Sun,Apr 27 ,2025

واقع الثقافة فى اليمن

2025-04-23


يقع اليوم العالمي لحرية الصحافة في صباح الثالث من مايو من كل عام، وتعيش الصحافة  والفنون وحرية التفكير والتعبير والإبداع أحلك ظروفها مع النزاع الدائر في اليمن والذي كان له تأثير سلبي للغاية على حرية التعبير؛ بالرغم من توقيع ومصادقة اليمن على الاتفاقيات الدولية التي تدعم حرية التعبير وتروج لها وتظهر مدى أهميتها في التنمية و الصناعات الإبداعية والتطور الثقافي والمعرفي.

وقد خاض الصحفيون والفنانون التشكيليون والأدباء والإعلاميون  تجارب مريرة تمثلت في السجن والهروب إلى خارج البلاد والانكفاء على الذات ؛ مما سبب تباطؤ العملية التنموية، وزاد النزاع من مرارة حياة حاملي القلم ومنتجي المعرفة والفاعلين الثقافيين في اليمن.

ولا يمكن للمبدعين في مراحل السلم أو الحرب العمل دون سياسات وقوانين تدعم توجهاتهم  وإبداعاتهم وحريتهم الفكرية والإبداعية.

من هنا جاءت فكرة الكتاب الذى يضم أوراق عمل  تضم تجارب وأفكار و اقتراحات من قبل المؤسسات غير الحكومية ، والمبادرات الشبابية ، والصحفيين، والأدباء، والفنانين التشكيليين، والمصورين الفوتوغرافيين، وشركات تعمل في مجال الإنتاج المعرفي والثقافي والفني؛ تدعم جميعها حرية التعبير.

 إن اليمن بلد لا يستقبل اتجاهات جديدة في الفن بسبب قلة معارف الفاعلين الثقافيين، وعدم رغبتهم  الكبيرة من الاستفادة من الانترنت والتكنولوجيا  والمنح والمشاريع التي تتوجه إليهم، وكانت معظم الفنون التي ظهرت بقوة في العشر السنوات السابقة تنويعات عن فنون قديمة مع بعض التركيز على الفنون الرقمية، مع التطور الحاصل في  الكمبيوتر والانترنت مثل التصميم  الرقمي والأفلام الوثائقية ؛ وهذه جديدة على المجتمع اليمني، وغالباً قام بها المجتمع المدني في اليمن ضمن منح لمشاريع ناقشت قضايا مجتمعية وليس لأجل العمل الثقافي بشكل مستقل إلا فيما ندر.

ومع ازدياد مؤسسات المجتمع المدني وخصوصاً في مسائل وقضايا المجتمع ظهر الكرتون كأحد  المواضيع الجديدة التي انتشرت في اليمن وكان هناك إنتاج جيد مثل "سلمى" وهو كرتون خاص  بتعليم الفتاة لاتحاد نساء اليمن وكذا  "عودة  أحمد " من إنتاج مؤسسة  شوذب للطفولة والتنمية؛ كما أن هناك بعض الإنتاجات في هذا المجال قام بها شباب كمشاريع تخرج، أو بعض التجارب المبكرة كتجربة مؤسسة إبحار للطفولة والإبداع في "مرجان  وريشة الألوان " وكذا الأفلام الوثائقية والتسجيلية من إنتاج مؤسسات المجتمع المدني بالتعاون مع شباب موهوبين ناقشت القضايا الحقوقية والتنموية والبيئية  .

ومع انتشار البرامج الكوميدية السياسية التي سرعان ما احتضنتها قنوات محلية تتبع فصائل سياسية ليظهر لدينا "عاكس خط" للفنان محمد الربع كأحد أشهر هذه البرامج، بالإضافة إلى محاولات أخرى في هذا الجانب ولديها جمهورها وداعميها .

وبالرغم من أن مسرح الدمى موجود منذ زمن بعيد ولكن في الفترة الأخيرة تم تداوله  بقوة ، وكذا  خيال الظل، وتوجد مؤسسات ومبادرات جديدة قدمت هذا الفن وأسست له ودعمته في أعمالها.

وقد ساعد التعدد السياسي والحزبي بعد الوحدة اليمنية في ظهور الكثير من الصحف ومن ضمنها الصحف الثقافية ، لكن مع ثورة 2011 ومن ثم  انقلاب  2014 تراجعت الحريات كثيراً، وأغلقت الكثير من الصحف والمجلات والمؤسسات غير الحكومية، وقنوات وإذاعات محلية .

إن وجود أنواع جديدة من الفن في مجتمع  تقليدي كاليمن  يعد مخاطرة، ولكن ما أن  تصبح هذه الأنواع مقبولة لدى المجتمع يصبح من السهل انتشارها ، ولكن ليس هناك الكثير ممن يحبون المخاطرة في القطاع الخاص والحكومة، وبالتالي أصبحت مؤسسات المجتمع المدني أحد الموارد المهمة للتغيير والتطوير ، وربما يرجع ذلك إلى أن أغلب هذه التجارب ممولة، وبالتالي فمستوى الخطورة المادية فيها للمنظمة قليلة فإن نجحت كان هناك ضمان لتكرارها مع مانحين أخرين وإن فشلت فهناك دائماً مانحين لأعمال جديدة وأفكار جديدة .

إن للأحداث السياسية أيضاً دور في تغيير اتجاه الفنون وحرية التعبير في اليمن  فقد كان هناك على سبيل المثال ظهور مكثف  للأناشيد الوطنية أو الدينية التي تشبه إلى حد بعيد  الأناشيد الدينية المشهورة والتي تظهر في القنوات الدينية ؛ بالإضافة  إلى محاولات إدخال بعض الآلات في  الإنشاد كنوع من التحديث  للفنون بما يتناسب مع التطور في الفنون الغنائية ، وبالتالي تم استخدام جديد للأغاني العاطفية والدينية والوطنية المشهورة والموجودة منذ  زمن طويل لتحويل ألحانها إلى أغانٍ وطنية صنعت أشعارها على عجل لتخدم  ثورة 2011،  وأيضاً  لتخدم بعضها أغراض انقلاب  2014.

وقد ساهمت أحداث 2014 أيضاً في  ظهور جديد وقوي " للزامل" وهو شكل قديم  من الفنون ولم يكن هناك كثير اهتمام له في الشارع فيما عدا بعض القرى؛ لكنه عاد بقوة بعد سبتمبر  2014 من قبل أنصار الله / الحوثيين  وقد أصبح مشهوراً على نطاق وطني ، وانتشرت أعمال كثيرة لهم لخدمة أهداف أو سياسات أو أخبار الجماعة، وتبث على الإذاعات بشكل يومي.

وبعيداً عن السياسة .. فقد قامت المبادرات الشبابية بعمل مجموعات من الأعمال التي يقدمونها لليوتيوب لعدم رغبة القنوات اليمنية - في الغالب - بثها إلا بمقابل  نقدي، وأغلبها  تجديد فقير وغير مكلف إنتاجياً لأغانٍ يمنية وعربية عريقة و مشهورة، وتتعلق بمناسبات معينة  مثل الأعياد الوطنية والدينية والمناسبات الاجتماعية.

وبالرغم من أهمية المؤسسات الفنية الإنتاجية في دعم حرية التعبير في اليمن من خلال الإنتاج الفني والفكري والثقافي ورغبتها في الإنتاج بغرض الربح؛ إلا أن التوجه التقليدي للمجتمع يخيف المستثمرين؛ وبالتالي فإن أغلب الإنتاج في العشر السنوات الأخيرة كان عبارة عن برامج ممولة  لمؤسسات المجتمع المدني، أو تجارب غير مكلفة  للشباب . وبالطبع هناك أستديوهات تسجيل تجارية تقوم بالتسجيل والتوزيع لكن غالباً ما يكون الإنتاج عبر الفنان نفسه، وأغلب هذه الاستوديوهات غير مستقلة بالقدر الكافي و تتبع  تنظيماً سياسياً أو تجارياً معيناً لنشر ثقافته في الشارع. وعملت بعض مؤسسات المجتمع المدني  متوسطة الحجم والكبيرة على عمل أستديوهات خاصة بها كمشروع  يضمن لها الاستمرارية ولكنها أيضا برامج موجهة مما لا يدعم الإبداع المستقل أو حرية التعبير.

وكقنوات فقد كانت هناك الكثير من القنوات التلفزيونية نشأت بسبب الاستقطاب السياسي كالمسيرة التابعة للحوثيين، واليمن اليوم التابعة للرئيس السابق صالح والمؤتمر الشعبي، وقنوات سهيل ويمن شباب التابعة للإصلاح، وقنوات تابعة للقطاع الخاص كالسعيدة، وهناك برامج تتناول الفنون ضمن خارطتها البرامجية ولكن كل قناة من هذه القنوات تستضيف مطربي ومثقفي وفناني الجهة الداعمة لها.

في المجال الإذاعي – أيضاً -  نرى نفس المشكلة؛ فكل جهة لديها إذاعتها أو إذاعاتها، وغالباً ما  تبث  الأعمال الفنية لمطربيها و فنانيها بالإضافة إلى بعض الإنتاج الفني المستقل للمؤسسات غير الحكومية أو المبادرات الشبابية والمبدعين المستقلين، ولكن عرضها ليس دائماً فالأولوية دائماً لمن  يتشابه مع سياسات الإذاعة ومالكيها أو داعميها ، وحتى الإذاعة الوطنية والتي وقعت - أخيراً - في يد الحوثيين غالباً ما  تتبنى وجهه نظرهم الفنية أو الثقافية في إنتاج وبث الأعمال الفنية والثقافية.

وكانت هناك العديد من الإذاعات المحلية لكل محافظة يمنية  تهتم كل منها بالفنون المحلية في محيطها مع بعض الاهتمام بالفنون العربية لسد ساعات البث .

وهناك إذاعات خاصة ببعض مؤسسات المجتمع المدني  المحلية والدولية  كإذاعة مواهب للأطفال والتي تدعمها منظمة رعاية  الطفل،  وإذاعة  يمن تايمز، بالإضافة  الى  إذاعة أكسس  والتي كانت  مدعومة من مؤسسات دولية .

ولدى القطاع الخاص إذاعات خاصة به كإذاعة  " طيرمانة " وتبث على مدار اليوم أغانٍ يمنية وعربية وغربية،  وأيضاً إذاعة سام إف إم ، وإذاعة إيرام، وإذاعة جراند إف إم.

بالنسبة للصحف والمجلات فقد كان هناك الكثير منها قبل ثورة  2011  وزادت  أعداداها مع حدة الاستقطاب السياسي بعد الثورة، لكنها نقصت إلى حد كبير بعد أحداث  2014 وكذا الحرب وعاصفة الحزم ، وبالتالي فقد أغلقت العشرات منها ، وقد كان لدى كل صحيفة صفحة خاصة بالفنون والثقافة كأحد الصفحات التقليدية في أي صحيفة ، وكانت تنشر قصائد شعرية وقصص قصيرة ومقاطع مكتوبة من مسرحيات وروايات، بالإضافة  إلى الأخبار المتعلقة  بالفنانين اليمنيين والعرب وأنشطة مؤسسات المجتمع المدني ذات الطبيعة  الفنية والثقافية . وكان هناك ملحق  للثقافة والفن في صحيفة اليمن الرسمية "الثورة" يصدر كل يوم إثنين.

وقد  ساهمت مؤسسات المجتمع المدني في العمل  الثقافي من خلال مجلات وصحف كانت تصدر منها عددين الى ثلاثة بحسب التمويل ومن ثم تختفي  الإصدارات إلى أن اختفت المؤسسات نفسها بعد إغلاق عدد منها بعد أحداث 2014.

وهناك مؤسسات عملت على نشر بعض الأفلام  الخاصة بصانعي الأفلام من الشباب والمبادرات الشبابية كسينما "صوت" ومؤسسة "شفت" السينمائية التي عرضت الكثير من الإنتاج المحلي ضمن منح عربية ودولية قدمت لها .

على الإنترنت هناك مواقع خاصة ببعض الأدباء لأنفسهم كموقع الأديبة نادية الكوكباني على سبيل المثال بالإضافة إلى بعض المدونات الثقافية التي دشنها الأدباء عند انتشار المدونات كطريقة جديدة للنشر والتعبير، و قبل  ظهور الفيسبوك  وبدأ أن الكثير من الأدباء  ينشرون  معظم أعمالهم على  صفحاتهم الشخصية على فيسبوك كأحد منصات النشر الجماهيرية المهمة .

وهناك مواقع ثقافية مثل "فن تايم" المهتم بنشر الأخبار الفنية والثقافية  اليمنية وموقع البيسمنت الثقافية، بالإضافة إلى مواقع المؤسسات غير الحكومية اليمنية والتي تنشر بعض إنتاجها الفني والأدبي والثقافي إن وجد على مواقعها الإلكترونية وحساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي .

على صعيد السياسات الثقافية في اليمن فقد كان هناك تطورات في مجال السياسات الثقافية  خلال العشر السنوات الماضية وساهمت منظمات المجتمع المدني في ذلك من خلال  النداء بتطوير بعض القوانين الثقافية لدى وزارة  الثقافة والوزارات ذات الارتباط  بحرية التعبير،  والسياسات الثقافية بشكل عام  ومن ثم جاء مؤتمر الحوار  الوطني الذى قدم عبر الوثيقة الختامية  لمؤتمر الحوار الوطني مجموعة كبيرة للغاية من السياسات الثقافية والمواد التي خرجت من المؤتمر ملزمة ومنها قوانين خاصة بالحقوق الثقافية وثقافة حقوق الإنسان ومواد خاصة بالكتاب وحقوق المثقفين، والسينما وتطوير الثقافة والإعلام والصحافة الثقافية وثقافة الطفل والمرأة.

وجاء الدستور اليمني الذى تم تطويره بعد مؤتمر الحوار الوطني وكان  الجديد فيه  إفراد باب  خاص فقط بحقوق الإنسان، وهذا ما لم يحدث في الدساتير الماضية وبالتالي  كانت هناك مواد خاصة  بالثقافة كحق من حقوق الإنسان في الدستور اليمني المعدل وحرية  التعبير كأحد أهم الحقوق الإنسانية، لكن الأمر توقف بعد الانقلاب الذى قام تحت ذريعة رفض الفيدرالية والتي  نص عليها مؤتمر الحوار الوطني و الدستور وخروج الرئيس هادي إلى السعودية  وبدئ عاصفة الحزم،  ولم يعد هناك تفعيل للوثيقة الخاصة بمؤتمر الحوار الوطني أو الدستور اليمني.

وتاريخياً ..  قامت  بعض المؤسسات بدعم من مؤسسة المورد الثقافي بالدعوة ومناصرة وجود سياسات ثقافية في اليمن مثل مؤسسة الشرق ومؤسسة البيسمنت الثقافية  .

وهناك قوانين تزيد من دعم الفنون كالسياسات التي أنشيءت من خلالها صندوق التراث وصندوق دعم النشء وصندوق تنمية المهارات كمؤسسات يفترض بها دعم الإبداع الشبابي  والمجتمعي في شتى المجالات وأهمها الثقافة والفنون والأدب والاختراعات، ولكن الخطأ يكمن دائماً في الممارسة؛ ففي اليمن التي بلغ مستويات مرتفعه في الفساد لا يوجد إلا دعم ضئيل  للفنون، وتصب أغلب موارد هذه  الصناديق وغيرها من الصناديق أو البرامج في الفساد أو في تمويل  المتشابه والمناصر لصناع القرار الثقافي والفني.

هناك – أيضاً - سياسات طورتها بعض المؤسسات غير الحكومية مثل دعم  الإصدار الأول ودعم المسرح المدرسي لكنها حتى الآن ورقية ولم يتم تفعيلها خصوصاً أثناء الصراع الذى  يمر به اليمن، لا يوجد أي دعم للفنون فيما عدا بعض الفنون التي تواكب أو على وفاق مع السلطة "الحوثيين " وبثها على القنوات، وإجمالاً هناك هياكل ثقافية لدعم الثقافة والفنون والآداب كصندوق  تنمية المهارات ، صندوق التراث، صندوق النشء، برامج  لدعم الفنون في وزارة الثقافة، جهات حكومية وشبة حكومية، ومؤسسات غير حكومية، لكن كما كان الوضع دائماً في اليمن هناك فساد في الممارسة.

كما أن هناك مؤسسات دولية ووكالات أمم متحدة تعمل على دعم الفنون لكن ليس بشكل مستقل فدعم هذه الجهات الفنون هو طريقة لإيصال أفكارها المتعلقة بحماية الطفل والديمقراطية ومكافحة الفساد والإغاثة وحقوق الإنسان.

ويدعم القطاع الخاص مهرجانات في حال كانت تدعم الترويج لمنتجاته مثل حفلات التخرج  وبعض الفنون التي تقدم على خشبة  مسرح التخرج للشباب من الحياة الجامعية.

في الخارج هناك فرص أفضل للدعم الثقافي إلا أن ما يعيب الموضوع  ككل قلة هذه المؤسسات؛ فلا يعمل بشكل حقيقي في المنطقة العربية إلا الصندوق العربي للثقافة والفنون، والمورد الثقافي،  ويبدو أن نصيب اليمن من هاتين المؤسستين قليل في ظل حصول مؤسسات كثيرة على دعم هذه المؤسسات بينما نجد اليمن على ذيل القائمة.

ومما يؤسف له أن وكالات متخصصة في العمل الثقافي كاليونسكو لم يكن لها ذلك التأثير المشابه  لبقية وكالات وصناديق الأمم المتحدة في الوضع الذى تعيشه اليمن؛ وبالتالي كانت الثقافة والفنون والآداب من المواضيع قليلة الدعم ونادرة الظهور و خطرة على المبدعين المستقلين.

وكما هو الحال في مواضيع الدعم والفن وحرية التعبير  كذلك الحال من السوء في تطبيق  حرية التعبير على الأرض  بالرغم من أنه  قانوناً  حرية الإبداع مصانة وكذا التعبير الفني، لكن على مستوى الممارسة فهناك الكثير من المشاكل منها :

1.             إغلاق مؤسسات ثقافية وفنية من قبل أنصار الله / الحوثيين.

2.             منع عمل معارض تشكيلية لفنانين .

3.             مداهمة ومنع لدورات تدريبية وورش عمل فنية أو ثقافية أو أدبية  .

4.             عدد كبير من الصحفيين تعرضوا للاعتقال التعسفي والإخفاء القسري دون محاكمات .

5.             إغلاق إذاعات .

6.             إغلاق قنوات .

7.             مصادرة صحف .

8.             هروب بعض القيادات الثقافية خارج اليمن  بسبب الوضع .

9.             فتاوي بإهدار دم بعض الفنانين.

وبالتالي فوجود قوانين تحمي ليس بذلك  الأمر الجلل أو  ذو الأهمية، فعند الممارسة تبدو القوانين غير مهمة ككل في الشارع اليمني بسبب عدم اعتراف الانقلابيين بالقانون و حكم الشارع  بقوانينهم هم، واليمنيون عموماً لا ينفذون القوانين  بشكل  كبير في حالات السلم أو الحرب ، و يغلب  على حماية  الإبداع والتعبير الفني حجم المبدع وقوته والمجتمع الذي ينتمي إليه أو المؤسسات التي ينتمي إليها . لكن تم رصد بعض الحالات التي يمكن إضافتها كشكل جديد من أشكال حماية الإبداع والدعم الفني منها :

              الحماية الشعبية للإبداع ؛ حيث تم متابعة حملة كبيرة من قبل المواطنين ونشطاء حقوق  الإنسان والحقوق الثقافية على وسائل التواصل الاجتماعي كما حدث مع قضية أيمن عثمان  .

              التعاطف والنداء من قبل النشطاء لحقوق الإنسان والحقوق الثقافية لحالات الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري للمثقفين والإعلاميين والحملات الدورية في هذا المجال  على وسائل التواصل الاجتماعي .

              حالات لجوء إنساني قدمت لبعض القيادات الثقافية  .

              حالات علاقة  الفنان بقبيلة أو كيان سياسي يضمن له الحماية  .

إن لتأثير الصراع في اليمن والحرب على اليمن له دور سلبي في التطور الثقافي والفني والأدبي والتراث وحماية التراث الثقافي وغيرها الكثير من القضايا الثقافية التي تدهور بها الحال إلى الاستقطاب أو الاندثار أو الهروب أو التمويل الرديء من قبل المانحين الوطنيين والإقليميين والدوليين للثقافة والفنون والأدب ودعم حرية التعبير من خلالها.

إن حرية التعبير لا ترتبط فقط بالدعم والتمويل بل ما هي المساقات التي يمضي من خلالها الإبداع الى المستهلك كالقنوات و الإذاعات و الصحف ودور النشر والمنصات الثقافية ، وقد كان معظمها للأسف مستقطب ومغلق على الإبداع المستقل.

وترتبط حرية التعبير – أيضاً - بالمستهلك للمنتج الإبداعي ولكن الفرز السياسي  –أيضاً - كان له تأثير على حالة حرية التعبير، فبسبب الفرز السياسي أصبح هناك فرز فني في الشارع اليمني والجمهور اليمني، فهناك الكثير من الناس يسمعون فقط الزوامل السياسية  التي  يصدرها الحوثيون ، وهناك  جمهور متخصص في سماع  الشيلات التي  ينتجها  فنانوا الشرعية والمتأثرة  بالشيلات السعودية ، أو الأغاني  الوطنية القديمة التي يعاد إنتاجها ، أو المنتجات الفنية الجديدة مع نسب قليلة للغاية ممن يتفاعلون مع  إنتاج الشباب والمبادرات الشبابية من  أغانٍ وأفلام وثائقية ، وهذا واضح من حجم المشاهدات المتدني للغاية على  هذه المنتجات على يوتيوب. وفي نفس الوقت هناك  عدم  تجاوب مع  العديد من الأنشطة الفنية والثقافية والأدبية في الشارع في ظل بحث الشارع عن لقمة العيش في ظل الحرب والحصار وازدياد رقعة الفقر وتفشي الأمراض الوبائية و زيادة عدد البطالة وعدم صرف مرتبات الموظفين  لفترة امتدت لشهور طويلة حتى  الآن .

ومع التركيز على المستهلك والاستهلاك الثقافي فهناك – أيضاً - تدنٍ كبير في هذا المجال، فمع الحصار على اليمن يمنع كلياً دخول المنتجات الثقافية إلى اليمن ومن ضمنها مجلات  ثقافية  محترمة كان لها مساحة من اهتمام الجمهور كمجلة "العربي" و "دبي" الثقافية ومجلة "الدوحة" و"نزوى"  وألبومات المطربين العرب والأجانب ، والأفلام السينمائية،  وغالباً ما يتابع الجمهور اليمني هذه المنتجات على الإنترنت أو عبر شراء نسخ مقرصنه منها متواجدة بكثرة لدى مراكز بيع الأفلام ، وهناك إغلاق شبة نسبى للمسرح اليمني فيما عدا بعض المسرحيات التي  تروج لرؤية السلطة  الحالية وهذه لها جمهورها.

وعلى صعيد الفعاليات الثقافية فهناك نخبوية باتجاه حضور المعارض التشكيلية  والصباحات والأمسيات الشعرية إن حدثت بأغلب الحضور هم أنفسهم منذ فترات طويلة .

لم تعد هناك دور سينما وبالتالي اختفت السينما من خارطة الجمهور بالرغم من نشاط عدد من المؤسسات في هذا الأمر، إلا أنه حتى هذه المؤسسات غير الحكومية كان مرتادوها  قلة هم أنفسهم  في كل العروض السينمائية، وفي الأخير توقفت بسبب توقف الدعم.

 إنه لمن قبيل السخرية  أن يصل حجم المعونات لليمن إلى حوالي ملياري دولار لا يخصص منها ولو واحد بالمائة للعمل الثقافي حتى لو كان مرتبطاً بالعمل الإغاثي! وإنه لمن المفارقة أن  تخرج من اليمن المراكز الثقافية العالمية التي كان يمكن أن تقدم الدعم الفني  والثقافي لليمنيين في هذه المرحلة الفارقة مثل البيت الألماني والمركز الثقافي الفرنسي  والمركز الثقافي المصري والسوري والروسي. 

إنها لمرحلة فارقة وسوداوية في العمل الثقافي والفني وكذا حرية التعبير والإبداع في اليمن وشارك فيها الجميع من دول الجوار الخليجي والحكومة الشرعية أو الانقلابية أو مؤسسات  وطنية وإقليمية ودولية ، وستحتاج اليمن إلى الكثير من العمل بعد انتهاء الأزمة للوصول إلى  حرية تعبير مقبولة ومنتج إبداعي جيد.