتاب تكثيف تواجدهم في هذه البيئة والعمل على استخدام أدواتها الاستخدام الأمثل للوصول للمجتمع والتأثير فيه بشكل إيجابي، وأن تتبنى المؤسسات الثقافية والإبداعية هذه الجهود وتساعدها على النجاح عن طريق تقديم التمويل والتدريب والحماية والمناصرة والتوعية وتطوير البنى التحتية وردم الفجوة الرقمية وتعزيز المهارات الشخصية في التعامل مع البيئة الرقمية  فالبيئة الرقمية وسط مرن متنامي ومتطور وبسيط الاستعمال ومحفز دائم ونشط للمشاركة ويوفر العديد من الأدوات التي تساعد في صناعة حراك رقمي جيد ومؤثر وتتميز بسرعتها الفائقة ونطاقها العالمي في نشر الإبداعات والأخبار والمعلومات مما يساعد على التدفق الإبداعي والمعلوماتي ويسهم في الانتشار الأوسع للمبدعين وخلق تفاعل مجتمعي وربما دولي لنشاطاتهم الإبداعية وتسليطها الضوء على قضايا مجتمعاتهم المحلية.  وتساعد البيئة الرقمية المبدعين على بناء قواعد بيانات الكترونية خاصة بهم أو بإبداعاتهم أو بجهودهم تتميز بالسهولة في الوصول إليها والتفاعل معها، وتكوين ذاكرة إبداعية حية ونشطة للمبدعين في المجتمعات المحلية، وتسهم في تراكم خبراتهم وإبداعاتهم وتقديم صورة شاملة عنهم أمام العالم، وتضمن لهم استمرارية العمل الذي يقومون به. وبالنسبة للمبدعين من المؤثرين اجتماعيا في مجتمعاتهم المحلية تساهم البيئة الرقمية وأدواتها في مساعدتهم على التعبئة والحشد والتشبيك والتحريك لمجتمعاتهم وبناء شبكات معهم، وتعزز من بناء قدرات المبدعين وتبادل الخبرات بينهم وربما في مراحل أكثر تطورا مشاركتهم بشكل جماعي في تصميم وتنفيذ مشاريع إبداعية مشتركة فالبيئة الرقمية بيئة معقولة ومقبولة التكلفة والكثير من أدواتها مجانية وسهلة الاستخدام وهذا يساعد المبدعين في المجتمعات المحلية على استخدامها ضمن مواردهم المحدودة للعمل على إشاعة الإبداع وتحفيز الأفراد والمجتمعات على الفاعلية والحيوية في الدفاع عن حقوقها و حريتها وديمقراطيتها وتكثيف مساهمة المبدعين في عملية التطوير والتغيير بصفتها نخب ثقافية تسهم في تمكين المجتمعات وقوتها باعتبارهم قوة دفع مهمة للنهوض والتنمية والتغيير.

المشاركة في تسويق الإبداع

إن الإبداع نشاط يرتبط بالإحصاء في تفاصيله فكل منتج إبداعي هو رقم يضاف لبقية المنتجات الإبداعية سواء في الإبداع ات النصية كالكتابة الإبداعية والتي ترتبط بعدد الروايات أو دواوين الشعر أو المسرحيات التي تم طباعتها، أو تلك الإبداع ات المرئية كاللوحات والصور والأفلام والمسلسلات التي تم إنتاجها، أو تلك المرتبطة بالإبداع العملي كعدد الاختراعات وبراءات الاختراع التي تم إعطائها للمخترعين.،إن المعلومات الإحصائية والرقمية تعتبر أساس لكثير من الأعمال الأخرى مثل التقارير والبحوث والدراسات التي تركز على الإبداعات في مجتمع ما وأعدادها وأنواعها ودرجة تأثيرها فيه وهذه تشكل ثروة للصحفيين والإعلاميين والأكاديميين وتشكل جزء لا يستهان به من أعمالهم، ولكن المواطنين العاديين قد لا يهتموا بهذه الأرقام أو هذه الإبداع ات ككل بسبب أنها لم تصل إليهم وفي هذا يدخل عدد من الأسباب منها ضعف عملية التوزيع لهذه الإبداع ات أو عدم قدرة المواطن العادي على شرائها بنسختها الورقية مما يقلل من تأثير الإبداع في تنمية المجتمعات وتطوير أفكارها وممارساتها. وتأتي البيئة الرقمية كمكان يمكن فيه مشاركة الإبداعات على نطاق واسع وبشكل حر ومجاني لتصل لكل من يرغب بالحصول عليها بسهولة ويسر، وقد يسهم في زيادة دور المجتمعات في تسويق الإبداع، ونشر الأخبار المتعلقة به، وزيادة التوعية بأهميته، وزيادة تأثيره في تطور المجتمع، وتعظيم الإنتاج الثقافي للإبداع وبالتالي تحفيز المبدعين على الإنتاج.

قياس الإبداع رقميا

إن المشكلة الواقعة على أرض الواقع الإبداعي في دول العالم الثالث او الدول النامية أو تلك التسلطية أو الدينية هي عدم القدرة على قياس الإبداع وأنواعه وأعداد المنتجات الإبداعية بشتى أنواعها بسبب قلة الدراسات والبحوث التي تقام في هذا الصدد وعدم دعم الحكومات للقيام بدراسات حول الإبداع في مجتمعاتها وعمل قياسات لعدد المبدعين وأنواعهم وتخصصاتهم ومناطق عملهم وعدد إبداعاتهم وتنسحب مشكلة ندرة قياس الإبداع لتخلق مشكلة عدم معرفة حجم التفاعل المجتمعي معه ومعرفة درجة تأثيره في المجتمع وبالتالي العمل على دعمه للوصول به لدرجة التأثير المطلوب على حياة الافراد أو المجتمعات بشكل عام، ولا تدرك الحكومات ماهية التدخلات المطلوبة لتحسين هذا التأثير أو تجويده أو ما هي الآثار التي يخلقها، وما هي مؤشرات الإبداع في المجتمع، وما درجة إدراك المجتمع له. وساهمت البيئة الرقمية في تحسين سبل قياس الإبداع ودرجة مشاركته وفاعليته بسبب أنها وسيط قادر على الإحصاء والارشفة وإعطاء معلومات حول المبدعين وإبداعاتهم ودرجة مشاركة الجمهور لها وتفاعلهم معها وتنزيلها وتشجيعها للنقاش حول هذه الإبداع ات وتحفيزها للمشاركة في ترويجها، ورفع فاعلية المجتمع في دعمها وجعل هذه الإبداع ات أداة للتغيير ورفع سقف الحريات وترسيخ قيم المشاركة والديمقراطية في المجتمع ومشاركته في التخطيط لنجاح هذه الإبداعات. وقد أعطت البيئة الرقمية للمبدع أو الباحث القدرة على القياس الرقمي مدى تواجد المبدعين وإبداعاتهم على الشبكة من خلال مؤشرات دقيقة وملموسة بسبب طبيعة البيئة الرقمية التي ترشف كل مادة ترفع إليها وتحسب كل تفاعل معها إعجابا أو مشاركة أو تعليق أو نقدا مما يعطي مؤشرات جيدة وصادقة وقابلة للإحصاء فالبيئة الرقمية بسبب من انفتاحها على كل المستخدمين حتى من المواطنين العاديين جعلت من تفاعل أولئك المواطنين على الشبكة قابل للدراسة والحساب والحصول على تغذية راجعة منهم بطريقة سهلة و سريعة وتفاعلية من خلال مواقعهم أو مدوناتهم أو قنواتهم الشخصية أو صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي وحجم تفاعلهم مع كل ما يطرح على الشبكة بما في ذلك الإبداعات التي ينشرها المبدع على الإنترنت سواء كان الجمهور في نطاق جغرافي صغير كمدينة أو كبير كالدولة أو العالم أجمع للخروج بصورة واقعية عن الإبداع في هذا المجتمع أو ذاك ودرجة تطوره وانتشاره وتأثيره وحريته وإمكانية نجاح التشبيك لأجله وصنع حراك شعبي لدعمه أو نشاط حكومي لنفس الغرض ودعم المشاريع المتخصصة فيه، ورصد مستويات التطور فيه، وكيفية تناول الإعلام له، وتنفيذ تعهدات الحكومة لتطويره أو أداء مؤسساتها في دعمه. وبالطبع هناك الكثير من الأدوات الرقمية التي يمكن من خلالها للراغبة بتكوين حملات على الإنترنت استثمارها للوصول للجمهور، ولكن تم التركيز هنا على الأدوات الرقمية الرئيسية والرائجة وخصوصا تلك المتعلقة بمواقع مشاركة الفيديو أو الشبكات الاجتماعية كأهم أداتين في نجاح الحملات الإبداعية، وما يزال تأثير الإنترنت ضعيف في دول العالم الثالث والدول المتسلطة والدينية مقارنة بتأثيره في المجتمعات المتطورة في العالم، ولكن هذا الباب حاول أن يقدم بعض الأفكار المبدئية، ولا بد أن أدوات الإنترنت ستتطور كثيرا من جانب، وعدد المستخدمين لها واحترافيهم في التعامل معها يتطور من جانب آخر للوصول بالإبداع إلى درجة التأثير المأمول في حياة المجتمعات.