كيف يستفيد المبدع من الإنترنت

في البدء يجب الاعتراف أن هناك مستويات من الكتابة والإبداع في كل ما يكتبه المستخدمين للإنترنت والشبكات الاجتماعية ما بين نصوص عبقرية وأخرى جيدة والكثير من النصوص تعتبر رديئة، وذلك بسبب انفتاح وحرية الإنترنت لكل شخص قادر على الحصول على حساب مستخدم أن ينشر ما يشاء من كتاباته حتى ولو كانت على مستواه من الرداءة كبير، ورغم ذلك فبعض هذه النصوص تشتهر ويتم مشاركتها لسبب غريب وهو أن كاتبها لديه عدد كبير من الأصدقاء من المستخدمين على الشبكة الاجتماعية وهذا ليس مقياس مضمون الجودة ولكن في المجمل تبقى الإنترنت بوابة الشهرة والوصول المباشر للقراء والجمهور والحماية أيضا لكل من يرغب بالكتابة والنشر بمن فيهم الكتاب الموهوبين وذوي الارتباط القوي بالإبداع والنصوص، وكل هذا مع حزمة أخرى من أوجه الاستفادة المختلفة وقد استفاد المبدعين من الإنترنت عبر:

النشر

قدمت الإنترنت للكتاب المبدعين الأدوات والتقنيات التي استخدموها ضمن البيئة الرقمية لنشر إبداعاتهم المكتوبة شذرات من رواياتهم أو كلها في بعض الأحيان، أو نشر قصائدهم والقصص القصيرة الخاصة بهم على متابعيهم للحصول على تغذية راجعة سريعة ومعروفة المصدر بجودة النصوص التي قاموا بنشرها، وهذا الحديث يتعلق بالمبدعين الغير محترفين للنشاط الرقمي والقادرين فقط على وضع المنشورات والتفاعل معها، وعلى مستوى أكثر احتراف واستفادة قام بعض الكتاب ممن لهم خبرة في مجال الكتابة والتخطيط وصناعة البرامج بالترويج عن أنفسهم وكتاباتهم عبر حملات إبداعية ونشر ما يكتبونه ضمن مشاريع فردية أو جماعية أو الاستفادة من الخطط والبرامج والموارد المؤسسية للمؤسسات في محيطهم الاجتماعي والتي تعمل على حملات مجتمعية وتقديم نصوص تخدم القضية أو القضايا التي تناصرها هذه المؤسسات لتصل نطاق واسع من القراء وليس فقط على مستوى أصدقائهم فحسب وقد ساعدت هذه الأنشطة على سرعة انتشارهم وشهرتهم ووصولهم لدور النشر والنجاح في طباعة ونشر إبداعاتهم استنادا إلى شهرتهم الرقمية. وعملت الإنترنت او مطوروها على أن تكون بيئة سهلة للنشر لكافة الأشخاص من مختلف المهارات ومتناسبة مع مواردهم أيضا فهناك المواقع التي تحتاج للنقود في تصميمها ودفع تكاليف اسم النطاق الخاص بها وشراء مساحة كافية، وهناك المدونات المصممة سلفا والمجانية التكلفة والسهلة الاستخدام للغاية من جانب أي مستخدم للإنترنت، وهناك الشبكات الاجتماعية والتي أصبح وضع منشور فيها لا يحتاج لأي مهارة سواء الكتابة وضغط زر واحد للنشر. وهناك المواقع التي تتيح للمبدع أن يقدم النص الخاص به بشكل مرئي عبر سرده أمام كاميرا ووضع الفيديو على منصات الفيديو العالمية، وكذا المواقع التي تتيح للمبدع أن يقدم النص الخاص به بشكل سمعي عبر منصات صوتية عالمية، ومن جهة أخرى أصبحت هناك المكتبات التي تتيح للمبدع وضع النصوص الخاصة فيها لمن يرغب بتنزيلها وقراءتها، وكذا هناك المواقع التجارية التي تعمل على الترويج للكتاب وبيعه بالنيابة عن المبدع وتشارك الأرباح من البيع، والكثير جدا من الأفكار والتخصصات والبرامج والتطبيقات والمواقع التي تقدم عروض ذكية للنشر للمبدع وما على المبدع إلا استثمارها فقط.

صناعة العلاقات العامة

ساهمت الإنترنت في صناعة العلاقات بين المبدع والأفراد والمؤسسات دون وجود حدود زمانية أو جغرافية تعوق عملية الاتصال، ولقد استطاع المبدع الوصول لمؤسسات المجتمع المحلي الثقافية في مجتمعه والتي قد تسهم في نجاحه في تجربته الإبداعية، والوصول للمؤسسات الدولية الثقافية لنفس الغرض، والتمكن من صناعة علاقات تفاعلية مع المبدعين الآخرين في المجتمع الخاص بالمبدع أو خارجه، والتواصل مع الفاعلين الثقافيين والصحفيين والإعلاميين المهتمين بالعمل الإبداعي من صحف وإذاعات وقنوات وطنية وإقليمية ودولية، وكذا التواصل مع دور النشر الموجودة في المجتمع المحلي للمبدع أو خارجه، والاستفادة من التدريب وبناء القدرات في مجال الإبداع الخاص بالمبدع من خلال التقديم للمشاركة كمستفيد ومتدرب في فعاليات ثقافية وأدبية محلية أو إقليمية أو عالمية أو الحصول على تدريب عبر الإنترنت ليحصل المبدع على بعض التقنيات والمهارات التي تساهم في صقل تجربته وإبداعاته، وهذا ما لم يتوفر في السابق وساهمت فيه الإنترنت كتقنية اتصالية سهلة ومجانية ومتاحة.

إثراء المعرفة

إن الإنترنت تحتوي على كل ما يرغب المبدع في معرفته لمواضيع النصوص التي يكتبها، وعلى سبيل المثال لو كان المبدع يقوم بكتابة نص حول الجريمة يمكنه بسهولة الحصول على معلومات حول الجريمة وعلم النفس والمحامين الجنائيين والطب الشرعي والعثور على المستخدمين الذين لديهم معرفة مباشرة بموضوع النص والاستفادة من كتاباتهم والمناقشات الخاصة بهم في الشبكات الاجتماعية الخاصة بهم وعلى نفس النسق يمكن الحديث عن نص حول الحب أو التاريخ أو الحروب أو أي موضوع يرغب المبدع بالكتابة عنه فإنه سيجد بالضرورة الكثير من الموارد الخاصة به، ومن جهة أخرى فإن الإنترنت مليئة بالموارد التي ترفع مستوى احترافية المبدع في كتاباته عبر آلاف المواقع المتخصصة بطرق الكتابة وأنواعها وقوانينها وتقنياتها وتجاربها وتاريخها ومدارسها وخبرائها، ومشاهيرها، ومواصفات كل نوع من أنواع الكتابة، وبعدة أنساق نصية كانت أو سمعية أو عبر مرئية أو بيانية أو رسومية، وهذا بالإضافة لقدرة المبدع الحصول مخرجات العديد من المؤتمرات أو ورش العمل المتخصصة بالكتابة أو تناقشها أو تقترح توجهات جديدة فيها، أو تروج لنوع جديد منها، أو تشرح اكتشاف جديد يسهم في تطويرها، ووفرت أيضا إمكانيات وصول المبدع لمواقع وصفحات كتاب محترفون من محيط المبدع أو في إقليمه أو على مستوى العالم لم يكن المبدع ليستطيع الوصول إليهم وابداعاتهم إلا بمشقة وتكاليف عالية.

التسويق الرقمي

شكلت الإنترنت منصة رائعة للتسويق الرقمي الخاص بالمبدع النصوص الخاصة به على القراء ليتعرف على وجهة نظرهم بشكل سريع وتفاعلي، والوصول الى المهتمين والداعمين بالإبداع بعامة أو تجربة المبدع بشكل خاص وخصوصا المؤسسات الإبداعية أو الناشرة والتي ساعدت الإنترنت المبدع في الوصول إليهم وتسويق النص الخاص به لديهم والحصول على شراكات معهم تسهم في طباعة ونشر النص الخاص به على القراء، والإنترنت مليئة بالمنصات التي تساهم في تسويق المبدع لشخصه من خلال موقعه أو المواقع المتخصصة الأدباء أو بشكل أكبر من خلال صفحته على الشبكات الاجتماعية العالمية.

الوصول والتفاعل المباشر مع القراء

لم يكن يحصل المبدع على التغذية الراجعة للنصوص التي يكتبها إلا بعد سنوات من الكتابة وبناء الشهرة مع إمكانية وجود معوقات لا يستطيع بسببها الوصول إلى القراء مثل المعوقات الجغرافية أو المالية أو تلك الخاصة بالتنقل، ولكن الإنترنت كسرت حاجز الجغرافيا والزمان كي يحصل المبدع على وصول سريع وسهل مع القراء والحصول على تفاعل مباشر منهم والخروج بتغذية راجعة سريعة منهم، وهذا يساعده لصقل مهاراته في الكتابة من خلال إجابات ورؤية ردود إيجابية سريعة وفورية وإيجابية مما يرفع من مستواه الإبداعي بشكل فريد وسريع.

أرشفة وإتاحة الإبداع

إن كل حركة رقمية يقوم بها أي فرد أو مؤسسة محفوظة على الإنترنت ضمن ما يسمى بالبصمة الرقمية، وبالتالي حتى ذلك المنشور الذي قام بتدوينه أي فرد على موقع ما في زمن ما من تاريخ حياته موجود حتى لحظة كتابة هذا النص وربما لسنوات طويلة قادمة فلا حدود لمساحة الإنترنت الرقمية والتي يمكن أن يتم الاحتفاظ فيها بكل نشاط رقمي قام به أي إنسان، وساعدت الإنترنت في تكوين المبدع إرشيف حول النصوص أو الكتب التي أبدعها في حياته الأدبية بحيث أصبح أي قارئ يستطيع الوصول الى كل إبداعات كاتبه المفضل المجانية منها أو المباعة في مواقع البيع الالكتروني، وربما أيضا الحصول على أرشيف يضم منشوراته غير الأدبية من خلال صفحاته على مواقع وشبكات التواصل الاجتماعي والصور التي ينشرها لحياته أو نشاطاته ، وقد ضاعت الكثير من الإبداعات على مر التاريخ منذ حريق مكتبة الإسكندرية قبل الاف السنين أو إغراق مكتبة بغداد في النهر قبل مئات منها، ولكن الآن يبدو أن المبدع وإبداعاته أصبحا مؤرشفة في قاعدة بيانات ضخمة تلتهم كل يوم معلومة جديدة من حياة المبدع أو فقرة من إبداعاته.

عالمية الوصول

إن نشاط الإنترنت عالمي وما يتم نشره فيها يصبح بمقدور أي شخص في العالم الاطلاع عليه ونقصد هنا النشر والإتاحة للمنشور لأي شخص وليس لأشخاص محددين، وقد استفاد من الإنترنت في الوصول بإبداعاتهم المنشورة لأي شخص في أي مدينة وأي دولة، وبالطبع قد يكون لحاجز اللغة على سبيل المثال دور في ألا يقرأ القارئ الصيني نص بالفرنسية ولكنه بالتأكيد يستطيع الوصول اليه وأن يكون النص على سطح شاشته في ثوان وبالنسبة لحاجز اللغة فإن مواقع الترجمة الفورية تعمل على نقل المحتوى من لغة إلى أخرى في نفس الوقت تقريبا ولا تحتاج ثواني ليصبح النص متاحا لدى القارئ بلغته، وقد يشكل مستوى جودة هذه الترجمة ليس جيدا بما فيه الكفاية ولكن العمل على الذكاء الاصطناعي وتطوير مهارات الترجمة الالية في تطور يومي وسيأتي قريبا الذي يستطيع فيه القارئ الاستمتاع بالنصوص من غير لغته بالاعتماد فقط على الترجمة الالية السريعة، وعالمية الوصول هنا لا تعني فقط المبدع ووصوله الى القارئ ولكنها أيضا ترتبط بالقارئ ووصوله لأي نص لأي كاتب في أي دولة من دول العالم وبأي لغة من لغاتها.

الحماية

لقد أصبح اختفاء المبدع صعبا في عالم الإنترنت فليس الأمر مثل السابق واختفاء المبدعين وعدم معرفة ذلك إلا بعد أيام من اختفائهم وربما بعد سنوات في حال كان السبب في اختفاء المبدع هو نظام الحكم والمسيطر على وسائل الإعلام فيه بينما يمكن أن يسبب اختفاء المبدع لبعض الوقت عن تحديث صفحته الاجتماعية على تويتر أو فيسبوك مدعاة للتساؤلات وحرفيا أصبح إخفاء أي مبدع وخصوصا إذا كان نشط رقميا أمرا صعبا على الحكومات أو الجماعات التي يمكن أن تستهدفه، ومن ناحية أخرى أصبح كل فرد الآن بمن فيهم المبدع نفسه وسيلة إعلام قائمة بذاتها فهو يملك الصحيفة عبر المدونة وهو يملك الإذاعة عبر مواقع الصوت وهو يملك التلفزيون عبر امتلاك قناته على منصات الفيديو، وهو يملك إمكانية نشر الأخبار من خلال صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا الباب يتحدث عن دور الإنترنت في تنمية قدراته ومهاراته  وإن أي تعامل مع المبدع الاعتقال القسري أو الخطف أو الإخفاء القسري بسبب من أرائه أو كتاباته أو تدمير إبداعاته بشكل بربري من أي سلطة ديكتاتورية أصبح يشهد حملات على الإنترنت من خلال النشطاء أو المثقفين أو المستخدمين النشطين للإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي أو الفاعلين فيها لإطلاقه  وهناك حالات تستجيب فيها السلطات لمثل هذه الحملات وهذا ما لم يكن يحدث في الماضي، ويمكن لهذه الحملات أن تكون محلية أو وطنية أو إقليمية أو دولية وتختلف نتائجها تبعا لقوتها وتنظيمها وفاعليتها واستمراريتها ولكنها أثبتت أن الإنترنت أو بشكل أدق مستخدميها أصبح لهم دور في حماية المبدع، ويتعاظم دور مثل هذه الحملات في المستقبل مع تكوين المستخدمين للإنترنت الأدوات والتقنيات والخبرات التي تجعل من أي حملة لهم لحماية المبدع والناشط المستقل أو المثقف المنفتح أو الصحفي الشجاع أكثر فاعلية وتأثير ونجاح.