قادر على إدارة المعلومات

ومن أهم ما تحتاج له الفكرة عن نشوئها في عقل الكاتب هي المعلومات والتي تشكل العصير الإبداعي الثري للفكرة وبنائها ضمن نص سردي مهم ومتفرد. ويحتاج الكاتب في مرحلته الحالية جمع المعلومات، يحتاج الكاتب عند هذه الخطوة من مشروعه الكتابي الإبداعي جمع البيانات ليستخدمها في جمع العناصر التي يحتاجها لبناء النص الخاص به من أخبار، ومعلومات وقراءات لنصوص أخرى في نفس مجال أو تتعلق بفكرة تشبه فكرة النص الذي يكتبه، أو معلومات أخرى تثري تفاصيل بالأحداث والمعلومات، وأن البحث هو المفتاح لكتابة نص إبداعي جيد والتي يحتاج الكاتب له مهما كان الموضوع أو نوع النص الذي يكتبه.

إن المقابلات العملية أو الشخصية مفتاح مهم للكتابة فالحديث مع ضباط الشرطة والأطباء والجنود ومديري المكاتب وباعة السيارات، والمعلمين، أو أي نوع من الأشخاص تعطي الكاتب المواد التي يمكنه الحصول عليها لكتابة النص فالحكايات التي يقدمونها عن التجارب التي عايشوها يمكن أن تتحول إلى مشاهد مذهلة.

إن البحوث عموما تغذي عقل الكاتب بمواد يمكنه استخدامها لتطوير النص الخاص به، ولكن هذا لا يعني أن عليه استخدام كل المواد التي توفرت له من خلال البحوث والمقابلات بل يمكنه تغذية عقله بهذه التجارب والمعلومات وسيقوم العقل البشري بالاختيار والمفاضلة لتقوم موهبة الكاتب بتوصيل ما يجب توصيله للنص بشكل باهر ووحتى عند وصول الكاتب لنقطة الجمود في الكتابة فإن البحث والمعلومات الجديدة التي يحصل عليها ستساعده في القفز على الجمود الذي أصابه والرجوع للكتابة بروح جديدة ومبدعة.

ويساعد البحث الذكي على تمتع الكاتب بالإلهام والذي يمكن أن يستفيد منه في الحصول على المفاهيم الجيدة لكتابة القصة فمن الممكن أن يحصل على الإلهام من الكتب الأخرى والتي لاقت رواجا في السابق مع إضافة عناصر أو رؤية المشهد القصصي من زاوية مختلفة عما يكون الكتاب الآخرين قد تناولوها.

وكذا يمكن الحصول على الأفكار من الأهل والأصدقاء وأخبار الجرائم المنشورة في الصحف وربما من بعض الأفلام التي تناولت قصص مشهورة أو غريبة، وكل تلك الأفكار والمعلومات ثمينة للكاتب ويمكنه إعادة كتابتها من زاوية مختلفة مع الاهتمام بنصائح دور النشر التي ينشر فيها فغالبا ما يكون المديرين التنفيذيين لهذه الدور مدركين لحاجات السوق الأدبية.

ومن الممكن تحفيز القراء على المشاركة في الأفكار والمفاهيم من خلال قصص عايشوها أو سمعوا عنها ليجد الكاتب في النهاية الفكرة الجديدة التي ستعطيه الفرصة لتقديم الجديد للقراء وعلى هذا المنوال يمكن للكاتب البحث عن كل شيء، ومن أي بيئة يريد أن تكون ضمن البيئة الداخلية للنص الإبداعي الخاص به، ومع توفر الأبحاث والدراسات ومعرفة الجو الخاص بالنص فإن الخيال هو المفتاح الأهم للدخول للنص الإبداعي والبدء بالكتابة.

وفي السطور السابقة كانت الشروط الخاصة بالانفتاح على الآخرين تعني احترامهم والسماع لهم ومشاركتهم والتعاون معهم وبالطبع تلك الشروط لن تنجح إلا إن كان الكاتب مستقبل ممتاز للمعلومات فالعمل على تغذية عقل الكاتب بالمعلومات المهمة في القضية التي يتمحور فيها النص الذي يكتبه والاستماع إلى الأفكار والآراء وقراءة الكتب والصحف والصفحات الإلكترونية التي تحدثت حول القضية وربما المشاركة في ورش العمل والندوات التي تتحدث عن القضية التي يكتبها الكاتب مهم للغاية ليحصد الكاتب أي معلومة يمكنها أن تشكل جزء من النص الخاص به، وإثراء نفسه وما يكتبه بالمعلومات ومحاولة استيعابها وفهمها.

ويمكن للكاتب إثراء نفسه بالمعلومات من خلال العديد من المنصات التي أبدعتها التخصصات الأجيال والمدارس الأدبية المختلفة حول القضية أو الفكرة التي تشكل نواة النص الخاص به.

ومن هذه المصادر الكتب، والمسرحيات، والأفلام، والإذاعة، والتلفزيون، والإنترنت، والصحف والمجلات، والأشخاص والمؤسسات من حوله، والمدونات أو التغريدات أو المنشورات الشخصية والتي قد تشكل أساسا لفكرة أدبية ملهمة ومن المهم للكاتب أن يعرف من أين يستقي مصادره حتى لا تؤثر تلك الآراء والمصادر سلبيا على حماسته ورغبته بالكتابة والإبداع فـ الأفراد أو المؤسسات المحيطة بالكاتب ومشروعه الإبداعي هم مصادر لمعلومات جديدة يمكن للكاتب استخدامها في إثراء تجربته الأدبية.،وبمعنى أوسع فإن كل ما يحيط بالكاتب هو يشكل مصادر تفيد تجربته الإبداعية وكتاباته، وتتنوع من الأخبار إلى المعلومات ومن الدراسات إلى البحوث ومن الخطابات السياسية والدينية إلى الحكايات الشعبية والأسطورية، والكاتب الذكي هو الذي يعرف من أين يستقي مصادر معلوماته لتشكل إضافة لتجربته الأدبية وجودة كتاباته الإبداعية ويقلل من تأثره بالجوانب السلبية منها والتي قد تؤثر على مسيرته وتطورها.

ومن المهم للكاتب أن يكون على معرفة بالمصادر التي يأخذ منها لإثراء النص الخاص به، وهل هو موضوعي في اختيار المصادر وحريص على تنوعها أم أنه يرغب بإنتاج نص يروج لسياسة أو طائفة ما وبالتالي غير قادر على الخروج عن المصادر الخاصة بهم؟، وما هي مصدر تلك المصادر التي يأخذ منها الكاتب؟، وهل هو فرد أم مؤسسة، ومدى استقلاله؟، وخبراته؟، وتجربته ليصبح أحد المؤهلين للأخذ منه وإثراء النص الخاص بالكاتب؟، وكيف يمكن لهذه المصادر من جهة واحدة أن تنتج نص إبداعي حقيقي وأن يدرك إنه ليس العالم بكل شيء.

وإذا كان الكاتب غير مكرس تجاه سياسة أو طائفة ما ويرغب بالتنوع فمن المهم لأجل بناء هدفه الإبداعي الجيد أن يسأل العديد من الأسئلة من نوعية ما هي الآراء المختلفة والمتنوعة في هذه القضية، وما هي الكتب والدراسات والأبحاث المتوفرة والتي قد تساعده في الكتابة، وما هي دور النشر التي قد تساعده لقراءة المزيد حول موضوع النص الخاص به لينتج نص أكثر ثراء وموضوعية. ومن الأهمية بمكان أن يكون الكاتب على إدراك إنه ليس العالم بكل شيء، ومن يملك كل المهارات، وبالتالي يجب عليه أن يعرف أن كل مرحلة من مراحل تجربته الإبداعية أو منتجاته الإبداعية أو مشروعه الإبداعي يمكن أن يقوم بها متخصصين في مجالات معينة مرتبطة بالمنتج الإبداعي وأن يدرك أن موهبته تتطلب القراءة والكتابة المستمرة.

إن الكاتب بحاجة لمعرفة أن 99٪ من المهمة الإبداعية تتطلب القراءة والكتابة المستمرة وتجنب العديد من المزالق للحفاظ على مواهبه وإبداعاته والحفاظ على عاطفته حول مفهوم وفكرة النص الذي يكتبه، والاستعداد لخسارة بعض أفراد العائلة أو الأصدقاء بسبب العزلة عند استغراقه في الكتابة وإن كل هذا العمل لن يستطيع الكاتب الاستمرار فيه إذا لم يكن الشغف بالكتابة جزء أساسي من شخصيته فالشغف ليس فقط متعلق بالكتابة كنشاط بل يمتد إلى الشغف بالعناصر التي يحب الكاتب إدراجها في النص والشغف بالشخصيات والأحداث والتطورات في النص، والشغف باللغة نفسها وتطورها والتعامل معها لترجمة أحداث النص بشكل لغوي إبداعي يجعل من النص مضيئ بالأحرف والكلمات المختارة بعناية لصالح صناعة نص متفرد. ولا يستطيع الكاتب الاستمرار دون شغف فهو الذي يجعله يصحو من النوم ليلا لكتابة مشهد ما خلق فجأة في خياله وفي الحقيقة لا توجد إلا الكتابة من يمكنها التصرف بهذا الشكل مع الكاتب.