Sat,Apr 26 ,2025

يحدث في الطريق - توثيق الانتهاك.. رصد الثقافة

2025-04-25


يعطى كتاب يحدث في الطريق الصادر عن حملة شوارع آمنة لمناهضة التحرش الجنسي لقطات ومشاهد قصصية لمجموعه من النساء والفتيات اللواتي عايشن تجربة أو أكثر من التحرش الجنسي وكيف تعاملت معها بحسب رؤيتهن لثقافة الشارع ورد فعل الشارع للفتاة التي تعلن أنها تعرضت للتحرش.

قدم الكتاب وبشكل مستفيض وجهه نظر الشارع التي تحمل الفتاه كامل المسئولية غالبا على تعرضها للتحرش تحت مبررات (اللباس- الوقت- المكان- شخصية المتحرش ونفوذه وقيمته الاجتماعية وأخيرا شخصيتها هي).

على ضوء هذه المحددات غالبا ما يقرر الشارع حكمة كل بحسب الحالة وفى اعتقادي أن هذا من أهم مشاكل زيادة التحرش فليس للشارع الحكم أو القدرة على الحكم بعدالة في هذا الجانب.

تعرض الكتاب أيضا لدور الاتصالات الحديثة في عملية التحرش الإلكتروني والقصد هنا على الهاتف السيار والانترنت وهو من الأساليب الحديثة التي دخلت الى اليمن ومثلما كان لها استخداماتها السلبية كانت لها أيضا استخداماتها الايجابية ومن الاستخدامات السلبية التحرش الجنسي.

وفى التالي قراءة لبعض القصص التي حاولت أن تقدم رؤية عن الثقافة المجتمعية وكيف تنظر للتحرش الجنسي من خلال معايشة قصص نساء مختلفات.

الصدمة في قصة على كرسي الشلل

تحاول الكاتبة في القصة فهم الشارع اليمنى وكيف ينظر الى الجريمة بمنطق مختلف عن كل دول الأرض قاطبة من خلال تسيد الموقف القبلي على الموقف القانوني وهذا معروف فى بيئة كاليمن يسود فيها الدين أو القبيلة على الدولة¸ والقصة تحكي عن عملية خطف ولكن لا يبدو أن القانون ظهر في القصة بأي حال من الأحوال وتسيد الموقف القبلي السلبي على القضية وقدم حلول ليست بالضرورة مرضية للفتاة بقدر ما هي مرضية لوالدها الذي لا ينظر الى ابنته كشخصية تعرضت للخطف وما مدى أثر هذه الجريمة على سلامتها الجسدية أو العقلية أو النفسية ولكنه اهتم أكثر بإرجاع سمعته بين الناس عن طريق التحكيم والاعتذار و الدماء التي سالت من عدد من الثيران وهذا كان هذا كاف له لإرجاع سمعته ( التي لم تمسها الفتاة بسوء ) وليس هناك حاجة ضرورية أن يكون هناك علاج للفتاة التي تعرضت للشلل بقدر ما كان العلاج الأكثر أهمية هو اسم العائلة  وتحاول الكاتبة أن تقدم تلك الفكرة التي تقول إن المرأة عندما تكون مجنيا عليها لا يهم أن ترجع إليها حقوقها بقدر ما المهم أن ترجع حقوق أسرتها لأنها ليست شخصا قائما بذاته بقدر ما هي سلعة وعلى من أضر بالسلعة أن يدفع قيمتها لأصحابها لأنها أصبحت معطوبة ... وعند الدفع فلم يعد هناك داع حتى ارجاع السلعة الى شكلها الأول بل تركها هناك معطوبة الى الأبد.

إن هذا الموقف مخيف من تسيد بعض القيم القبلية السلبية على حياة الناس واتجاه هذه القيم إلى إعلاء قيمة الرجل على قيمة المرأة والعمل على إرجاع كافة حقوق الرجل مع عدم الاهتمام بأي حق للمرأة.

الصدمة أيضا في قصة ابنة الخالة أم عرفات

على نفس المنوال تسرد الكاتبة قصة أخرى حاولت فيها الفتاة التي لم يذكر في القصة عمر بطلتها ولكن تمت الإشارة الى أنها في الإعدادية مما يعنى أنها في الثالثة عشرة أو الرابعة عشرة وبالتالي فهي طفلة.

بالطبع للقوانين خصوصية في التعامل مع الأطفال من جانب وفي الدفاع عن النفس من جانب آخر ولكن هل حاول المجتمع فهم هذه القوانين أو النظر إلى بطلة القصة على أنها طفلة ويجب معالجة الأمر بشكل لا يؤدي الى تضررها بأي شكل من الإشكال ...بالطبع لا.

 لقد حكم على والدة الفتاة بدفع الغرامة كاملة وأجور المستشفى وكل شيء من شأنه أن يعاقب المرأة وطفلتها على ردهن للتحرش الجنسي بشكل يضمن كرامتهن الإنسانية.

ما حاولت أن تقدمه الكاتبة هدى جعفر هو أن المجتمع لا يحفل كثيرا بالمرأة التي تتعرض للتحرش أو حتى للاغتصاب ولا تكون المرأة ضمن الصفقات التي تعقد لحل مثل هذه المشاكل بقدر ما التركيز الحقيقي يكون على إرجاع كرامة الرجل وتعويضه بالشكل المناسب وعلى كل فتاة أن تصمت في حال تعرضها لأي مضايقات لان العقاب لن يرجع إلا إليها وهي نظرة اجتماعية غريبة وظالمة.

العرض الفاضح كثقافة جديدة

تسرد الشخصية في هذه القصة التي أبدعتها أ/ هدى الاصبحي المسألة المتعلقة بالعرض الفاضح الذي يقوم به بعض الشباب ويرتبط هذا الموضوع بالجانب المتعلق بخروج المرأة الى الشارع للعمل أو الدراسة وكيف أن استغلال الرجل لهذا الموضوع بدأ يأخذ منحنيات أكثر خطورة من الغزل العفيف الى أشكال صادمة ومن ضمنها العرض الفاضح وهو ما لم يكن موجودا في الماضي.

بالطبع توجد قوانين حول هذه الأفعال ولكن في النادر ما يتم الإبلاغ عنه وهذا ما يجعل منه منتشرا في العديد من أماكن تواجد المرأة.

التخفي في قصة ذلك الحقير

مما يعزز من النظر الى التحرش كقيمة سلبية في المجتمع هو ذلك التخفي الذي يقوم به العديد من الشباب عند مرورهم بتجربة التحرش بالفتيات أو التخفي عبر الخروج الى مناطق بعيدة للقيام بهذا الفعل!

يمكن العمل على هذا الأساس لأنه كما يبدو من بعض القصص الأخرى فان التحرش بدأ يأخذ سمة إيجابية لدى الشباب ويعتبر نوع من أنواع الرجولة واستعراض الجرأة أمام الأصدقاء ولكن شخصية المتحرش في قصة ذلك الحقير تنبي بعدم إيمانه بإيجابية ما يقوم به ويحاول التخفي وهذا مجال يمكن العمل عليه في المستقبل من ناحية تقديم التحرش الجنسي كشكل من أشكال العنف ضد المرأة كعامل سلبي وغير أخلاقي في الثقافة المجتمعية.

المرأة كمؤثرة في الثقافة المجتمعية في قصة سأكون قوية

 بخلاف القصص الأخرى التي أبدعتها الأستاذة هدى الاصبحي يبدو أن القوة والتأثير هو المسيطر على القصة الثالثة وأيضا تأثير المرأة الإيجابي في المجتمع المحيط في مجال حكاية التحرش الجنسي.

المرأة كعاملة.. المرأة متعلمة تحتاج إلى الخروج اليومي من منزلها وتحتاج فيما تحتاج الى آليات حماية من التحرش الجنسي في الشارع.

في قصة سأكون قوية كان للشخصية تلك القوة بأن غيرت نظرة الشارع للمرأة وساهمت في صناعة قرارات في المجتمع المحلي لها تحد من التحرش من خلال التكاتف بين النساء لاستخراج قوانين مجتمعية حاميه لهن.

إن صناعة الالتزام والاحترام في هذه القصة وصناعة ثقافة تحترم المرأة وتحميها هو دور يجب أن تقوم به النساء لحماية مكتسباتهن في التعليم والعمل وهذا ما حاولت القصة إيراده من خلال الشخصية والأعمال التي قامت بها في القصة.

وأرى أن تقديم نموذج إيجابي للمرأة الفاعلة في مجتمعها والقادرة على تطوير ثقافة تحترم المرأة هو شيء مميز ويجب الاطلاع عليها ونشرها والترويج لها.

التكنولوجيا كمسهل للتحرش في قصة دردشة

لا تبدو هناك مبالغة إذا قلنا إن التلفون السيار أصبح لدى كل شخص بمن في ذلك النساء بمن فيهن النساء في القرية وهذا حق من الحقوق لا يمكن أن نصفه بالسلبي ولكن بعض الاستعمالات الخاصة به هي التي يمكن تسميتها بـ السلبي ومن ضمنها التحرش الجنسي.

الثقافة الواردة من الخارج في ظل المعلوماتية عبر الإنترنت أو الهاتف النقال تضر بشكل كبير من حماية المرأة من أخطار التحرش الجنسي والتهديد والإزعاج في ظل عدم وجود برامج خاصة بالترويج لخصوصية المرأة وحقوق الإنسان ككل وحق المرأة في الحماية من جميع أشكال العنف بما في ذلك العنف والتنمر والتحرش الالكتروني وهذا ما فعلته الشخصية الذكورية في قصة دردشة من استغلال التقنيات الحديثة في سهولة الوصول للمرأة.

إن ما تريد القصة أن تقدمه في المجمل هو أن استثمار الأدوات الجديدة والآليات والتكتيكات الجديدة على الانترنت أو للموبايل يجب إلا يدعم أو أن يكون مبرر لتمرير انتهاكات خاصة بحقوق الإنسان والمرأة والتحرش الجنسي ويجب في هذه الأحوال اعتماد قوانين ذات فعالية في التصدي ومعاقبة المتحرشين وخصوصا مع القدرة الهائلة لوسائل الاعلام الجديد والموبايل في توثيق أو تسجيل أي شيء.

من الثقافة العالمية إلى الثقافة التقليدية

كانت قصة دردشة تحاول البناء على ما قامت به وسائل الاتصال الحديثة من تسهيل لعمليات التحرش في ضوء أن القوانين لم تواكب هذا التطور السريع والانتشار السريع للحواسيب الشخصية وإمكانية الولوج الى الانترنت وأيضا الانتشار الأسرع للهواتف النقالة والتي أصبح لا يخلو كف أحدهم أو إحداهن منه.

في قصة وسط الرجال تكون الأم القروية والتي عاشت في المدينة ما زالت تستذكر تلك الحياة التي كانت فيها المرأة في القرية تذهب للحطب ولجلب المياه وعشرات الأعمال الأخرى والتي لم تكن تتعرض فيه حتى ولو ذهبت إلى أماكن بعيده للتحرش أو للمضايقة وكيف أن المرأة الحقيقية هي التي تنشأ وسط الرجال وتستطيع حماية نفسها منهم وأن تفرض احترامها عليهم.

في هذه القصة ظهر أن التقاليد كانت محفزة للمرأة والعمل وحامية لها في شتى الطرق وتجد الأم نفسها تريد أن تكون لابنتها نفس سيرتها من الأعمال والأنشطة حتى ولو كانت في المدينة فـ الفتاة الخجولة من وجهة نظر الأم هي فتاة سهلة المنال وسهل الإيقاع بها بخلاف الفتاة القوية والقادرة على العمل والجدل والحوار مع أي كائن أمامها.

إن رجوع الفتاة إلى قوقعتها مع أول حادثة تحرش تتعرض لها جلب عليها غضب الأم ولكن ما أن عادت الفتاة الى حياتها الطبيعية حتى أصبحت قادرة على حماية نفسها.

أن الأم تريد أن تخبر فتاتها في هذه القصة أن الخنوع هو أول سبل الاستبداد والعنف ضد المرأة.

المرأة العاملة كهدف

في قصة عض رغيفي كان من الواضح ما تعرضت له المرأة العاملة في القصة من تحرش من قبل الزملاء أو المدير الخاص بها ... مما أدى إلى خروجها من العمل في الأخير.

إن ما تعطيه القصة هنا هو تلازم ثقافة خروج المرأة للعمل مع تلازم ثقافة احترام خروجها من قبل البقية وكذا وضع حلول رادعة لأي انتهاكات قد تدفع بالمرأة الى العودة للقوقعة في البيت ومن بينها مشاكل العمل نفسه أو المشاكل التي تمر بالتوازي مع العمل مثل التحرش أو التجاهل للمرأة ومردودها الاقتصادي في سوق العمل.

إن ما تعنيه القصة في هذا المجال هو أننا على أبواب التنمية يجب أن ندعم بعضنا البعض وان لا يمارس أحد منا انتهاك حقوق الأخر.

ثقافة الأسطورة الذكورية

في قصة دادا خطي العتبة ... يعطى اليافع الذي دخل حديثا مرحلة الشباب صورة عن العالم الى سمع عنه في حكايات الأصحاب أو الأصدقاء الأكبر منه سنا.. مع مشاهداته طوال عمره لتقديس الذكر على حساب المرأة في الشارع اليمنى مما أدى الى خروجه الى الشارع متخيلا أن جميع فتيات الأرض يحببنه مع أول خطواته في عالم الرجولة.

إن الثقافة التي تسري بشكل كبير في محيط الشباب أو الداخلين إلى مرحلة الشباب غالبا ما تكون مقدمة للمرأة على أساس " التمنع وهن الراغبات " وأن أي كلمه تقوله المرأة في هذا الشأن كرفض هي معناها القبول ولكن بصيغة أخرى.

 إن هذه الثقافة أيضا التي تعطى للطفل أو اليافع أو المراهق بسيادته على الإناث في محيطة الاجتماعي وتجعل منه يمتد بهذا الشعور حتى على مستوى جمعي ليعتقد أن أي إمراه يفترض بها ألا ترفض له عطاياه.

إن دخول اليافع الى سن الشباب بهذه العقلية المنتشرة في أوساط اليافعين هو مدخل قوى للتحرش الجنسي ولا بد من العمل على هذه الثقافة في محيط الأطفال واليافعين والشباب كما أوردت القصة الراصدة لمثل هذه التصرفات.

الثقافة القانونية في قصة يا تاج راسي

ترصد هذه القصة المعالجات المجتمعية لقضي أن ة التحرش الجنسي بالنساء فالمعروف هو تجمهر عدد من الناس لتأديب المتحرش أو في الأسواق التجارية كان هناك بعض قوات حفظ الأمن يقبضون على المتحرش ويحلقون شعرة كما حدث أكثر من مرة وخصوصا في أيام التسوق الشديدة قبل الأعياد.

ترصد القصة عدم وجود قوانين ناجعة أو عدم تفعيل القوانين الموجودة تكرس لحماية المرأة من التحرش الجنسي مما يضطر الجمهور إلى اختراع جزاءات خاصة به في هذا المجال وهذا سيء فمع وجود القوانين وتنفيذها سيتم التقليل بشكل كبير من الظاهرة لأن العلاجات المجتمعية ليست الناجعة ووقتية وموسمية بالإضافة إلى رؤية المجتمع للفتاة المتحرش بها غالبا ما تكون سلبية مما يضطر الى سكوت الفتاه على التحرشات التي تعرضت لها.

إن القانون ووجوده وتغطيته لكل جوانب التحرش بالنساء في أي مكان وزمان وتفعيله هو السبيل الحقيقي لمعالجة هذه الظاهرة وبالتالي فإن صناعة قوانين والترويج لها وجعلها ثقافة عامة لدى المجتمع هو الحل الأمثل.

الثقافة الدينية المستنيرة مطلب جوهري

في قصة لن أسقط في براثن الحكاية ترصد القصة عملية المد الديني المتصلب لعمل المرأة وخروجها إلى الشارع بدون النظر الى العامل الديني كمحفز لعمل المرأة وحمايتها وهذا ما حكاه لنا بطل الحكاية والذي سمع الكثير من الحكايات والأشرطة حول النساء والرؤية المغلوطة للمرأة لدى أصحاب الكاسيتات والذين يتعاملون معها كمحفز لعملية التحرش الجنسي والاغتصاب والتفسخ الأخلاقي دون النظر الى المرأة كداعم للتنمية الأخلاقية وتساهم في التربية عليها.

إن وجود ثقافة دينية مستنيرة تعمل على دعم التنمية ومشاركة المرأة في الشأن العام هو السبيل الأكثر نجاحا في حماية المرأة من التحرش الجنسي ومن شتى أصناف المعاملة السيئة أو المهينة او اللاأخلاقية.

الصمت بسبب الوصم في قصة الصمت

تتعامل بطله قصة الصمت مع التحرش الجنسي على أساس مبدأ التقية والتجاهل حتى لا يتطور الوضع الى ما لا يحمد عقباه من مبدأ ان الجمهور العام في الشارع لا يفهم بالضرورة ملابسات التحرش الجنسي وغالبا ما يصنف الشارع الشجار بين الرجل والمرأة خصوصا المتحرش على (عدم الاتفاق على السعر - ثياب المرأة - وقت التحرش – مكان التحرش).

في أي مشهد تحرش غالبا ما تكون الوصمة وهذه الأفكار التي يكونها المحيطون بمشهد التحرش قد لصقت بالفتاة مما يضطرها الى السكوت.

كتاب يحدث في الطريق كبداية

حاول الكتاب والذي يحتوي على عدد أكبر من القصص أن يقدم رؤية ومعالجة أدبيه وتجارب وقصص حول قضايا تحرش جنسي بالمرأة مع ضرورة الالتفات الى مشاعرها الداخلية وحجم الإصابة التي تصيب المرأة جراء هذا التحرش وهو من الكتب التي بدأت هذا الطريق وهناك إمكانية لعمل المزيد لتوثيق مزيد من التجارب والقصص في سبيل إظهار القيمة السلبية الكبيرة للتحرش الجنسي وأثره على المرأة.

المراجع

كتاب يحدث في الطريق ... نبيل أحمد الخضر وآخرون .... من إصدارات حملة شوارع آمنة.. اليمن.. 2012م