Sat,Apr 26 ,2025

الفاعلية الرقمية في مكافحة الفساد- تمكين رقمي للأفراد في مكافحة الفساد

2025-04-25


إن مكافحة الفساد ماراثون طويل، معركة ذات جولات متعددة لا تنتهي غالباً بحسم النتيجة لطرف ما، وهذه بالطبع ليست بداية محبطة للقارئ! ؛ بل هي بداية للتأكيد على أن الفساد يستفحل بسرعة أعلى من سرعة تكاثر أصوات التغيير، وتعني أننا دائماً بحاجة لاستراتيجيات متجددة ومتنوعة للمقاومة، وترتبط مشكلة مكافحة الفساد في مجتمعاتنا بتكريس فكرة "الفرد المتلقي"، بوعي أو بدون وعي من المؤسسات المعنية، وأن تلقي المعلومات مهم لصناعة الوعي، غير أننا نركز دائماً على بناء الوعي المحفز لتبني الالتزام الذاتي، غير أننا نحتاج لبناء وعي محفز للحركة والمقاومة، لا التقوقع حول "أضعف الإيمان".

إن فكرة الفرد المتلقي هي المسؤولة عن شيوع الاعتقاد بأن مكافحة الفساد تتطلب مبادرات فوقية، ودور حكومي، وهو صحيح، غير أن الاستسلام لهذا الاعتقاد هو إعلان ضمني لوفاة الإرادة الشعبية!!، وهذا الاعتقاد الشائع حوّل مفهوم" مكافحة الفساد" إلى مفهوم "سياسي" لا يتم تناوله سوى من قبل التيارات السياسية المعارضِة، ومن زاوية مساوئ السلطة، وفي إطار الصراع على الحكم، وصحيح أن تناول الفساد بالصيغة السياسية مهم، غير أن هذا ساهم في اختزال الإحساس العام "بضرورة مكافحة الفساد" باعتباره صراعاً من أجل الحياة إلى اعتباره صراعاً من أجل السلطة.

إن هذا الاختزال السياسي لمفهوم مكافحة الفساد، أدى إلى ارتهان جهود مكافحة الفساد لتوجهات النخب الفكرية والثقافية في مجتمعاتنا، ومدى قدرتها على إحداث التغيير، وهو ما ترتب عليه "موسمية" هذه الجهود، وارتباطها بتوافر الدعم اللازم، والاكتفاء بجهود ذات طبيعة تكرس لفكرة الفرد المتلقي، باعتبار أن جهوداً ذات طبيعة أكبر هو نوع من التحريض السياسي غير المسموح به في إطار اللعبة السياسية اليمنية.

أن فكرة الفرد المتلقي، فكرة محبطة للغاية، خصوصاً أن المجتمعات العربية مجتمعات شابة، وتكريس مثل هذا الاتجاه هو تكريس للمزيد من الإقصاء والتهميش، وكبح لقدرات المجتمع على التجدد والحيوية، ودفع في اتجاه مسارات العنف من أجل التغيير لمسارات مدنية تكرس لثقافة اللاعنف، وفرد فاعل لا متلقٍ، وثقافة شعبية للتغيير، وسط مرن يحفز على الحركة لا الجمود.

إن هذه اشتراطات أساسية لتفعيل دور الشباب كمورد للتنمية وكقوة لإحداث التغيير، وانطلاقاً من هذه الاشتراطات، ومن زاوية الفرص لا الأزمات، ومن بوابة الطاقات لا الاحتياجات، نتناول الدور الذي يمكن أن تلعبه تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في إتاحة فرص قادرة على استيعاب طاقات الشباب في التصدي للتحديات التي تؤثر في تنمية مجتمعاتهم، وعلى رأسها الفساد.

إن توطين تكنولوجيا المعلومات في مجتمعاتنا، مسألة لا تقتصر على البعد الفني، بل تمتد للبعد السياسي والاجتماعي، غير أن الحديث عن التمسك بتكنولوجيا المعلومات كمورد للتنمية، يصطدم في مجتمعاتنا بقناعات مسبقة، تفسرها، خلاصة تقرير لليونسكو بأن" خيالنا السياسي والاجتماعي يتسم بالخمول والبعد تماماً عن الطفرات التي يحققها خيالنا العلمي".

كخطوة في اتجاه التوطين والمسارات المتوازية للاجتماعي والسياسي والعلمي نتناول الفاعلية الرقمية باعتبارها عملية تجعل من كل فرصة للوصول لشبكة المعلومات الدولية "الإنترنت" هي فرصة للانخراط المدني، وفرصة لتمكين الأفراد وإشراكهم من / وفي إحداث التغيير الاجتماعي والسياسي، والصفحات القادمة إحدى المحاولات لصياغة رؤية رقمية لتمكين الأفراد من القيام بأدوار أكثر تأثيراً في مكافحة الفساد، ومحاولة تحتاج للمزيد من البحث والتعمق والتجربة للوصول للشكل النهائي.

مفهوم الفاعلية الرقمية

الفاعلية الرقمية هي الاستغلال الفردي أو الجماعي لشبكة الإنترنت بأدواتها المختلفة من أجل خدمة المجتمع، والتأثير فيه، وتوسيع دائرة إشراك أفراده، وإدماجهم في القضايا العامة، والفاعلية الرقمية هي عملية التمسك بشبكة الإنترنت كمورد للتنمية المجتمعية، في مواجهة استقطاب شبكة الإنترنت لمستخدميها وحصرهم في الاستخدام الشخصي والترفيهي لأدواتها, ومن الصحيح أن الكثير من أدوات شبكة الإنترنت تم تصميمها لأغراض شخصية وترفيهية، لكنها تظل قابلة للتطويع، ويجب أن نخضعها للتطويع من أجل تعزيز وتفعيل مهمة شبكة الإنترنت في التنمية الشاملة لمجتمعاتنا.

وتعرف منظمة ديجي اكتيف Digiactiv، الفاعلية الرقمية digital Activism، بأنها عملية " استخدام أدوات تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات (الموبايل وشبكة الإنترنت تحديداً) من قبل المواطنين لإحداث تغيير مجتمعي ما"، وباجتهاد تعريف آخر فالفاعلية الرقمية هي" التحرك المدني "الخائلي"، باستخدام أداة أو مجموعة أدوات رقمية من قبل فرد أو مجموعة أفراد بهدف إحداث تغيير اجتماعي أو سياسي على أرض الواقع".

إن عبارة التحرك المدني تعني "التمسك بالحقوق السياسية والمدنية في هذا التفاعل الديموقراطي الخائلي"، ولفظ "الخائلي" هي ترجمة الدكتور نبيل عمر لـ virtual والتي ترد في ترجمات عربية أخرى بـ"الافتراضي" أو" الإلكتروني"، وهي مشتقة من "خال" (خال السراب ماء)، وهي الترجمة الأكثر إقناعاً.

تجدر الإشارة إلى أن الفاعلية الرقمية مفهوم أكثر شمولية من الفاعلية الإلكترونية E-activism التي هي موضوع تناولنا، غير أن كلا المفهومين (الفاعلية الرقمية والفاعلية الإلكترونية) يُستخدمان في السياقات العلمية ذات الصلة كمترادفات، لذا سنستخدم مفهوم الفاعلية الرقمية في هذه الدراسة بدلاً عن الفاعلية الإلكترونية لأسباب تتعلق بعمومية المصطلح وذيوعه رغم اقتصارنا في التناول على البعد الإلكتروني فقط ( أدوات شبكة الإنترنت) لنشير بذلك إلى طبيعة الأدوار التي يمكن القيام بها من خلال "توظيف" أدوات شبكة الإنترنت المختلفة في إحداث تأثيرٍ ما.

إن مجال الدراسة هنا يقتصر على التأثير المتعلق بمكافحة الفساد وفي تعزيز الشفافية والمساءلة"، والأدوات الرقمية هي" أدوات التحرك الخائلي للتأثير في الواقع الاجتماعي أو السياسي" المشار إليها سابقاً ونقصد بها" الموارد الرقمية " وهي المصادر الإلكترونية للمعلومات والمعارف المختلفة المتاحة على شبكة الإنترنت بأنماطها المختلفة كصور، نصوص، فيديو كموارد تدفق المعلومات، والتطبيقات البرمجية المتاحة على شبكة الإنترنت للاستخدام الفردي أو الجماعي المجاني وتشمل:

  1. التطبيقات المفتوحة المصدر: تطبيقات برمجية مجانية، يطورها متطوعون من مختلف أنحاء العالم، بهدف كسر الاحتكار التجاري للتطبيقات التجارية وتمكين الأفراد والمؤسسات التي تفتقر للإمكانيات من الاستفادة من تكنولوجيا المعلومات وإنشاء محتوى رقمي خاص بها، وتتميز بتطورها المتسارع، وتحتاج لمعرفة تقنية متوسطة، وتتوافر على شبكة الإنترنت أدلة كاملة لطرق استخدامها وتكييفها وفق الاحتياج، تضم التطبيقات: المواقع الإلكترونية التفاعلية الجاهزة، منتديات الحوار...الخ.
  2. التطبيقات المفتوحة الاستخدام: وهي عبارة عن تطبيقات برمجية، متاحة على شبكة الإنترنت للاستخدام المجاني، وفق اتفاقية استخدام وخيارات تعديل وتطوير محددة، وتقدم كخدمة من أحد الشركات التجارية، أو المؤسسات غير الربحية، تتميز بسهولة الاستخدام وعدم الاحتياج لمعرفة فنية، وتضم هذه التطبيقات البريد الإلكتروني، المدونات، الشبكات الاجتماعية، المنتديات، مواقع المحتوى التشاركي (تشارك الصور مثل فليكر، تشارك الفيديو مثل يوتيوب)، الخ.

نبذة عن الفاعلية الرقمية

أحد الاستخدامات الأولى للإنترنت كوسط للفاعلية، كان في 10 ابريل عام 1990 عندما أعلنت شركة اللوتس الأمريكية عن عزمها إصدار برنامج software يحتوي بيانات 120 مليون أمريكي، وكرد فعل لهذا الإعلان الذي يمثل انتهاكاً للخصوصية انطلقت حملة شعبية تستخدم البريد الإلكتروني ومنتديات الحوار، لنشر معلومات عن المنتج وما يمثله من انتهاك للخصوصية، وعناوين الشركة، وثلاثين ألف شخص اشتركوا في الحملة، وأرسلوا للشركة طلباً بحذف بياناتهم.

في 23 يناير 1991 أصدرت شركة اللوتس بياناً صحفياً بإلغائها للبرنامج لتتسع بعد ذلك استخدامات الإنترنت كوسط للفاعلية في مختلف المجالات.

في الوطن العربي كانت حركات حقوق الإنسان أول من استخدم الإنترنت للفاعلية، في 30 يونيو 2000 تم اعتقال عالم الاجتماع والناشط في حقوق الإنسان والديموقراطية الدكتور سعد الدين إبراهيم  - رئيس مركز بن خلدون- مع 27 من العاملين في المركز، وعقب اعتقاله تم إطلاق موقع إلكتروني خاص، مثل مصدر للمعلومات حول تطور قضيته، وحوى عريضة لجمع التواقيع، وعمل على ربط الناشطين من مختلف أنحاء العالم، وتوجيه تحركاتهم المساندة، وهو ما شكل ضغطاً دولياً واسعاً، وتعد مصر، الأردن، فلسطين ، المغرب أول الدول التي شهدت استخداماً واسعاً للإنترنت كوسط للفاعلية في مجالات حقوق الإنسان، حرية الإعلام، والتنمية.

وقد شهدت الأعوام الأخيرة نشاطاً واسعاً لاستخدام الإنترنت في الفاعلية في مختلف أنحاء الوطن العربي، وحصل عدد من الناشطين الرقميين العرب على جوائز دولية، كتقدير للدور البارز الذي أحدثوه في تغيير مجتمعاتهم، ورغم قِدم الاستخدامات الأولى للإنترنت في الفاعلية (عام 1990) إلا أنها لم تكتسب تأثيرها الحقيقي سوى في السنوات الأخيرة، مع ظهور الجيل الثاني للإنترنت، لتحظى بعد ذلك بالدراسة والبحث باعتبارها ظاهرة جديرة بالاهتمام.

 الفاعلية الرقمية في مواجهة الفجوة الرقمية

الفجوة الرقمية: هي الهوة الفاصلة بين من يملكون ومن لا يملكون التكنولوجيا الرقمية بين مجتمعات لها القدرة على استخدام أدوات التكنولوجيا(كمبيوتر، إنترنت الخ) وتتاح لها الكثير من الخدمات عن طريق هذه الأدوات (إبتداءاً من التعاملات الإلكترونية المختلفة - بيع، شراء، إنجاز التعاملات الحكومية وانتهاء بالشبكات الاجتماعية والتدوين)، وفي الجانب الآخر مجتمعات غير قادرة على استخدام هذه الأدوات - لأسباب تتعلق بالثقافة والتعليم- ولا تحظى بالوصول إلى الخدمات الإلكترونية -لأسباب تتعلق بانعدام أو ضعف البنية التحتية والمعلوماتية.

إن هذه الفجوة تتخذ أشكالاً متنوعة كفجوة بين دول العالم المتقدم والعالم النامي، وفجوة بين المناطق الريفية والحضرية في إطار الدولة الواحدة، وفجوة بين الأغنياء والفقراء، وفجوة بين الكبار والشباب، وفجوة نوعية بين الذكور والإناث، وفي مجتمعاتنا التي تتجسد فيها الفجوة الرقمية بأشكالها المتنوعة يصبح السؤال الأكثر أهمية هو" هل الترويج للفاعلية الرقمية في مجتمعاتنا هو ترويج للبدائل الأكثر تعقيدا؟ وهل الفجوة الرقمية كفيلة بتبديد حماسنا للفاعلية الرقمية؟".

والمؤكد أن الفجوة الرقمية لها تأثير على فاعلية الإنترنت في العمل المدني (من ناحية التنظيم والمخرجات) كما أنها تعمل على استثناء قطاع عريض من المشاركة لتظل الفاعلية الرقمية محصورة في إطار النخب، غير أن الفاعلية الرقمية بحد ذاتها هي وسيلة من وسائل جسر الفجوة الرقمية، وليست عاملاً من عوامل إبرازها.

إن الفاعلية الرقمية هي فرص المشاركة في صناعة التغيير الاجتماعي والسياسي بينما الفجوة الرقمية هي عدم تساوي هذه الفرص، فالفرص في العالم المتقدم متاحة للجميع بينما في العالم النامي مقصورة على نخب محددة؛ لذا تظل فرص مشاركتنا المحدودة هي فرص مهمة وحيوية لخلق قنوات بديلة لتدفق المعلومات بما يدفع باتجاه تقليص الفجوة في المعلومات عبر الحماس للدور " الشعبي" في جسر الفجوة الرقمية.

إن ما يجب القيام به هو ملاحظة الفارق بين الفجوة الرقمية وتفاوت امتلاك بنية تكنولوجيا المعلومات والفاعلية الرقمية، وحُسن توظيف بنية تكنولوجيا المعلومات، وإذاً فحماسنا للفاعلية الرقمية هو حماس لحُسن توظيف البنية المعلوماتية المتاحة والمحدودة, وإن محدودية فرص المشاركة في مجتمع محلي ما، لا تعني بالضرورة محدودية فرص التأثير فيه فالطبيعة الكونية لساحة الفاعلية الرقمية التي تتجاوز إشكاليات الجغرافيا والعرق والثقافة من شأنها خلق بعد إنساني عالمي لقضايانا، وهو ما يترتب عليه رفع قدرتنا على التأثير في مجتمعاتنا المحلية كانعكاس لقدرتنا على حشد تأييد ومساندة الرأي العام العالمي.

إن القوة في عصر المعلومات ترتبط بالقدرة على استغلال موارد المعلومات لا بالغلبة العددية، وإذن فحماسنا للفاعلية الرقمية هو حماس لمواجهة الاستبعاد الاجتماعي، وإذا كانت المعلومة هي المادة الأولية غير القابلة للنضوب فالفاعلية الرقمية نوع من "اقتصاد المعرفة والاستثمار المعلوماتي" وهو استثمار نهيئ به مناخات صحية للأجيال القادمة التي بلا شك ستعتمد على الإنترنت كمصدر أول للمعرفة، وهو ما يعززه تنامي استخدام الإنترنت، وخصوصاً في أوساط الشباب، والتطور في البنية المعلوماتية في بلداننا وإن كان بطيئاً، وإذاً فحماسنا للفاعلية الرقمية هو حماس للحاضر والمستقبل.

مكافحة الفساد بين الفاعلية الرقمية والحكومة الإلكترونية

يستدعي الحديث عن المكافحة الرقمية للفساد مفهوم الحكومة الإلكترونية e-governance وهو مفهوم له دور كبير في تعزيز الشفافية، وبالتالي الحد من الفساد الإداري، غير أنه لا يندرج ضمن إطار هذه الدراسة، وعليه يجب توضيح المفاهيم الأساسية المرتبطة بتكنولوجيا المعلومات والتنمية، ليتضح للجميع حدود ومجال الدراسة بشكل رئيس.

ويشير مصطلح الـ ICTs Information and Communication Technologies لكل ما يتعلق بإنشاء وتطوير البنية التحتية الخاصة بالاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ويشمل إنشاء البنية التحتية لقطاع الاتصالات كالموبايل والإنترنت، وكذا قطاع الإعلام من راديو وتلفزيون. الخ، بينما يشير مصطلح الـ ICT4D Information and Communication Technology for Development إلى كل ما يتعلق باستخدامات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات كوسائل لتحقيق الأهداف التنموية، ويشمل استخدام الفاكس/ التلفون/ الكمبيوتر/ الراديو/ التلفزيون / الأقراص المدمجة والإنترنت في دعم وتعزيز فاعلية وكفاءة مشاريع التنمية.

ويندرج في إطار الـ ICT4D مفهوم الفاعلية الرقمية، ومفهوم الحكومة الإلكترونية كتطبيق برمجي يستخدم شبكة الإنترنت للوصول للمواطنين، وآلية لاستخدام تكنولوجيا المعلومات لتعزيز الشفافية والمساءلة ( انفتاح عملية صنع القرار) ومكافحة الفساد، غير أن الحديث عن الحكومة الإلكترونية هو حديث عن دور حكومي يستلزم وجود رؤية واستراتيجية واضحة تحقق الشفافية من خلال بنية أساسية ذات تخطيط استراتيجي، وقوانين وتشريعات كاملة، تنظم الإجراءات في البيئة الإلكترونية وتبسيط الإجراءات الإدارية وأتمتتها، وهو ليس مجال تناولنا هنا.

أهمية الفاعلية الرقمية في مكافحة الفساد

هل إقحام الإنترنت "ممثلة في الفاعلية الرقمية" في التصدي لأحد أخطر التحديات العالمية، إن لم يكن أخطرها كالفساد هو نوع من فرض "المزاج الرقمي" لجيل أصبح الإنترنت جزءاً من ثقافته اليومية، وأكثر من كونه تعبيراً عن أحد أشكال التدخلات المجتمعية الأكثر تأثيراً؟، وهل الحديث عن الفاعلية الرقمية في مكافحة الفساد هو حديث عن فن الممكن والعملي والموضوعي، أم هو مجرد نوع من التبشير بأنماط ثورية لصناعة التغيير في المستقبل؟

إن الفساد لا يتوقف تأثيره عند حدود إنهاك الحاضر الذي نعيشه، بل يمتد إلى مُصادرة المستقبل الذي يُفترض أن نعمل على تأمينه للأجيال القادمة، ويستدعي إعلان حرب مفتوحة أو تعبئة عامة أو إعلان حالة طوارئ مدنية تعزز التحرك على جميع خطوط المواجهة.

إن طبيعة هذا التحدي الذي نواجه يستلزم الإشارة إلى أن نجاحنا في مكافحة الفساد هو نتاج لخيارنا وإرادتنا كمجتمع، وليس نتاجاً لنوع وطبيعة التقنية التي نستخدمها، فكلما توفرت الإرادة المجتمعية كلما تعززت فرص النجاح في مكافحة الفساد، والحديث عن الفاعلية الرقمية هو حديث عن فرص خلق تلك الإرادة المجتمعية أكثر من كونه حديثاً عن فرص النجاح، وللإجابة على السؤالين السابقين، سنستعرض أهمية الفاعلية الرقمية في مكافحة الفساد من خلال أربعة محاور، وهي كالتالي:

المحور الأول: الفاعلية الرقمية كعملية ذات وسط مرن يحفز للتحرك ضد الفساد

الواقع الخائلي على شبكة الإنترنت هو البيئة التي ينمو فيها الحراك الرقمي، وهو واقع ذو مضامين مختلفة يمنحنا قوة، لعل أهمها من منظور مكافحة الفساد هي:

السرعة الفائقة / والنطاق الواسع (العالم)، في نشر الأخبار والمعلومات

وهو ما يعني تدفق معلومات أكثر، انتشاراً أوسع، تكثيف استجابة محلية ودولية أقوى، وهو ما يؤدي لكبح استشراء الفساد في مجتمع كاليمن يعد من المجتمعات المعتمة التي تخلق بيئة مثالية لنمو الفساد، فتدفق المعلومات هو نوع من تسليط الضوء يعيق هذا النمو.

إمكانية بناء قواعد بيانات إلكترونية للمعلومات بجهود فردية أو تعاونية يسهل الوصول إليها والاطلاع عليها

إن وجود ذاكرة حية ونشطة، ترصد وتوثق الفساد، وجهود مكافحته ستعزز من تطوير استراتيجيات المقاومة، باعتبارها عملية تراكمية، وستعمل كأداة تثقيف تقدم صورة شاملة، وتدفع في اتجاه استمرارية العمل على مكافحة الفساد.

القدرة على التعبئة والحشد والتشبيك والتحريك

إن شبكة الإنترنت تقدم أدوات للتوجيه والتحريك الخائلي كتنظيم التحرك في نطاقات جغرافية مختلفة، ولبناء شبكات أوسع تتجاوز الجغرافيا، وهو ما يعزز من بناء القدرات وتبادل الخبرات والمعلومات، وهو ما من شأنه تحويل جهود مكافحة الفساد إلى اللامركزية حيث تتمركز جهود مكافحة الفساد حيثما تتمركز المؤسسات المعنية، وهدف الخروج في اتجاه الأطراف، يظل الوصول لها محصوراً بمدى توفر التمويل اللازم، وبمشاريع محدودة ومحددة زمنياً، وهذه إحدى الإشكاليات.

التكلفة الزهيدة نسبيا

مقارنة بأي وسيلة أخرى تظل التكلفة معقولة ومقبولة، وهو ما يتيح فرصة للعمل المتواصل، بما يعزز من استدامة جهود مكافحة الفساد، كما أن أدوات الفاعلية الرقمية مجانية، ولا يحتاج استخدامها لمهارات فنية عالية، وهو ما يعزز من إمكانية الاستخدام الواسع لهذه الأدوات وتفعيل توظيفها في الحراك المدني الخائلي.

المحور الثاني: الفاعلية الرقمية كعملية تمكين للأفراد في مكافحة الفساد

يقدم الواقع الخائلي حاضنات مجتمعية ديموقراطية ومفتوحة تساهم في خلق قنوات بديلة للمشاركة في الحياة العامة على الواقع، ومحصلة الانخراط والمشاركة الفاعلة في هذه الحاضنات بهدف التأثير على الواقع، وهو ما أصطلح على توصيفه بالفاعلية الرقمية، ولعل ما يجسد الطبيعة الديموقراطية لهذه الحاضنات هو:

  1. الفرص المتساوية للمشاركة (من خلال صيغة العمل المباشر مع الناس ومن أجلهم) مهما كانت الميول والاتجاهات، وهذه الفرص بدورها بعيدة عن الهيمنة والاستقطاب.
  2. توفير شكل تمثيلي لمصالح الأطراف المهمشة، وتعزيز فرصها في التواجد والتعبير.

إن هذه الحاضنات المجتمعية الديموقراطية والمفتوحة خلقت وسطاً للتمكين، كما يقول باتريك باتلر من المركز الدولي للصحفيين" التكنولوجيا التي أصبحت موجودة في كل مكان، حتى في الدول الفقيرة، لا تؤمن تدفقاً أكثر حرية للمعلومات فحسب، بل إنها تشجع كذلك المواطنين، الذين طالما شعروا بأنهم عاجزين لا حول لهم ولا قوة، على لعب دور في تحقيق التغيير في مجتمعاتهم".

تتمثل أهم معالم هذا التمكين في مكافحة الفساد، في خلق مسارات جديدة للمشاركة العامة تجعل من مفهوم "الأغلبية الصامتة" في ظل الفاعلية الرقمية مفهوماً لا يتسم بالدقة فملايين الأصوات ترتفع، وتتسع دائرة القضايا المطروحة للنقاش متجاوزة كل التابوهات التقليدية وهو يعزز من المشاركة في مكافحة الفساد عبر تمكين الأفراد من:

المشاركة في كشف الفساد:

القنوات البديلة للمشاركة التي أفرزتها الفاعلية الرقمية، منحت فرصاً واسعة لمراقبة أداء الحكومة من قبل الأفراد، ليبرز على السطح مفهوم "الرقابة الشعبية" social monitors، حيث يعمل الناشطون الرقميون كمجسات إستشعار للانحرافات القائمة في المجتمع كنتاج للسياسات الحكومية التي يتم ممارستها، وتنعكس في شكل مقالات، صور، فيديو، تحركات رقمية، لتمثل تغذية راجعة على الأداء الحكومي، وصورة شعبية تعكس طبيعة وحجم الفساد في المجتمع، وهذه التغذية الراجعة للمواطنين على ممارسات حكوماتهم هي انعكاس لسريان المعلومات في مسارات مقفلة تربط بين القرارات والممارسات وبين النتائج وردود الأفعال.

بالتالي تعمل على خلق مفهوم جديد للشفافية يمكن تسميته "الشفافية المضادة" كما نجتهد في التسمية بدلاً عن تسمية "الشفافية المجتمعية" كونها تعبير عن الاستشعار المجتمعي لمدى الحيود والانحرافات عن الأهداف المرسومة أو المعايير المقررة، وأكثر من كونها تعبير عن التزام المواطنين على توجيه حكوماتهم لتصبح أكثر تجاوباً مع مطالبهم.

إن التعريف الأول" الاستشعار المجتمعي" هو تعبير ينطوي على رد فعل دفاعي في مواجهة الفساد، وناتج عن عدم وجود مسارات لسريان المعلومات، ويقصد بهذه المسارات أعمدة منظومة النزاهة الوطنية لذا فهي "شفافية مضادة " وآلية لانتزاع الحقوق وكشف الفساد.

والتعريف الثاني "التزام المواطنين" فهو تعبير عن الممارسة الطبيعية للحقوق السياسية والمدنية المكفولة بما يعزز من حيوية التفاعل الديمقراطي القائم الناتج عن توافر مسارات لسريان المعلومات، لذا فهي "شفافية مجتمعية" وآلية لممارسة الحقوق، وتمثل مخرجات الشفافية المضادة، مصادر مهمة لتجديد الوعي الاجتماعي، وكشف فداحة الثمن الذي يدفعه المجتمع جراء الفساد، وهو ما يخلق أساساً لتبني المساءلة العمودية كانتخاب المواطنين لممثليهم بناءً على برامجهم وأدائهم، بعيداً عن الاعتبارات المناطقية والطائفية فالإيمان بالشفافية يولد الاستعداد للمساءلة.

المشاركة في مواجهة الفساد

إن الضغط والمناصرة والتأييد، فرص حقيقية لمشاركة الأفراد في مواجهة الفساد وخلق رأي عام مساند، فبيئة المجتمعات الخائلية هي بيئة احتجاج مدني مفتوح، تحشد المناصرين وتحركهم دون الاصطدام بالتعقيدات السياسية على الواقع، وفعالية الضغط والمناصرة والتأييد تستلزم تحركاً موازياً على الأرض إلا أن المواجهة الإلكترونية ابتكرت ومازالت بدائل مثل تنظيم التجمعات في دول ديموقراطية أمام سفارات البلد المعني، أو الاحتجاج بطريقة حركة 6 إبريل في مصر " الحركة الإلكترونية النشأة والعمل والتحريك"، وتحديد يوم معين لاعتكاف الناشطين في منازلهم.

إن المراكز الخائلية للتحريك، تمثل خلايا أزمة للحشد والتعبئة والمواجهة المفتوحة، والتحفيز الدائم للحراك المدني على الأرض، وهو ما يعكس مرونة وطبيعة المجتمع الخائلي المعولم الواحد، والثورية والابتكار المتجدد في الفاعلية الرقمية، بما يجعل من مواجهة الفساد رقمياً عملية ذات تأثير حيوي وفاعل.

المشاركة في منع الفساد

لا تتوقف الفرص التي تتيحها الفاعلية الرقمية عند خلق إعلام بديل يقدم رسائل التغيير الاجتماعي والسياسي بشكل متجدد ومبتكر وقادر على التأثير وصناعة الوعي، بل تمتد إلى إتاحة فرص للتعلم والاستفادة من تجارب الآخرين، وبناء قدرات الناشطين المحليين، وإدماج ناشطين جدد، والتشبيك مع الناشطين من مختلف أنحاء العالم، وهي فرص ستعزز من قدرات الناشطين المحليين في مكافحة الفساد، ورفع فاعلية وكفاءة أنشطتهم المختلفة، هذا من جهة، وزيادة المحتوى الرقمي المناهض للفساد بما يخلق حضور قوي لقضية مكافحة الفساد، من جهة أخرى.

المحور الثالث: الفاعلية الرقمية كعملية اتصالية للمنظمات والجهات المعنية بمكافحة الفساد:

لن تنجح جهود منظمات المجتمع المدني والجهات الحكومية المعنية في مكافحة الفساد مالم يكن هناك إشراك حقيقي للأفراد في هذه الجهود من خلال تشخيص المشاكل، وتطوير الاستراتيجيات، وتنفيذ البرامج والأنشطة، فضلاً على أن عدم شفافية هذه المؤسسات هو الدافع الحقيقي وراء التجاهل المجتمعي لهذه الجهود "الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة" في اليمن كمثال، حيث لا يوجد على موقعه الإلكتروني تقاريره التي يصدرها فكيف يمكن أن يكون هناك حماس لمساندة جهوده التي في الوقت ذاته لا تتسم معلوماته بالشفافية.

إن بيئة الفاعلية الرقمية تمثل وسطاً اتصالياً، وعلى منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الحكومية المعنية أن تأخذ في اعتبارها أهمية حضورها فيه، واستخدام الأدوات الرقمية لفتح قنوات مباشرة مع الشباب فغيابها الإتصالي هو من يمنح مبرراً لسيادة الانطباع العام بهامشية أدوارها وشكلية أعمالها كما يقود لفقدانها للمصداقية، وشيوع الاعتقاد أنها جهات لا تقل فساداً عن الحكومة، ففي مجتمعات كمجتمعاتنا التي يستوطن فيها الفساد "كلما قلت الشفافية كلما منحت الشبهات مبرراً لتتحول إلى قناعات راسخة".

إن الحقيقة التي يجب أن ندركها إن فشل، أو على الأقل عدم فاعلية جهود الكثير من مؤسسات مكافحة الفساد هو انعكاس لفشلنا كمجتمع في استيعاب وتقدير قيمة ما تقوم به هذه المؤسسات، وأن تبني الجهات المعنية بمكافحة الفساد، لجهود الناشطين الرقميين، وللإنترنت كوسط اتصالي للتنمية سيمنحها فرصة لتطبيق استراتيجياتها، وسيحقق التوازن المطلوب بين دورها في التوعية والتطبيق، وهو التوازن اللازم لنجاح أي استراتيجية مكافحة للفساد.

المحور الرابع: الفاعلية الرقمية كعملية تحقق الاستدامة لجهود مكافحة الفساد:

صحيح أن المشاركة الرقمية قد لا تنجح في التأثير على صناعة القرار في المدى القريب نظراً لطبيعة الأنظمة السياسية في بلداننا التي ترى في الاستجابة لضغوط شعوبها نوعاً من التفريط في الذات، ولكنها تظل مشاركة هامة حيث أن " إشاعة المعرفة وإتاحة المعلومة تزيدان من فاعلية المجتمعات وحيويتها ومنسوب ديموقراطيتها ومناعتها ضد أساليب الاستبداد"، هذا من جهة.

من جهة أخرى فإن فك الارتباط بين التغيير وتوجهات النخب الثقافية، وربط التغيير بالثقافة الشعبية هو المعيار الذي يجب أن نقيس عليه النجاح من عدمه في تحقيق الفاعلية الرقمية لأهدافها باعتبارها خطوة أولى للتمكين وإعادة هيكلة القوى التي تحكم التوازن الاجتماعي.

ومن جهة ثالثة، فإن الشباب هم مصدر قوة الأمم، وامتزاج الموارد المعلوماتية مع عنصر القوة المجتمعية " الشباب" سيشكل قوة دفع ذاتية ومستدامة للنهوض بمجتمعاتنا، وتعزيز تنميتها.

ومن جهة رابعة فالفاعلية الرقمية تمنح "الأغلبية الصامتة" مسارات جديدة لم تكن متاحة من قبل لتصبح "أغلبية ناطقة" بهمومها وتطلعاتها، ولتصبح "أغلبية تقدمية" تدفع في اتجاه التحديث.

ومن جهة خامسة فالتوجه للفاعلية الرقمية في مكافحة الفساد سيعمل على زيادة المحتوى الرقمي باللغة العربية حول قضايا الفساد وسبل مكافحته، وهو المحتوى الذي سيشجع الكثيرين في ظل هيمنة اللغة الإنجليزية على شبكة الإنترنت للانخراط المدني في الحركات الاجتماعية المناهضة للفساد، وزيادة فرص التعلم.

استخدامات الفاعلية الرقمية في مكافحة الفساد

مازال استخدام الإنترنت كوسط للفاعلية في مكافحة الفساد في اليمن يتسم بالضعف، بالعكس من القضايا الأخرى كالديموقراطية وحقوق الإنسان لأسباب تتعلق بـ:

  1. الحداثة النسبية للتناول الدولي للفساد (مع إنشاء منظمة الشفافية العالمية عام 1990) فضلاً عن أن التناول الوطني لقضية الفساد في الكثير من الدول جاء بعد ذلك بكثير.
  2. غياب مفهوم الفساد، كمفهوم مستقل، نظراً للتداخل واللبس القائم بين مفهوم الحكم الرشيد ومفهوم الفساد، حيث يعد الثاني أحد مظاهر غياب أو هشاشة الأول، مع التنبيه على أن الفساد، قد يوجد حتى في ظل وجود حكم رشيد قوي وفاعل.
  3. تركيز الناشطين الرقميين في العالم بشكل عام على قضايا الديموقراطية والحقوق والحريات كأولويات للعمل الرقمي، وهو ما ترتب عليه فجوة في التنظير الرقمي لمكافحة الفساد، بعكس القضايا ذات الأولوية التي حظيت بتناول رقمي واسع، هذا من جهة، وأدى إلى انطلاق التناول الرقمي للفساد من أرضية سياسية أو حقوقية، وهذا تناول مهم وفاعل، غير أنه يؤدي لاختزال الكثير من المفاهيم المتعلقة بالفساد كظاهرة لها زواياها الخاصة في التناول والمعالجة، من جهة أخرى.
  4. ضعف استخدام الفاعلية الرقمية كعملية للاتصال والتحريك من قبل المؤسسات المعنية بمكافحة الفساد.

إن ضعف الحراك الرقمي في مكافحة الفساد، لا ينفي وجود نجاحات لافتة وتحركات مثلت ثورة حقيقية في العمل المدني الخائلي من أجل التغيير، فضلاً عن الإمكانيات الكبيرة للفاعلية الرقمية، والواعدة بالمزيد من النجاحات، وبمنح الفرد قوة حقيقية لقيادة عملية التغيير، وهو ما يدفعنا للمزيد من الاهتمام باستخدامات الإنترنت كوسط للفاعلية في مكافحة الفساد، وللسعي لبلورة رؤية رقمية تنطلق من المفاهيم الخاصة للفساد، وتستثمر نقاط التقاطع مع القضايا الأخرى، من أجل تعميق الإدراك المجتمعي للفساد كظاهرة تقف بشكل أساسي خلف زيادة الفقر، وتقويض الديموقراطية، وتفكيك النسيج الاجتماعي، وغياب الحريات والعدالة والمساواة.

إن هذه النجاحات شكلت إلهاماً وحافزاً يقف خلف هذه الدراسة، كمحاولة لسد الفجوة في التنظير الرقمي لمكافحة الفساد، من خلال جمع ودراسة الأنشطة المختلفة للفاعليين الرقميين في مختلف أنحاء العالم، وفرز ما ينتمي لجهود مكافحة الفساد منها، ومن ثم، تقديمها في إطار منهجي، والخروج بصيغ تكتيكية أساسية تمثل دليلاً للتحرك الرقمي.

إن استخدامات الفاعلية الرقمية في مكافحة الفساد التي قمنا برصدها، وخلصنا إلى تأطيرها منهجياً في ثلاثة محاور، يندرج تحت كل محور التكتيكات الأساسية التي يمكن استخدامها في التحرك الرقمي لمكافحة الفساد من قبل الأفراد، وتعتمد هذه التكتيكات على دراسات حالة تم تأطيرها ضمن مقاربات جديدة وخاصة بمكافحة الفساد، ومنها ما هو مستلهم من الأنشطة الرقمية في مجالات أخرى غير الفساد، وغيرها ما هو تحوير رقمي لآليات وسياسات واستراتيجيات وأدوات مكافحة الفساد في العمل المدني على الواقع، ويمكن توضيحها كالتالي:

استخدام الفاعلية الرقمية في تحرير المعلومة

التعبير الثوري لعبارة " تحرير المعلومة" في اعتقادنا ليس تعبيراً ارتجالياً، بل تعبيراً ينطوي على التأكيد على مفهوم غاية في الأهمية وهو " الحق في الحصول على المعلومة" من جهة، و"شرعية رد الفعل" من جهة أخرى، وانطلاقاً من الحق في الحصول على المعلومة، الذي يتضمن توفير المعلومة وتسهيل الحصول عليها استخدم الناشطون أنشطة المراقبة في العمل الرقمي.

وتعد مراقبة الأداء الحكومي أحد أهم الأدوات في عمل المجتمع المدني لكشف الفساد وتحرير المعلومة، وعملية المراقبة هذه يمكن تعريفها بـ" عملية تنفذ لاكتشاف مواطن الخلل في جانب معين"، وهي عملية معقدة تستلزم معايير صارمة في طريقة تحديد الخلل، وأدوات للقياس والتقييم، ومُخرجات محددة تمثل –غالباً- تقريراً يُقيم الوضع المستهدف بالرقابة، ويكشف مواطن الخلل فيه، غير أن المراقبة الإلكترونية اتسمت بطبيعة مختلفة باعتبارها عملية تنفذ بهدف التعبئة العامة، وتكريس ثقافة المساءلة، وآلية لإشراك المجتمع في رقابة حكومته أكثر من كونها عملية إنتاج تقرير تقييمي حول وضع محدد, والإنترنت أتاحت دمج عملية المراقبة بالنشر من جهة، وبالمناصرة من جهة أخرى، وهذا التداخل هو ما يمنح المراقبة الإلكترونية أهميتها، وبالتالي تتجاوز نقاط الضعف في منهجيتها من خلال تفعيل المراقبة ذاتها كأداة للتغيير الاجتماعي والسياسي أكثر من كونها أداة للإنتاج الأكاديمي، وإن المراقبة الإلكترونية عملية قد تكون خطية أو غير خطية، بعكس المراقبة التي تنفذها منظمات المجتمع المدني كعملية خطية ذات تراتبية خاصة تبدأ بتنفيذ المراقبة، ثم المخرجات، ثم النشر، وأحياناً يتبع النشر حملة مناصرة تتخذ من مخرجات المراقبة أساساً لها.

إن عملية المراقبة بالمفهوم الإلكتروني كأحد أدوات "الشفافية المضادة" هي عملية تنفذ لاكتشاف مقدار الفجوة فيما نملكه من المعلومات التي تتعلق بنا، ومن ثم جسر هذه الفجوة عبر حشد التغذية الراجعة من أفراد مجتمعنا، والتي تعكس بدورها مستوى الفساد الناجم عن غياب المعلومات وبالتالي المساءلة, تجدر الإشارة إلى أن ارتباط المراقبة الإلكترونية بالنشر الفوري والتفاعل المفتوح، يجعل منها في حال توافر صدى لها على الواقع عبر وسائل الإعلام المحلي والدولي أداة ردع للجهة التي تتم مراقبتها مما يقلل من ممارستها للفساد، والمقارنة في الشكل رقم (7) تعطي صورة أوضح للفروق بين المراقبة بمفهومها الإلكتروني، وبمفهومها الواقعي، وهي لا تقلل من قيمة عملية لصالح الأخرى، بل توضح الأسس التي أسقط عليها الناشطون المراقبة في الفضاءات الرقمية، وأما ما يتعلق بطبيعة عملية المراقبة الإلكترونية التي نفذها الناشطون في البلدان النامية، فقد اتخذت شكلين:

الأول: مشروع مراقبة:

عبارة عن نشاط لجمع واستقبال المعلومات حول وضعٍ ما، خلال فترة طويلة أو متوسطة المدى، بهدف إيجاد مصدر بديل للمعلومات، يعكس في المجمل مستوى الفساد، ويُشجع على المساءلة الشعبية المباشرة، والمساءلة العمودية "مراقبة + مناصرة"، ويعتمد مشروع المراقبة بشكل أساسي على جهود تعاونية (متطوعين إلكترونيين، إضافات الزوار من المعنيين)، وتعرض معلومات مشروع المراقبة في موقع إلكتروني مخصص للمشروع، ولا تخضع سوى لمعايير النشر.

الثاني: نشاط مراقبة

وهو عبارة عن نشاط ينفذه -غالباً- فرد لتوثيق معلومة تعكس مؤشراً للفساد، بهدف المساءلة المباشرة، وتهدف لتسليط الضوء على ممارسات الفساد عبر النشر، كآلية للمساءلة المباشرة وكعملية تحريك للرأي العام للمساءلة في الوقت ذاته، وبالعكس من مشروع المراقبة الذي تبرز فيه أنشطة المراقبة "سير عملية جمع المعلومات" أكثر من مخرجاتها "المحصلة النهائية" تبرز في نشاط المراقبة مخرجاته، أكثر من سير عملية جمع المعلومات أثناء تنفيذ نشاط المراقبة, و الشكل رقم (9) يوضح طبيعة نشاط المراقبة في الفضاءات الرقمية كقناة موازية للقنوات الرسمية "إعلام، مجتمع مدني مؤسسات رقابة"، وتعمل على رفع مستوى تأثير الأفراد في مجتمعاتهم المحلية.

مشروع مراقبة -دراسة حالة (1): مازلاندو – عين على البرلمان الكيني

مازلاندو مفردة "سواحلية" تعني" الوطني، وتحولت هذه المفردة اللغوية إلى عنوان مشروع "انقلاب مدني" في كينيا ضد حكومة تفرض قيوداً صارمة على تداول المعلومات، وتقول أوري أوهالو - مؤسسة هذا المشروع- " من حق الشعب أن يعرف وأن يحصل على المعلومات ويجب علينا تشجيعه على المساءلة والمطالبة بالشفافية "، وانطلقت أوهالو في مسار مغاير؛ فبدلاً من مطالبة الحكومة على الإفصاح عن المعلومات أطلقت الموقع الإلكتروني" مازلاندو" لتبدأ حملة الرصد الشعبي لمعلومات حول أداء ممثلي الشعب في البرلمان عبر توثيق المعلومات التي تتسرب عبر وسائل الإعلام السائدة، وعبر الرصد المباشر للناشطين.

إن مازلاندو كمشروع مراقبة على البرلمان الكيني تصفه أوهالو بالقول" هو موقع إلكتروني يهدف لتسليط الضوء على أداء أعضاء البرلمان الكيني لإبقاء الناخبين على اطلاع بكافة المعلومات المتعلقة بأداء ممثليهم في البرلمان بما يمكنهم من اتخاذ قرارات سليمة أثناء الانتخابات بعيداً عن العرقية أو الرؤى الشخصية" ، وهو ما يدفع في اتجاه تبني المساءلة الشعبية، والبيروقراطية، والمعارضة المستأنسة، وتحالفهما الذي يشكل البيئة المناسبة لنمو الفساد لذا مثل مشروع مازلاندو مبادرة في اتجاه تنظيم استجابة جماعية للتعبير عن أصوات المناهضة لهذا التحالف عبر تفعيل المراقبة الشعبية والتوثيق للأداء الحكومي بشكل عام والبرلماني بشكل خاص" ، وذلك عبر:

  1. تنظيم زيارات طوعية لمبنى البرلمان للمدونين، وكتابة تقارير حولها وإرسالها للموقع.
  2. إتاحة التعليق والنقاش للمواطنين في الدوائر الانتخابية المختلفة وإضافة المعلومات.

إن مشروع مازلاندو أحد المشاريع الملهمة للناشطين في العالم، وأهميته تكمن في كونه فتح أفاقاً جديدة لما يمكن أن يقوم به الأفراد عبر تكنولوجيا المعلومات في التصدي لتحديات مجتمعاتهم المحلية، وأكثر من كونه حقق نجاحاً على الواقع، والتأثير على صناعة القرار منذ عام 2006 يستمر مازلاندو في بث رسالة التعبئة ضد الفساد وغياب الشفافية والمساءلة، وهي رسالة تمنح كل زائر فرصة لإعادة صياغة علاقته بمجتمعه، ورسالة تتضمن مفهوماً مهماً وحيوياً بأن " كل فرد هو صانع تغيير".

مشروع المراقبة – دراسة حالة (2): مراقبة المدونين المغاربة لانتخابات 2009

أطلق المدونون المغاربة حملة أطلقوا عليها "مدونون ضد الفساد الانتخابي" مواكبة لمختلف مراحل الانتخابات المحلية في المغرب التي جرت في 12 يونيو 2009، وفضحاً لما وصفوه بـ “مظاهر الاختلال" التي قد تشوب الانتخابات، وتعتمد الحملة التي أطلقتها "جمعية المدونين المغاربة" على وسائل مختلفة.

أنشأ المدونون مدونة جماعية خاصة بالحملة لنشر مساهمات المشاركين والتي قد تكون عبارة عن تقارير أو أخبار أو مواد تحليلية، كما أنشؤوا مجموعة "مغاربة ضد الفساد الانتخابي" على الموقع الاجتماعي الشهير فيس بوك، وأطلقوا قناة الجمعية على اليوتيوب لتجميع المواد المرئية التي يتم التقاطها لبعض مظاهر الفساد الانتخابي.

وقد قال المدونون المغاربة في بيان خاص بالحملة "أن هذه الحملة تأتي استحضاراً من الجمعية لأهمية التدوين وإعلام المواطن والدور الذي يجب أن يقوم به لتعزيز الرقابة الشعبية على الممارسة السياسية وترسيخ سلطة الإعلام في سبيل دمقرطة الحياة السياسية"، وشددوا على ضرورة كشف الفساد بجميع مظاهره، ومحاصرة المفسدين وفضحهم، بالمتابعة السريعة للأحداث الساخنة من عين المكان بالصوت والصورة والكتابة.

لقد رأوا في الانتخابات الجماعية حدثاً وطنياً مهماً فإن ذلك يستدعي الانخراط الشامل لكل المدونين والمدونات وشباب الصحافة الشعبية والمشاركة الفاعلة لاطلاع الرأي العام على ما يجري يوم الاقتراع وقبله وبعده، وشارك في الحملة 26 مدوناً، وتم خلالها رصد العديد من مظاهر الفساد، وحظيت الحملة بتغطية واسعة من الإعلام.

نشاط مراقبة -دراسة حالة (3): تتبع الطائرة الرئاسية التونسية

تمترس الصين خلف سورها العظيم لم يقيها في النهاية من اجتياح المغول غير أننا لا نستفيد من التاريخ غالباً، والعقد الاجتماعي الذي ينظم علاقتنا كشعب بالحاكم يمنحنا كامل الصلاحية في مساءلته ومحاسبته، وحتى سيطرة خرافة الديكتاتور المستنير لا تسقط حقنا في المساءلة.

إن هذا بالضبط ما صنعه أحد المدونين التونسيين، والذي يتخذ اسماً مستعاراً هوAstrubal والذي استطاع تعقب الطائرة الرئاسية التونسية باستخدام موقع airliners.net حيث يتيح هذا الموقع للهواة جمع الصور الخاصة بالطائرات في مختلف المطارات، وجمع المعلومات الخاصة بها كالنوع، والرقم، ومحطات تنقلاتها، وأظهر تعقب الطائرة الرئاسية تنقلها بشكل دائم في عواصم مثل باريس وروما وميلانو، وهو أمر غير طبيعي في ظل عدم الإعلان الرسمي لزيارات الرئيس زين العابدين بن علي لهذه الدول، فضلاً عن كونه، معروف بأنه قليل السفر إلى الخارج مما دفع بالمدون التونسي لعمل فيديو رقمي يضم صور الطائرة الرئاسية في تنقلاتها في العواصم الأوروبية بالإضافة إلى خرائط من برنامج جوجل إرث تحدد خط تنقلات الطائرة الرئاسية ليثير تساؤلات حول استخدام الطائرة الرئاسية في الرحلات الخاصة بالسيدة الأولى في تونس " ليلى بن علي"، خصوصاً وأن المناطق التي تتردد عليها الطائرة الرئاسية هي عواصم التسوق والموضة في العالم.

تم بث هذا الفيديو في موقع موشن دايلي "شبكة خاصة بالفيديو مشابهة ليوتيوب"، مما أثار ردود أفعال واسعة، ففي الإعلام السائد نشرت مجلة Foreign Policy مقال تنتقد فيه السيدة الأولى، وتقدم شرحاً للطريقة التي يمكن عبرها تتبع الطائرات الرئاسية لبعض الزعماء العرب.

استخدم وائل عباس "مدونة الوعي المصري" في تناولاته المختلفة للفساد في مصر تكنيك نشاط المراقبة عبر عرض لقطات فيديو قام بالتقاطها توثق لمظاهرٍ ما من مظاهر الفساد، وأحدها كانت، مشهد فيديو يكشف تصرفات رجال المرور، ويوثق ممارسات الفساد، وهو ما يعكس القوة التي تمنحها التكنولوجيا الرقمية والتي يمثل الموبايل أحد مفرداتها للناشطين للمساهمة في كشف وقائع الفساد وتوثيقها.

المحور الثاني: استخدام الفاعلية الرقمية في تحرير الإعلام

غني عن الذكر أن أدوات الإنترنت أتاحت منابر حرة للتعبير تتجاوز إشكالية هيمنة الدولة على وسائل الإعلام وتدني سقف الحريات، وهذه المنابر الرقمية الحرة هي مصادر للأخبار خارج الإعلام السائد، والتي وإن كانت تثير بعض التحفظات لدى البعض لأسباب تتعلق بعدم احترافية مرسليها، وبالتالي عدم جودة المعلومات إلا أنها تظل مصدراً مهماً وإعلاماً بديلاً سوف يؤدي مع مرور الزمن إلى إثراء الخطاب العام لا الحط من مستواه فتكنولوجيا وسائل الإعلام الجديدة تسمح للناس في كل مكان خلق معلومات على الإنترنت لا تكتشفها وسائل الإعلام السائدة.

إن هذا ما يمثل أساساً لتوحيد الصفوف وتنظيم الجهود بشأن القضايا المشتركة، وعلى إنشاء الأسس الشعبية المشتركة اللازمة للمشاركة السياسية والاجتماعية محلياً، وإنشاء الأسس الشعبية المشتركة اللازمة لتفعيل التعاون الدولي والتشارك الإنساني، والأدوار التي يمكن أن يلعبها المواطنون في تحقيق التغيير من خلال تكنولوجيا المعلومات.

وكذا تمثل مدخلاً حقيقياً لتحرير الإعلام، من خلال تطوير إعلام بديل حر ومؤثر من جهة، والتمسك بالحقوق السياسية والمدنية، من جهة أخرى، ويمكن رصد الأدوار التي لعبها الناشطون الرقميون في تحرير وسائل الإعلام، كالتالي:

مصادر المعلومات

وهو دور يتضمن نشر وتعميم معلومات الفساد للرأي العام المحلي والدولي، والمساهمة في تدفق المعلومات حول قضايا الفساد التي تغيب عن التناول في الإعلام السائد، أو يتم تناولها بشكل ثانوي، أو يتم تناولها لأغراض إعلامية وليست تنموية، ومكافحة الفساد عبر التزويد بالمعلومات اتخذ أحد شكلين هما:

المصادر البديلة

يقصد بالمصادر البديلة، توظيف الأدوات الرقمية في إنشاء وسائل إعلامية – كالمدونات- تهدف إلى رفع سقف الحريات الإعلامية في تناول قضايا الفساد وذلك عبر نشر ما تتجاهله وسائل الإعلام لأسباب تتعلق بالقيود المفروضة على الحريات أو ما لا تصل له وسائل الإعلام السائد لأسباب تتعلق بمحدودية إمكانياتها، وعلى سبيل المثال ليس لها شبكة مراسلين تغطي كافة المناطق الجغرافية للبلد، ولا تستطيع نشر المواد الإعلامية المحظورة، أو تجاوز الخطوط الحمراء المتعلقة بالفساد وفتحها للنقاش العام.

إن كل ذلك يعكس طبيعة التسمية "المصدر البديل" في كونها تقدم بدائل لمصادر المعلومات السائدة كوكالات الأنباء والقنوات الفضائية، ومصادر لا تمر عبر الرقابة والتوجيه السياسي فالرقابة الحكومية تظل محصورة داخلياً كما أن تداول المادة الإعلامية في أكثر من موقع يجعل من الرقابة عليها حتى داخلياً أمراً صعب التحقق، ويمثل إنشاء مصادر بديلة دوراً مهماً في استخدام حقوق الإنسان كآلية لمكافحة الفساد كالحق في حرية التعبير وما يندرج في إطاره من حرية تلقي ونشر المعلومات.

المصادر المتخصصة

ويقصد بها توظيف الأدوات الرقمية في إنشاء وسائل إعلامية تهدف لخلق إعلام متخصص في الفساد وأبعاده المختلفة كإنشاء مدونة خاصة بالرشوة تهدف لجمع وأرشفة أخبار وقضايا الرشوة في الإعلام المحلي أو إنشاء مدونة خاصة بجهود مكافحة الفساد كأنشطة، وفعاليات...الخ.

مصادر المعارف

وهو دور يتضمن جمع وتبويب المصادر، والموارد، والخبرات، والأبحاث، والدراسات المتعلقة بالفساد أو بجانب معين من جوانبه، مثل عمل موسوعة خاصة بمكافحة الفساد تتضمن الأبحاث الخاصة بالقوانين والوثائق الدولية، والتجارب الدولية، ومشاريع المجتمع المدني ذات العلاقة بالإضافة إلى المعلومات الإعلامية المشابهة، ويجب إدراك الفرق بين مصادر المعلومات ومصادر المعارف، فالمعارف تشمل المعلومات، والخبرات، والحكمة المستخلصة من المعلومات، وهناك نوعان لإنشاء مثل هذه المصادر الرقمية للمعارف، وهما:

مصادر المعرفة المفتوحة

تستخدم أدوات العمل التعاوني الرقمية (مثل الويكيز) لإنشاء مصدر معرفي في الفساد، ومفتوح للمساهمة والاشتراك للجميع، وغالباً يتطلب تسجيل عضوية للمشاركة.

مصادر المعرفة المغلقة

قد تستخدم أدوات العمل التعاوني الرقمية أو الأدوات الإعلامية، لإنشاء مصدر معرفي في مجال الفساد عبر جهود مغلقة على فرد أو مجموعة أفراد، وتكمن أهمية مصادر المعارف في توفير موارد تعزز من تمكين الأفراد وبناء قدرات منظمات المجتمع المدني المحلي في مكافحة الفساد.

المعالجة الإعلامية للمعلومات

يغلب على المعلومات الخاصة بالفساد الأرقام والإحصائيات، وصيغة التقارير والدراسات، وهي تمثل مدخلات مهمة للأكاديميين ولوسائل الإعلام، غير أن المواطن العادي يحتاج لتجسيد هذه الأرقام والإحصائيات بشكل قابل للفهم، وقادر على التأثير فيه ليشارك في النهاية بالإيمان بالرسالة التي تقدمها.

إن هذا يعطي الدليل على أهمية الدور الرقمي في معالجة معلومات الفساد بالاستفادة من الأدوات الرقمية بما يساهم في إعادة صياغة الاستجابة المجتمعية المناهضة الفساد، والمعالجة الإعلامية للمعلومات هي الجانب المتعلق بتسويق المعلومة، بحيث تشمل الدور الإعلامي كالأخبار، والدور التوعوي، والتأثير، ومعالجة المعلومات هي الصيغة المتعلقة بطريقة توصيلنا للأفكار أو توضيحنا للمعلومات عبر توظيف الثراء الرقمي " الصورة، اللون، الكلمة، الرمز".

إن المعالجة الإعلامية للمعلومات لا تعني صياغة المعلومات بشكل جذاب وجميل، ولكنها تعني البنية والصيغة القادرة على الإيضاح والتأثير، ويتضمن هذا الدور ما يلي:

  1. الإنتاج الثقافي للمعلومات: يندرج في إطار الإنتاج الثقافي، واستخدام الفنون لإيصال المعلومات المتعلقة بالفساد مثل " الكاركتير، الشعر، الغناء، الأفلام المتحركة...الخ"، وتتخذ شكل " صور، فيديو، نصوص، الخ"، والذي يختزل المعلومات، ويقدم الفكرة، وهو يعتمد على الجانب العاطفي للمتلقي.
  2. التجسيد الرقمي للمعلومات: يشمل استخدام التقنيات الرقمية في تجسيد معلومات الفساد مثل " الخرائط الرقمية، صور الأقمار الصناعية "، وهو يقدم معلومات الفساد كما هي، ولكن بصورة أكثر وضوحاً وإقناعاً وتأثيراً.

مصادر المعلومات (المصادر البديلة) -دراسة حالة: مدونة الوعي المصري

اختار المركز الدولي للصحفيين (ICFJ) المدون المصري وائل عباس لمنحه جائزة نايت للصحافة الدولية لعام 2007 ليكون أول مدون يمنح هذه الجائزة عبر التاريخ، ومَثل نشر وائل عباس لفيديو تعذيب مواطن مصري في أحد أقسام الشرطة بداية لفتح ملف التعذيب في السجون المصرية، والذي يعكس فساد جهاز الشرطة، وسوء استغلال النفوذ، وحصلت مدونة الوعي المصري على جائزة موقع ضد الفساد من "مصريون ضد الفساد" لمجمل كتاباته التي ساهمت في رفع سقف الحريات، والكشف عن الكثير من القضايا.

 مصادر المعلومات (المصادر المتخصصة) – دراسة حالة: مدونة الفساد

 تتخذ مدونة الفساد من جمع ونشر ما يتناوله الإعلام السائد في مختلف دول الوطن العربي مع التركيز على المملكة المغربية" وطن المدون" محوراً للعمل، وصحيح أن هناك غياب لتناول الفساد كمفهوم مستقل، غير أنها تعد مثالاً جيداً لمصدر المعلومات المتخصص.

مصادر المعارف – دراسة حالة: مدونة الجيل الثاني من الإنترنت من أجل المساءلة

أطلق ثلاثة من الناشطين في مكافحة الفساد مدونة إلكترونية متخصصة في استخدامات أدوات الإعلام الرقمي في تعزيز المساءلة ومكافحة الفساد، وتضم مقالات الناشطين أنفسهم حول ذات الموضوع، وتستعرض التجارب الدولية الخاصة بمناهضة الفساد، والتي اطلعوا عليها، وكذا آفاق الاستخدامات المستقبلية، ومعلومات عن ورش العمل والمؤتمرات الخاصة بتفعيل استخدام أدوات الإعلام الرقمي في مكافحة الفساد, وأثناء تطويرنا لهذه الدراسة وجدنا صعوبة في البحث عن معلومات تتعلق بمكافحة الفساد رقمياً، نظراً لحداثة التناول في مختلف أنحاء العالم، لذلك، ولكون التناول يتم غالباً بشكل عرضي وتحت عناوين مختلفة عثرنا على هذه المدونة المفيدة بشكل كبير والتي أعطت تصوراً عاماً لإدراك طبيعة ما تم التوصل إليه، ولكي ندرك هل ما نقدمه مجرد ترجمة أم رؤية جديدة تضيف لما سبق، بالإضافة إلى أن مطلقي المدونة هم من الناشطين الدوليين المعروفين، ونظموا ورشة عمل في إطار المؤتمر الدولي لمكافحة الفساد في اليونان 2008، حول القضية ذاتها، وهو ما يجعل من هذا المصدر بالإضافة لتخصصه، مصدراً موثوقاً ودقيقاً علمياً.

في ممالك العالم الثالث مازال الكثيرون يستمدون سلطتهم من مفهوم "التفويض الإلهي" ليظلوا خارج نطاق المساءلة والمحاسبة، ويذكر التاريخ أن الوليد بن عبد الملك كان يتساءل "هل على الخليفة من حساب ؟!"بمنطق المستغرب كيف لخليفة الله أن يُحاسب، حتى أن أخاه يزيد بن عبد الملك جاءه بأربعين فقهياً شهدوا له " أن ليس على الخليفة من عقاب أو حساب" ليهدأ بال الخليفة! ويبدو أن المواطن البحريني محمود اليوسفي لا يؤمن بشهادة الأربعين فقيهاً ليقرر طرح سؤال لا تجرؤ وسائل الإعلام السائدة على طرحه، ويتجاهل الجميع إجابته، غير أن طريقته في إيصال هذا السؤال كانت أكثر إقناعاً بضرورة تبني سؤاله" وهذه الصورة تم توزيعها عبر البريد الإلكتروني عبر مدونة محمود الإلكترونية، وهي عبارة عن صورة ملتقطة عبر الأقمار الصناعية للمنامة "التي يوفرها برنامج جوجل إرث"، ويشرح محمود المربع المشار له على هامش الصورة " هذه ملكية خاصة تعود لأفراد الأسرة الحاكمة "، ويتبعها بتعليق على عبارته السابقة " ليكن. لكن، ألا يلاحظ أنها توازي ضعف مساحة قرية سداد"، ومن ثم يختتم سرده البسيط والواضح واللافت للانتباه بالقول" هل هذه الملكية الخاصة تم شراؤها؟ ولمن تم الدفع؟".

 المحور الثالث: استخدام الفاعلية الرقمية في حماية ضحايا الفساد

الدول الفاسدة، جميع مواطنوها ضحايا فساد، فالمال العام الذي يذهب لجيوب الفاسدين بدلاً عن مشاريع التنمية ينعكس بشكل مباشر في زيادة الفقر، وسوء التعليم، وتدني مستوى الخدمات الطبية...الخ، وتذكر فقط كم مرة بحثت عن "واسطة"، وكم مرة اضطررت لدفع " الرشوة"، وكم مرة تذمرت من سوء التعليم، وكارثية وضع المستشفيات العامة، والقائمة طويلة، والضحايا نحن, وتعد آليات واستراتيجيات مكافحة الفساد بالضرورة آليات واستراتيجيات حماية ضحايا الفساد، غير أن تناولنا لحماية ضحايا الفساد يأتي في سياق " تنظيم استجابات فورية وموحدة لمساندة فرد محدد أو مجموعة أفراد، يُمارس عليه أو عليهم شكلاً ما من أشكال الفساد"، وفي سياق تطوير آليات اجتماعية لمناصرة ضحايا الفساد عبر إسماع أصواتهم، والإعلاء من قيمة آرائهم، وقد اتخذت الأدوار الرقمية في حماية ضحايا الفساد أحد شكلين، هما:

التضامن

هو نشاط ينفذ بهدف إظهار المساندة والدعم لضحية أو مجموعة ضحايا يتعرض أو يتعرضون لممارسات فساد، وأهمية التضامن معهم تكمن في كونها حملة مضادة تعزز من محاربة ذهنية الفساد، وتعيد صياغة المفهوم الاجتماعي لقيم النزاهة بما يعزز من إعلائها.

الضغط

نشاط ينفذ بهدف التأثير على صنّاع القرار لإحداث تغيير ما في سياسات عامة تتسم بالفساد، وينطوي هذا النشاط على الدعوة لاستجابات منظمة وتفاعل إيجابي من الجمهور، وتختلف طبيعة هذه الاستجابة والتفاعل وفقاً لأهداف حملة الضغط وآليات عملها، وتتخذ هذه الاستجابات شكل:

المشاركة

عبارة عن إسهام محدد، يأتي في سياق التعبير عن التضامن كالتوقيع على عريضة، والمشاركة في فعالية معينة.

الالتزام

عبارة عن تبني متواصل للقضية، عبر سلسلة متصلة من المشاركات، والقيام بدور تفاعلي دائم، خلال تنفيذ الحملة فالخط الفاصل بين التضامن والضغط هو أن التضامن يمكن أن ينتهي إلى ضغط - وهو كذلك غالباً - كما أن عملية التضامن تركز أنشطتها على إظهار المساندة الواسعة كطريق غير مباشر للتأثير على صنّاع القرار بينما لا يتوقف الضغط عند حدود إظهار التضامن، ويتجه مباشرة نحو التأثير المباشر على صنّاع القرار.

التضامن -دراسة حالة: جايا شري

جايا شيري، سيدة هندية قامت بمساعدة من ابنها الذي يدرس علوم الكمبيوتر بإنشاء موقع إلكتروني للدعوة للتضامن مع زوجها ضد الفساد، وبدأت قصة جايا شري في مكافحة الفساد عندما تعرض زوجها للتهديد بالتصفية عقب كشفه لفساد بعض الموظفين العاملين معه في أحد الهيئات الحكومية الهندية، واضطر للتنقل سبع مرات خلال تسعة أشهر خوفاً على حياته وحياة أسرته, وبسبب من أن التنقل والهرب كدعم وحيد تقدمه الحكومة لم يكن كافياً لكي تطمئن جايا شري على أسرتها، ولأن الفساد هو إله الصمت، وديانة التواطؤ، وأحد تعاليمه المقدسة" لا أرى، لا أسمع، لا أتكلم " قررت جايا شري عدم تقديم زوجها قرباناً للفساد، وألا ترى زوجها يدفع حياته ثمناً لكشفه الفساد، وأن تنضم إليه في محاربته، وأنشأت موقعها على "ويكي دوت" الذي يقدم مساحات مجانية تأخذ شكل وآلية عمل "الموسوعات التعاونية" لتتحدث عن قضيتها للعالم، وتبث رسائل التحريض ضد الفساد، وتستعرض قصص من تم تصفيتهم عقب كشف الفساد. وتقول جايا شيري " لقد قررت مواجهة الفساد، وحشد مساندة من يتشاركون معي ذات الرؤية"، وزار مدونتها الكثيرون من مختلف أنحاء العالم، ولفتت انتباه صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية، وتصدرت قضيتها صفحات المجلة، ولفتت أنظار العالم أكثر، وتعولمت قضيتها أكثر، وحظت بمساندة المنظمات الدولية" منظمة الشفافية الدولية"، والصدفة التي قادت جايا شري للتحرك ضد الفساد بدافع الخوف على أسرتها علمتها أن هناك الكثير يمكن للفرد أن يقوم به في المجتمع الخائلي للدفاع عن الحياة على الأرض، وعلمتها أننا لسنا محتاجين لنكون ضحايا مباشرين لكي نقتنع بالتحرك ضد الفساد، وتقود جايا شري – حالياً- حركة نشطة لتعزيز لحق الحصول على المعلومات في الهند.

 الضغط-دراسة حالة: طلاب التعليم العالي في أذربيجان

في قطاع التعليم العالي في أذربيجان يخضع القبول الجامعي لمعايير الواسطة، والدرجات الجامعية لها سوقها السوداء، وكل شيء ممكن ما دمت تملك الثمن، وإيجاد مسارات خارج مدارات الهيمنة والتسلط، وهذا ما وضعه مجموعة من الطلاب الأذربيجانيين كخيار للمواجهة، وأطلقوا موقعاً إلكترونياً "قل لا للفساد" ليصبح معقل المقاومة الإلكترونية للفساد الجامعي، ولكي تصل أصواتهم للمسؤولين صمموا عريضة إلكترونية. وخلال أسابيع كانت آلاف التوقيعات والأصوات المتحمسة للتغيير قد شاركت بحماس في العريضة، وهذا الزخم غير المتوقع دفع بالفساد الجامعي ليتصدر اهتمام الرأي العام، وأثار جدلاً مجتمعياً واسعاً، وأفرز معالجات شعبية مقترحة للحل ليصبح فساد التعليم العالي قضية خارج نطاق تجاهل الحكومة، وكاستجابة فورية من الحكومة خصصت خطاً ساخناً في وزارة التعليم العالي لتلقي شكاوى الطلاب، ووعدت بالتعاون مع منظمي الحملة الإلكترونية، وكان للصور التي بثها الموقع دور بارز في صناعة ذهنية عامة مناهضة للفساد، وخلقت حالة تعاطف عام مع الحملة, وعنوان الموقع الإلكتروني لحملة الطلاب الإلكترونية.

آليات مقترحة للفاعلية الرقمية في مكافحة الفساد

في اتجاه تعزيز دور الفاعلية الرقمية في مكافحة الفساد، يجب النظر للفاعلية الرقمية كعملية تعمل على تعزيز منظومة النزاهة الوطنية. وتعتمد هذه الأعمدة على قاعدة الوعي العام، والوعي الفاعل واللازم للدفع في اتجاه الدولة النزيهة، وهو ما يُظهر أن مؤسسة الدولة عبر المبادرات الفوقية في ظل غياب وعي عام قوي وفاعل سيجعل من هذه المؤسسات عرضه للفساد نظراً لضعف ضمانات حمايتها ، فضلاً عن أن غياب مثل هذه المبادرات الفوقية يستلزم وعياً عاماً أكثر قوة وفاعلية للضغط في اتجاه إيجاد هذه المؤسسات، وللحفاظ على دورها عند إيجادها، لذا يظل بناء وعي عام قوي وفاعل هو التحدي الحقيقي في مجتمعاتنا التي تتسم بالكثير من التعقيدات البيروقراطية، وإن دور الفاعلية الرقمية كعملية توفر مسارات جديدة وموازية لخلق مثل هذا الوعي وبالتالي تعزيز منظومة النزاهة الوطنية.

العولمة

تتيح الفاعلية الرقمية فرصة إبراز القضايا المحلية أمام الملايين من مختلف أنحاء العالم، وهو ما يترتب عليه كبح جماح الفاسدين تحت وطأة اتساع دائرة النقد المحلي والدولي.

الديموقراطية المباشرة

تبشر شبكة الإنترنت بديموقراطية متنامية، وبإعادة صياغة للعملية السياسية القائمة برمتها، وهو ما يؤكده الاتجاه المتنامي لاستخدام الدول لأدوات الفاعلية الرقمية كأدوات اتصالية بالمواطنين، وكمسار جديد لتدفق المعلومات بعيداً عن المسارات التقليدية لمناقشة القضايا وتقديم الحلول، فمثلاً الهيئة السويدية للضرائب، نفذت ندوة في موقع سكند لايف لمواطنيها، والحكومة الفرنسية استخدمت الويكيز والفيديو والمنتديات كقنوات تشجع المواطنين على المشاركة المباشرة في صنّاعة القرار. وفي بداية 2009 كانت هناك 500 جهة حكومية أمريكية مشتركة في موقع تويتر، وهو ما يعكس أن ممارسة الأفراد لأدوار مباشرة لم يعد ضرباً من الخيال، وهو ما سيعزز من فاعلية الرقابة الشعبية والتقييم لأداء الحكومات، وليس الحكومات فقط ولكن - أيضاً - القطاع الخاص، وبالتالي تكريس ثقافة الشفافية والمساءلة كقيم مجتمعية أكثر من كونها قيماً إدارية تحكم النظام الإداري لحكوماتهم.

المجتمع المدني الموازي

لم يعد الانخراط المدني يتطلب وجوداً مؤسسياً، ولم تعد فاعلية العمل المدني تتوقف على مدى توافر الإمكانيات اللازمة فالمجتمع الخائلي طور مفهوماً جديداً للفاعلية وأوجد قنوات موازية لصناعة كوادر محلية ناشطة، وهو ما يعمل على تعزيز قدرات المجتمع المدني، واتساع دائرة الحراك المدني في المجتمعات المحلية.

الإعلام البديل

أتاح الإنترنت للمواطنين قنوات إعلامية بحرية لا تخضع لنظرية الأسقف المنخفضة، وبعيدة عن هيمنة الدولة، وتتيح فرصاً متساوية للتعبير عن مختلف التكوينات المجتمعية.

الرقابة الرقمية

لم تعد الرقابة في العصر الرقمي مهمة مناطة بجهات رقابية تمثيلية، وامتدت لكل فرد في المجتمع، وهذا ما تعكسه أنشطة المراقبة التي ينفذها الناشطون الرقميون، لترصد وتُساءل بشكل مباشر.وفي إطار هذه المنظومة الرقمية، سنحاول صياغة آليات للعمل الرقمي في مكافحة الفساد، بحيث تشكل إطاراً عاماً أولياً للعمل الرقمي في محاربة الفساد، كالتالي:

قياس الفساد

المشكلة القائمة في الكثير من مؤشرات الفساد، أنها لا تُقدّم تصوراً واضحاً لما يمكن القيام به، فمثلاً كون ترتيب اليمن في مؤشر مدركات الفساد لمنظمة الشفافية الدولية هو 141 عام 2008، هذا الرقم لا يُقدّم للقارئ سوى معنىً واحداً " ترتيب سيء" غير أن مدى سوئه المنعكس على حياة الفرد والمجتمع بشكل مباشر لا يمكن استشفافه من ذلك، ولا ماهية التدخلات المطلوبة لتحسين هذا الترتيب؟، ولا ماهي الآثار المترتبة في حال تدهور هذا الترتيب أكثر؟، وهو ما يعكس الحاجة لقياس الفساد كعملية تُجيب على التساؤلات التالية:

  1. من أين وكيف يأتي الفساد؟
  2. ماهي طبيعة التدخلات اللازمة لمكافحته؟

ويجب التنبيه إلى أن مصطلح "قياس الفساد" هو مصطلح مجازي، فالفساد لا يمكن قياسه عملياً، فضلاً على أن هناك منهجيات صارمة تُستخدَم في هذا المجال، وتعكس مؤشرات الفساد" المؤشر هو إجراء يُستخدم ليعكس مستوى مظهر من مظاهر الفساد، في مجتمع ما". وإننا نقصد بقياس الفساد عملية استخراج مؤشرات، وتقييمات مجتمعية تعكس الإدراك المجتمعي للفساد عبر تنظيم وتوجيه التغذية الراجعة للمواطنين على حكوماتهم أو/ وتنظيم وتوجيه التغذية الراجعة من المؤسسات المختصة "وسائل إعلام، منظمات مجتمع مدني، جهات حكومية" على ذات الجهات، وتكمن أهمية قياس الفساد عبر الفاعلية الرقمية في جوانب متعددة، أهمها:

  1. قياس الفساد تعتمد وسائله واقعياً على جمع المعلومات في إطار بحثي مغلق، بينما القياس الرقمي للفساد عملية مفتوحة، تعمل بالإضافة إلى جمع المعلومات على فتح النقاش المجتمعي حول الفساد واقتراح الحلول، والمشاركة في التحركات ذات العلاقة، وخلق رأي عام مساند.
  2. القياس الرقمي للفساد يعمل على تكريس قيم الحكم الرشيد، باعتبارها قيماً مجتمعية أكثر من كونها قيماً للحكم المحلي عبر رفع ثقة المجتمع بذاته كأداة للتغيير، وخلق نوع من المساواة الرقمية في التعبير والعمل الخائلي المجتمعي، وفتح قنوات لتدفق رؤى مجتمعية حول التخطيط، والرؤى الحكومية اللازمة، وضرورتها، وفتح قنوات للمساءلة المباشرة عبر القنوات الرقمية، والدفع في اتجاه المساءلة العمودية، وتعزيز الالتزام المجتمعي بالنزاهة، ورفع سقف الحريات، وترسيخ القيم الديموقراطية في المجتمع، وتعزيز الإيمان بسيادة القانون كأهم محددات المجتمع المدني.
  3. القياس الرقمي للفساد يعمل على إيجاد مؤشرات محلية للفساد تتلاءم مع الخصوصية المحلية، وتمثل مواداً مهمة لتناول وسائل الإعلام السائدة مؤشرات فساد مفهومة للمواطن العادي بوسائل واضحة، وبنتائج تعكس طبيعة التدخلات المطلوبة، وهو ما سيعمل على خلق رأي عام مساند، ومتحفز لتبني دوراً ما في مكافحة الفساد.

 ولكي يُنفذ الناشطون تدخلات تُجيب على التساؤلات السابقة، وتساهم في قياس الفساد في المجتمع المحلي، يجب أن يُأخذ في الاعتبار ما يلي:

  1. اعتماد المنهجيات والأدوات الخاصة بقياس الفساد مع التحوير اللازم ليلائم طبيعة العمل الرقمي، وبما يحافظ على جودة المخرجات في الوقت ذاته.
  2. الحرص على الخروج بمؤشرات محلية للفساد تعكس الفساد اليومي، الذي يعيشه المواطنون، وطبيعة التدخلات اللازمة، من وجهة نظر المواطنين أنفسهم.
  3. المعرفة الواسعة بآليات عمل مؤسسات الدولة، وما يتعلق بها.

ومن هذا المنطلق، يمكن التركيز على وسيلتين، يمكن استخدامهما في القياس الرقمي للفساد من خلال وسيلتين وهما:

التغذية الراجعة للمواطنين 

تناولنا – سابقاً - ميكانيزمات التغذية الراجعة للمواطنين التي منحتها أدوات الفاعلية الرقمية، والقدرة على العمل كقنوات بديلة لتدفق المعلومات، واستثمار معلومات التغذية الراجعة في قياس الفساد يجب أن تأتي في إطار مشروع خاص كجمع التغذية الراجعة للمواطنين من القنوات الشخصية الإلكترونية كالمدونات والمواقع وفرزها وفق أهداف محددة، ووضعها في سياق تحليلي، يدخل ضمن وسيلة الرصد الإعلامي كوسيلة لقياس الفساد. وإن هذا المشروع يتخذ شكل مشروع المراقبة الذي تناولناه مسبقاً، ويعتمد في قياس الفساد بناءً على المخرجاتoutput-indicator، والتجربة experience-indicator، بمعنى مراقبة جودة الخدمات العامة من منظور التأثير اليومي على المواطن في الشارع للخروج بمؤشر عام للإدراك المجتمعي للفساد وصورة واضحة عن مَواطن الخلل، وأسبابه، ونوع التدخلات اللازمة للحل، وهو ما يعني أن وسيلة التغذية الراجعة للمواطنين في قياس الفساد لا تتلاءم غالباً مع الأهداف الكبيرة كقياس الفساد في الخدمات الصحية على مستوى الدولة نظراً لأن التغذية الراجعة للمواطنين لا تعكس بالضرورة مستوى الفساد في قطاع الصحة ولكنها تعكس مستوى إدراك المشاركين فقط للفساد في الخدمات الصحية. وإن إشكالية مهمة يجب الانتباه لها من قبل الناشطين الرقميين عند تبني مشاريع المراقبة في إطار عملية قياس الفساد لذا يجب استخدام وسيلة التغذية الراجعة للمواطنين في قياس الفساد وفقاً للتالي:

أهداف صغيرة

يفضل استخدام وسيلة التغذية الراجعة للمواطنين في قياس الفساد في نطاق جغرافي صغير كمدينة أو دائرة انتخابية، ومتركزة حول قضية محددة كالخدمات الصحية في ذات النطاق الجغرافي لأسباب، أهمها:

  1. يصبح في مقدور متطوعي المشروع تقديم صورة واقعية عن الفساد، وتمثل أساساً للتحرك في إطار المجتمع المحلي.
  2. وجود مجموعة محلية تتصدى للفساد سيعزز من الولاء المجتمعي للأفراد، وسيعمل على خلق نخبه محلية تدافع عن مصالحها، وإعادة صياغة علاقة الفرد بمجتمعه، وتكريس الثقافة المدنية.
  3. إمكانية التأثير على صنّاع القرار في المجتمع المحلي، لتطبيق التوصيات التي تم التوصل لها.

أهداف كبيرة

استخدام التغذية الراجعة للمواطنين للأهداف الكبيرة كقياس الفساد على مستوى الوطن يستلزم وجود تشبيك قوي، ومتطوعين أكثر لضمان مخرجات تمثل بالفعل مستوى الفساد كما يدركه مواطنون يمثلون النطاق الجغرافي المستهدف، ويفضل الاعتماد على أهداف صغيرة، ثم تنشأ شبكات للتبادل الإعلامي بين هذه المجموعات على نطاقات أوسع، ويمكن استخدام التغذية الراجعة للأهداف الكبيرة بفاعلية في حالات محددة، أهمها:

  1. العمليات الحكومية البارزة: مثل الانتخابات باعتبارها حدثاً يثير حراكاً شعبياً كبيراً، ومحدداً زمنياً، بما يضمن عدم تراخي حماس المتطوعين.
  2. القطاعات الحركية: مثل التعليم العالي، لأن الفاعلين في هذا القطاع من الشباب والمتحمسين للتغيير، وسيقومون بتفعيل المراقبة بحماس.
  3. كآلية مساندة لمشاريع: استخدام التغذية الراجعة لإثراء مشروع قائم على الواقع.

أياً كانت طبيعة الأهداف، المراد قياس مستوى الفساد في إطارها، من الضروري أن تتخذ عملية قياس الفساد شكل سلسلة من أنشطة المراقبة، بحيث تعكس بين كل فترة زمنية وأخرى صورة ما للفساد، وتعمل على تقديمها عبر وسائل الإعلام السائد، وهو ما يمنح عملية قياس الفساد تقييماً أولياً من قبل المجتمع يعكسه الاهتمام الإعلامي، والتعقيبات من الجهات المعنية أو الشخصيات العامة، وهو ما يساعد القائمين على عملية القياس الرقمي على تجويد أدائهم، وهي ميزة تتيحها البيئة الرقمية للعمل.

الرصد الإعلامي

أحد الوسائل المهمة للمراقبة وقياس الفساد هي رصد التناول الإعلامي، فوسائل الإعلام تنشر أخباراً وتحقيقات لأغراض إعلامية وليست تنموية لذا فجمع هذه المواد الإعلامية في سياق معين وتحليلها سيقدم صورة متكاملة للفساد، وهي وسيلة جيدة للأهداف الكبيرة، ويجب إدراك الفرق بين الرصد الإعلامي للفساد، ولإنشاء مصدر إعلامي متخصص، وبين الرصد الإعلامي للفساد لاستخراج مؤشر فساد وقياسه, ويعد الأول جمع مواد إعلامية ذات علاقة وإعادة نشرها في زاوية مخصصة، بينما الثاني جمع مواد إعلامية ذات علاقة ونشرها في زاوية مخصصة، ومن ثم وضعها في إطار تحليلي، وتستفيد من آراء المتخصصين والمواطنين، لتشكل المحصلة النهائية صورة تعكس مستوى الفساد، وأسبابه، وطبيعة التدخل المطلوب، ويمكن استخدامها لرصد التالي:

  1. التعهدات والبرامج الحكومية (مثلاً الحد من البطالة، الخطة التنموية للدولة).
  2. جهود مكافحة الفساد.
  3. أداء مؤسسات القطاع العام (قطاع الصحة، التعليم...الخ).

ويمثل الإعلام المصدر الرئيس لجانب التقارير الدولية والمحلية ذات العلاقة، كما أن وجودها على شبكة الإنترنت سيخضعها لإعادة إنتاج من قبل المواطنين المعنيين، ومخرجاتها تمثل تقريراً للجهات المعنية، والمنظمات ذات العلاقة، ووسائل الإعلام، وهي عملية خطية "جمع مفتوح، تقييم، إنتاج تقرير، تحرك ومساءلة"، وبالتالي تعمل كمصدر للمعلومات، ومشروع مراقبة في الوقت ذاته.

إدراك الفساد

العمل على تنمية الاتجاه المجتمعي المحارب للفساد، والمعزز للنزاهة، هي الوسيلة الأكثر فعالية في مكافحة الفساد، وحضور موضوع الفساد في شبكة الإنترنت بشكل قوي وبصيغ تفاعلية مختلفة، سيعزز من الاتجاه المجتمعي، ولذا يجب استثمار شبكة الإنترنت كوسط اتصالي لتعزيز الإدراك المجتمعي للفساد، وبث رسائل التغيير, ويمكن فهم تأثير الأدوات الرقمية في تنمية مثل هذا الاتجاه من خلال نظرية التدفق المعلوماتي ثنائي المرحلة، للعالمين Katz and Lazardsfeld والتي تم استخدامها لتفسير التأثير الكبير لشبكة الإنترنت في البلدان التي لا يستخدم فيها الإنترنت سوى عدد محدد مثل أوكرانيا، والتي كان للإنترنت دور كبير في الثورة البرتقالية، رغم أن 2% إلى 4% من إجمالي السكان البالغ عددهم 45 مليون نسمة ممن يستخدمون الإنترنت بحسب تقديرات 2004 حيث تفترض أن للمعلومات مسارين وهما:

  1. مباشر بين الإعلام وأفراد المجتمع.
  2. بين صنّاع الرأي المرتبطين بمجموعات من المواطنين.

إن الإدراك المجتمعي للفساد هو خلق نوع من التحفيز المجتمعي لمواجهة الفساد، وخلق حضور جدلي دائم حول ممارسات الفساد المختلفة بما يدفع لوضع مكافحة الفساد كأولوية تحكم اهتمامات الرأي العام وخياراته السياسية، وتوسيع دائرة الإدماج المجتمعي في مكافحة الفساد، ويمكن أن يعتمد نشطاء الفاعلية الرقمية في ذلك على:

  1. المؤشرات الدولية الخاصة بالفساد: التي تطلقها منظمة الشفافية الدولية، والبنك الدولي، ومنظمة النزاهة العالمية، وغيرها من المؤشرات عبر إعادة إنتاجها بصيغ شعبية، قادرة على إعطاء المواطن العادي صورة واضحة ومحفزة للتحرك.
  2. مخرجات المؤسسات الرقابية الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني المحلية: وتتعرض – غالباً- هذه المخرجات لحالة من التغييب أو التناول الإعلامي الخاطف في أحسن الأحوال مما يجعلها مع مرور الوقت تفقد قيمتها، ولا تحدث استجابات حكومية للمعالجة، وهو ما يتطلب دوراً رقمياً لإبراز هذه المخرجات، والترويج لها، وتعميق الوعي العام بانعكاساتها، وإثارة زخم رقمي في اتجاه المساءلة الشعبية.
  3. المعلومات ذات العلاقة: والتي يمكن استقاءها من وسائل الإعلام السائدة، والواقع اليومي، وأي مصادر أخرى، ويجب أن يكون هناك تحفز دائم لالتقاط أي معلومة، ونشرها أو إخضاعها للمعالجة الإعلامية للمعلومات لتأخذ مساحة بارزة في الذهنية العامة، ولكي تتسع الحركة الشعبية في رصد وتوثيق قضايا الفساد.

ولتعميق وتنمية الاتجاه المجتمعي المحارب للفساد، يجب أن تُقدّم المعلومات السابق ذكرها، وفق مسارات نظرية التدفق المعلوماتي ثنائي المرحلة، كالتالي:

المسار الأول: المسار الجماهيري

نقصد به خلق بيئة معلوماتية حول الفساد تحيط بالمواطنين المستخدمين للإنترنت، أينما ذهبوا، وبطرق مبتكرة ومتجددة تنجح في لفت الانتباه، وحشد المناصرين، وذلك عبر الوصول للخدمات الرقمية المختلفة التي تحظى بشعبية لدى مستخدمي الإنترنت، وتوظيفها في بث هذه المعلومات، وكأمثلة على ذلك، نورد التالي:

  1. خدمات الماش آب mashup: تطبيق برمجي يمكن من خلاله عرض معلومات من مصادر مختلفة مثل جوجل إرث، ويمكن إضافة صور وفيديو ونصوص في مواقع معينة تساعد في عرض قضايا الفساد وفقاً للمواقع الجغرافية مثل "جوجل ماب" الذي يساعد في عمل خرائط تفاعلية ترتبط فيه المواقع الجغرافية بمعلومات من مدونات، فيديو، وصور.
  2. شبكات تشارك المحتوى: شبكات تشارك الفيديو مثل يوتيوب، أو تشارك الصور مثل فليكر.
  3. الألعاب الرقمية: تصميم ألعاب تعتمد على أفكار ومفاهيم ومعلومات مكافحة الفساد.
  4. الشبكات الاجتماعية: فيس بوك، تكينج ايت جلوبال، ماي سبيس، وغيرها، للعمل على خلق فاعلين مجتمعيين في مجال مكافحة الفساد عبر إنشاء مجموعات عمل رقمية للتبادل الإعلامي، والتوسع في إطلاق المبادرات الرقمية المعنية بمكافحة الفساد، لتستقطب الشباب العربي وتحفزهم للعمل على مواجهة الفساد.

المسار الثاني: مسار صنّاع الرأي

نقصد به تنفيذ أنشطة رقمية تمثل مدخلات جيدة لوسائل الإعلام السائد بشكل خاص، لتناولها ومناقشتها وعرضها للرأي العام، واستهداف النخب الفكرية والثقافية عبر التواصل والتنسيق معهم، وإشراكهم في الأنشطة الجاري تنفيذها، بما يساهم في إثراء التفاعل المجتمعي العام حول قضايا الفساد، هذا من جانب، وتبادل المعلومات والتنسيق مع الناشطين الرقميين لتنفيذ تحركات موازية على الأرض كالتنسيق مع مجموعات النشطاء المحليين من جانب أخر.

التحريك الرقمي ضد الفساد

إن وجود تحركات مكثفة ونشطة ومستمرة هي الضمانة الوحيدة للتأثير في السياسات العامة في اتجاه كبح ممارسات الفساد، وتفعيل جهود مكافحته عبر سياسات حقيقية وفاعلة، ويمكن للناشطين الرقميين لعب أدوار مهمة تسهم في دعم استمرارية وتكثيف مثل هذه التحركات عبر كل ما سبق تناوله من تكتيكات وآليات للعمل الرقمي في مكافحة الفساد، والتي تمثل أنشطة مناصرة تتيح لها طبيعة شبكة الإنترنت استمرار فاعليتها وديمومتها بالعكس من التحركات التي تنفذ على الواقع وترتبط بإطار زمني محدد. وإن الإنترنت بيئة احتجاج، وبيئة عصيان مدني، وبيئة ثورية بكل المقاييس؛ لذا يجب استثمار هذه الخصائص لتحريك المجموعات المناصرة محلياً ودولياً في تنفيذ تحركات قادرة على التأثير في السياسات العامة للحكومة، ويمكن استخدام وسائل مختلفة للتحريك الرقمي ضد الفساد، مثل استخدام الرسائل الإلكترونية، التوقيعات الإلكترونية، وتنظيم تجمعات مناصِرة في دول مختلفة، والأهداف التي يمكن استهدافها بالتحريك الرقمي ضد الفساد، لممارسة تأثيرٍ ما، ما يلي:

الشركات الأجنبية

لمواجهة الفساد في القطاع الخاص وللمزيد من الشفافية الحكومية الخاصة بالصفقات التجارية، وللتمسك بالحق بالحصول على المعلومات، والمساءلة، وهي أهداف مهمة يمكن عبر الفاعلية الرقمية التأثير عليها أكثر من أي وسيلة أخرى، حيث أن هذه الشركات –غالباً- هي شركات لها مصالح في الكثير من البلدان، وبالتالي يستطيع نشطاء مكافحة الفساد تفعيل الضغط الشعبي ليس في البلد المعني فقط، بل حتى في البلدان الأخرى، كما أن استخدام حملات البريد الإلكتروني، وحملات العرائض الرقمية وسائل مهمة وفاعلة، ويمكن التنسيق مع الناشطين في الدول التي تنتمي إليها هذه الشركات استخراج المعلومات الكاملة عنها، وهي دول غالباً تضمن لمواطنيها حق الحصول على المعلومة.

المانحين

لا يخفى على الكثيرين أن الجهود الحكومية في الكثير من البلدان العربية، تأتي في سياق ضغوط واشتراطات المانحين أكثر من كونها توجهاً وطنياً حقيقياً وصادقاً، واستجابة لمطالب شعبية، وهو ما يجعل أمام الناشطين فرصة حقيقية للضغط في اتجاه المزيد من هذه الجهود وضمان جديتها، عبر استخدام الأدوات الرقمية لتنظيم حملات موجهة لمسؤولي الدول المانحة، ولتنظيم تجمعات أمام الهيئات المانحة المختلفة، واستهداف المانحين عملية حساسة سياسياً، غير أنها تظل خياراً مطروحاً للمواجهة.

المنظمات الدولية ذات العلاقة

 تقدم المنظمات الدولية المعنية بمكافحة الفساد قنوات خاصة للتواصل مع المواطنين، وهو ما يمكن استغلاله في تنفيذ حملات شعبية للضغط في اتجاه تبني أدوار أكثر تأثيراً على الدولة، كما يمكن عكس الفساد في الدولة المعنية عبر نشر وقائع الفساد في المجتمع المحلي في القنوات الخاصة بذلك، والتي تُنشر محصلتها في تقارير وقد تم تناول مثال على ذلك مسبقاً في الشكل رقم (5)