Sat,Apr 26 ,2025

حرية التعبير كطريق للتنمية
2025-04-23
يرى البعض أن حرية التعبير لا تخدم أو لا يستخدمها إلا العاملون في المجال الإعلامي أو الأدبي أو في مجال الكلمة ككل ، وهذا مفهوم بسبب طبيعة أن التعبير موجود في العقل الجمعي كمفهوم ملتصق بالكتابة أو التصريح الشفوي وهذا مفهوم أيضاً في ظل أن الكثير من الاعتقالات في هذا الجانب موجهه إلى الصحفيين والإعلاميين والنشطاء الذي لا تكون تصريحاتهم وكتاباتهم متشابهة مع تصريحات نظام الحكم، وكذا لأن الصحفيين والإعلاميين هم دائماً على الخطوط الأمامية للأحداث السياسية الساخنة وهذا ما يحدث أيضاً في اليمن والعالم العربي وخصوصاً في المرحلة التي تلت الربيع العربي في2011.
ولكن هناك الكثير من الاعتقالات والتعذيب – أيضاً - التي ضرب بعمق في فنانين تشكيليين و روائيين ومثقفين ونشطاء ثقافيين .
إن شيطنة حرية التعبير و مجموعة كبيرة من حقوق الإنسان جاء نتيجة شائعات الدولة وحكوماتها منتخبة أو غير منتخبة والذي أثرت على الشارع كثيراً في طريقة رؤيته لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية بشكل سلبي، و كذا أثرت على طريقة الشارع في نظرته لحرية التعبير وفهمه كسبب من أسباب النزاعات في اليمن.
وبالرغم من كل ذلك فإن هذه الورقة لا تهدف إلى مناقشة هموم حرية التعبير و قضاياه الإنسانية فهذا سيكون ضمن أوراق أخرى في مشروع السياسة الخاصة بحرية التعبير في اليمن والذي تنفذه مؤسسة ضمانات للحقوق والحريات بدعم من المورد الثقافي ، بل بالعكس تهدف هذه الورقة إلى اكتشاف الجوانب الإيجابية حول حرية التعبير ودورها في زيادة نمو الصناعات الثقافية والصناعات الإبداعية، وبالتالي الدور الإيجابي لحرية التعبير في التنمية والتخلص مستقبلاً ولو جزئياً من بعض القضايا الإنسانية الملحة كالفقر والأمية والتطرف وغيرها من القضايا السلبية التي تكاثرت وأصبح لها وجود في الشارع اليمني .
إن الورقة تحاول إيصال فكرة أن احترام حرية التعبير سيدفع باتجاه وجود مشاريع كبيرة ومتوسطة وصغيرة في مئات المجالات المتعلقة بالتفكير والاختراع والموهبة؛ فعندما يختفي خوف المبدع من الضمير الداخلي و مقص الرقيب ورصاصة المتطرف وسجن الحكومة سينتج عن هذا الكثير من المنتجات الإبداعية والثقافية التي بدورها ستأتي بمزيد من الأموال والذي بدوره سيسهم في الرفاة الاقتصادي والاجتماعي لليمنيين .
إن تغيير نظرة صناع القرار والشارع اليمني عن حرية التعبير كمفهوم مربح أكثر مما هو مفهوم مزعج هو الهدف من هذه الورقة من خلال تبيان كيف أثرت هذه الحرية في تنامي الاقتصاديات العالمية ومدى مساهمة حرية التعبير في الناتج الإجمالي للدول.
إن النداء بسياسة خاصة بحرية التعبير في هذه الورقة تحديداً ليس لأجل تقديم تجربة مريرة أو قصص إنسانية مأساوية - برغم أهميتها - فهذه الورقة لا تعمل على مفهوم التعاطف بل تركز على الطمع بحياة جيدة وبالتالي مقاربة منطقة أخرى لم تقاربها الكثير من الأوراق التي يبرع مقدموها في جلد الذات والواقع و استدرار التعاطف.
هل الصناعات الإبداعية مربحة ؟!
تكتسب الصناعات الإبداعية أهمية متزايدة بوصفها مُحرِّكا رئيساَ لخلق فرص العمل، والمعرفة، والرخاء الاقتصادي. وتشير تقديرات مجموعة البنك الدولي إلى أن الصناعات الإبداعية تساهم بما يصل إلى 7% من إجمالي الناتج المحلي العالمي، ومن المتوقع أن تنمو بمعدل قدره نحو 10% سنوياً.
وتشمل الصناعات الثقافية مجالات النشر والموسيقى والسينما والمهن الحرفية والتصميم، وهي صناعات تشهد نمواً مستمراً ومتعاظماً وتحتاج هذه الصناعات لحرية التعبير لتصبح قادرة على العمل وبالتالي المشاركة في الدخل القومي الإجمالي .
وعلى مستوى الوطن العربي ترى مصادر اقتصادية أن السعودية تمتلك مقومات عدّة للتفوق في مجال «الصناعات الإبداعيّة»، وأنها تتمتّع بكثير من الموارد البشرية والإمكانات الطبيعية التي تضعها في موقع بارز بين الدول الأكثر تقدماً في هذا المجال. وأوضح خبراء أن المملكة تستطيع أن تُنافسَ بقوة في الأسواق العالمية.
و تتحرك مصر لدعم الصناعات الثقافية الإبداعية "كقطاع واعد وصاعد في الاقتصاد العالمي" والحكومة هناك تدرس مشروعاً لإنشاء شركة قابضة لهذه الصناعات.
ويرى المصريون أن دعم الصناعات الثقافية الإبداعية يعني دعم "القوة الناعمة لمصر" بقدر ما ينطوي على مكاسب اقتصادية تحققها بالفعل الدول التي قطعت أشواطاً بعيدة على هذا المضمار ضمن رؤية تحاول استيعاب شتى مجالات الفنون مثل الفن التشكيلي والتصميمات والحرف اليدوية والعاديات والتحف والأزياء والأفلام والفيديو والتصوير الفوتوغرافي والألعاب التفاعلية والإعلانات والبرمجيات والموسيقى وتهتم بشكل جذري وحاسم بالابتكار .
وفي المغرب هناك اتجاه – أيضاً - لهذا المجال فقد شدد المشاركون في مختلف ورش العمل المهنية في إطار اللقاء الثاني لمهنيي الصناعات الثقافية والإبداعية "الأندلس - شمال المغرب" على أن الصناعات الثقافية يمكن أن تضطلع بدور قاطرة التنمية الاقتصادية بالمغرب وإسبانيا.
وعلى الرغم من نقص المبادرات المتاحة للعمل في مجال منشآت الأعمال الصغيرة والمتوسطة، فإن قاعدة الصناعات الإبداعية في الكويت ليست متأخرة كثيراً عن نظيرتها في البلدان مرتفعة الدخل سريعة النمو ، ويعمل نحو 35 ألف فرد في هذا القطاع بينما تبلغ قيمة عائداته من المنتجات ذات القيمة المضافة مئات الملايين من الدنانير الكويتية ويجعله هذا واحداً من أكبر القطاعات غير النفطية في الكويت، ما يعادل 24% من قيمة قطاع الصناعات التحويلية غير النفطية و72% من قطاع خدمات مؤسسات الأعمال.
وتسهم الصناعات الإبداعية بحوالي 3% من الاقتصاد الخاص بالاتحاد الأوروبي، وتبلغ القيمة السوقية لهذه الصناعات هناك حوالي 500 بليون يورو، ويعمل فيها حوالي 6 ملايين نسمة ويهتم هذا القطاع بشكل حاسم بالابتكار، خاصة ما يتعلق منه بالأدوات والشبكات.
وتصل مبيعات الولايات المتحدة وحدها إلى142 بليون دولار من هذه السلع والخدمات وبشكل يفوق ما صدرته من سلع وخدمات في مجالات الزراعة والطيران وما يتصل بهما ، كما يعمل في الاقتصاد الأمريكي حوالي 27 مليون فرد على نحو مباشر أو غير مباشر، وتهتم ما يقرب من 750 الف مؤسسة في الولايات المتحدة بالإبداع والتوزيع في مجال الفنون فقط ويعمل فيها حوالي 3.1 مليون فرد يمثلون 2.1% من القوة العاملة هناك، وتعد ولاية كاليفورنيا صاحبة ثامن اقتصاد في العالم وقد أسهم الاقتصاد الإبداعي فيها بأكثر من 3 بلايين دولار في الدخل المحلى والضرائب عام 2012(5) .
وبالتالي هناك أدلة على أن الصناعات الإبداعية مساهمة بقوة في حصول الأفراد على فرص العمل والدول على الأموال فأين هي المشكلة الآن . ولماذا لا ترتفع واردات الدول العربية في مجال الصناعات الإبداعية؟
ولأن ورقتنا عن اليمن فالسؤال سيكون أين المشكلة في ندرة مساهمة الصناعات الإبداعية في الاقتصاد اليمني ودور هذه الصناعات في التنمية في اليمن بالرغم من أن اليمن تحتوي على الكثير من الفرص في هذا المجال لدخول رؤوس أموال وتوفير فرص عمل كثيرة .
المشكلة تكمن في حرية التعبير. ببساطة .
فلنتعرف على حرية التعبير.
هل حرية التعبير مكفولة ؟
تذكّر السيدة فيث بانيس تلاكولا، المقرر الخاص المعني بحرية التعبير والوصول إلى المعلومات لدى اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، أنه لا بد من التزام قوي “يجعل من حرية التعبير والوصول إلى المعلومات حقيقة واقعة وليس مجرد كلمات على الورق”.
ولا يزال الصحافيون في تونس يتعرضون لضغوط كثيرة. وفي مستهل سنة 2016، تم التحقيق مع عدد من الصحافيين التونسيين أمام الفرق الأمنية المختصة في مكافحة الإرهاب.
وتشهد حرية الإعلام في الجزائر تراجعاً حاداً، وتؤكد تصريحات المسؤولين مدى العداء تجاه حرية الصحافة في العام 2016.
ويقوم جهاز المخابرات والأمن الوطني في السودان الذي عززت صلاحياته بمضايقة الصحافيين ومراقبتهم وضبط وسائل الإعلام المطبوعة من خلال الرقابة عليها ومصادرة أعدادها.
وفي مصر استمر التدهور الحاد الذي يشهده وضع حرية الفكر والتعبير خلال عام 2016، ولم تسلم حرية الصحافة من تراجع وضع حرية التعبير.
لا تزال حرية الرأي والتعبير في الأردن مقلقة حيث يخضع الصحافيون في الأردن لمراقبة وثيقة من قبل أجهزة الاستخبارات ويجب أن يكونوا تابعين لنقابة الصحافة الأردنية التي تسيطر عليها الدولة.
كانت حالة حقوق الإنسان في العراق حرجة خلال عام 2016، حيث استمر الصراع وارتكبت انتهاكات لحقوق الإنسان من قبل جميع الأطراف.
وقد تعرض المدافعون عن حقوق الإنسان بما في ذلك الصحافيين وأولئك الذين يمارسون الحق في حرية التعبير، للمضايقات والتهديدات والقتل في 2016.
يتم استهداف النشطاء على الإنترنت بسبب تعبيرهم عن حقهم في حرية الرأي والتعبير في السعودية .
ولا تزال قضية حرية الرأي والتعبير رئيسية في عمان مع مستويات عالية من الرقابة التي فرضت قوانين وقيوداً صارمة على أنشطة حقوق الإنسان، حيث تعمل الأجهزة الحكومية في عُمان على حصار المؤسسات الصحافية والإعلامية في مربع الدعاية للحكومة وانجازاتها وتعمد إلى تجريم أي نقد يسلط الضوء على أخطاء السلطة التنفيذية وممارساتها أو كشف الحقائق حول قضايا الفساد في الجهاز الإداري.
وشهد عام 2016 في الكويت إقرار وتطبيق عدد من القوانين والقرارات التي تتضمن قيوداً مفرطة على حرية التعبير والصحافة ، وتهدف بكل وضوح إلى تكميم الأفواه وتقييد الحريات.(6)
وتمارس اليمن احتكاراً كاملاً على وسائل بث الإذاعة والتلفزيونية وتمنع الملكية الخاصة لهما، كما تقوم بالاحتكار الكامل لوكالة الأنباء اليمنية وتقوم بتنقية مواقع الإنترنت وسحب التراخيص بالعمل ومراقبة الإعلام ومراقبة الوصول إلى المعلومات، بالإضافة إلى التهديدات والمضايقات والاعتداءات على الصحفيين مما يدعم فكرة أن الحق في التعبير هو الأكثر انتهاكاً في اليمن .
إن التخوف من حرية التعبير لا ينسحب فقط على الإعلام والصحفيين بل ينسحب على كل المناحي التي ترتبط في جوهرها بالحرية والإنسان ورغبته في التعبير، وهذا ينسحب على الروائي والفنان التشكيلي والمصمم وصاحب الموقع والمخترع والراقص والمطرب، وبالتالي يجب العمل هنا على الاختيار ما بين حرية التعبير مع الأموال والثراء الذى ستجلبه الصناعات الإبداعية وإنتاج الشارع للإبداع أو انتهاك حرية مع الفقر ومنع أي إبداع من الظهور لأنه قد لا يتناسب مع توجه الحكومة أو فكرة الأصولي أو التوجه العام للمجتمع .
الاختيار الجيد :
لا يوجد دولة أكثر من اليمن تنوعاً في الجانب الثقافي، فكل منطقة في اليمن لديها لهجتها وعبر الانتقال من قرية إلى قرية تجد نمطاً مختلفاً من الرقص الشعبي والأهازيج والأغاني بالرغم من وجود دولة أو عدة دول تحتوى على نمط واحد من الرقص أو التراث الشعبي في الحكايات و القصص والأساطير والنمط الثقافي ككل.
اليمن ذات تنوع لا مثيل له فحتى في المدن والتي تكونت عبر الهجرة من الريف إلى المدينة تجد نمط الأثاث و الأطعمة مختلف من بيت إلى البيت الذى بجواره فاليمن إجمالاً هي أكثر تنوعاً ثقافياً من أي دولة أخرى في العالم .
اليمن بلد التنوع. كبير وتاريخي يحتوى على عدد من المواقع التاريخية والآثار والمواقع البيئية، ولديه – أيضاً - تراث موسيقي متنوع ما بين الموسيقى الصنعانية إلى الحضرمية وتراث الموسيقي في الحديدة وتعز وكل مدن اليمن ، بالإضافة إلى التنوع الفني القائم على التنوع الديني والمذهبي كالموسيقى اليهودية و إبداعات الصوفيين والبهائيين وحتى زوامل الحوثيين المستمدة من الزامل كتراث شعبي قديم وغيرهم .
يحتوى اليمن على مجموعة من أجمل المشغولات اليدوية ذات النمط المغاير لكل المحيط بها من المشغولات الفضية والذهبية ومشغولات المنزل الفخارية والحجرية و منتجات الأزياء الرجالية والنسائية وللأطفال على حد سواء .
ويعد الأدب اليمني من الآداب الجيدة في المنطقة العربية ولديه سوق جيدة للترويج والتوزيع سواء في الشعر أو القصة أو الرواية أو النقد.
إن العمل على سياسة خاصة بحرية التعبير وبالتالي تحرير الصناعات الإبداعية والمبدعين اليمنيين من الخوف من تسلط الحكومة وعنف الأصوليين و ماضوية الجمهور سيكون له دور كبير في حصول اليمن على موقع جيد في السوق العربية والعالمية للصناعات الإبداعية . فقط يحتاج الأمر لبعض المرونة والتفهم لطبيعة العمل الإبداعي ودعمه .