Fri,May 09 ,2025

العنف ضد الاطفال من منظور ثقافى
2025-04-23
ها هم الأطفال ينقسمون إلى عدة شرائح تتطلب كل شريحة منها الدعم والرعاية والمعاملة الحسنة والبناءة.
والأطفال في كافة شرائحهم المختلفة غالبا ما يتعرضون للعنف الذي يتعدى كونه معاملة سيئة يلفها الصمت المجتمعي إلى ثقافة مجتمعية يكرسها سوء الفهم للتشريعات السماوية من جهة، وارتباط مجتمعي وثيق بالعادات والتقاليد.
وينقسم الأطفال الآن ومع التقسيمات الجديدة والتي لم تكن موجودة ربما منذ قرن مضى إلى أطفال الشوارع والأطفال الأحداث والمتسولين بالإضافة إلى الأطفال الذين جاء ذكرهم في الديانات السماوية وهم الأيتام.
وظهرت العديد من القضايا المتعلقة بالأطفال خصوصا مع نشوء المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة.
وقد أصبحت هناك قضايا مهمة بتداولها الإعلام العالمي والتي تخص الأطفال والتي من الممكن أن نذكر منها العنف ضد الأطفال واستغلال الأطفال وعمالة الأطفال...الخ.
ومما يكرس للعنف كقضية مهمة أو كقضية القضايا أنها هي القضية الوحيدة ربما التي لا تحتاج كثيرا إلى بيانات كمية للعنف على اعتبار أن العديد من قضايا الأطفال يستطيع الباحث أو الناشط التعامل معها بمجموعة من البيانات الإحصائية والكمية التي تعطي صورة دقيقة مثلا عن عدد الأحداث في السجون.. أو على سبيل المثال صورة دقيقة عن الأطفال في الشوارع على اعتبار أن هذه الظواهر يمكن تحديدها بدقة وبالتالي يمكن وضع برامج لها تقلص من هذه المشكلة أو تلك وذلك بخلاف قضية مثل قضية العنف ضد الأطفال.
العنف ضد الاطفال من منظور ثقافي
ما يميز قضية العنف ضد الأطفال هي إنها تناقش مفهوم أكثر من مناقشتها لبيانات إحصائية أو كمية وأطفال الشوارع يتعرضون للعنف وأساسا وجودهم في الشارع بعيدا عن المدرسة وأجواء الرعاية والنمو الصحيح يعتبر شكلا من أشكال العنف وكذا الأمر بالنسبة للأحداث في اتجاههم للانحراف في الغالب يكون بسبب العنف و أساليب العقاب التي يتعرضون لها أيضا تعتبر عنف وخصوصا إذا ما أخذنا نزوع بعض الدول إلى عقاب من هم دون الثامنة عشرة بعقوبات أقر العالم بأكمله بعد جواز وقوعها على الصغار بأي شكل من الأشكال وكذا الأمر بالنسبة للأطفال العاملين وهم الذين فقدوا طفولتهم وعاشوا ضمن آلة طاحنة تطحن طفولتهم في سبيل أن تظل هي متحركة وتعمل فعملهم يعتبر عنف بشكل من الأشكال وتركهم للتعليم وأجواء النمو الصحيح يعتبر وبشدة شكلا من أشكال العنف.
ولأجل ذلك قلنا إن قضية العنف ضد الأطفال هي قضية القضايا وهي التي يصب بداخلها مجمل قضايا الطفولة فهي كما تحدثنا سابقا قضية مفهومية يمكن علاجها عبر معرفة جوانبها المختلفة وخصوصا من الجانب الثقافي الذي سيكون محور اهتمامنا في هذه الورقة وكذا من ناحية تكريسها ضمن ثقافة الشارع و سلوكه ونشاطاته.
وتوصف الثقافة في علم الأنثروبولوجيا بأنها " ذلك الكل المركب المتكون من القيم والمعايير والأعراف والعادات والتقاليد والمعتقدات والشرائع والفنون والآداب والوسائل المستخدمة في الحياة اليومية في أي مجتمع من المجتمعات "
عرفت الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل العنف الموجة ضد الأطفال ب " كافة أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو العقلية أو الإهمال أو المعاملة المنطوية على إهمال أو إساءة المعاملة أو الاستغلال بما في ذلك الإساءة الجنسية "
وقد عرفت منظمة الصحة العالمية العنف في تقريرها العالمي حول العنف والصحة بـ " هو الاستخدام المتعمد للقوة والطاقة البدنية المهدد بها أو الفعلية ضد أي طفل من قبل أي فرد أو جماعة تؤدى إلى أو من المرجح للغاية أن تؤدى إلى ضرر فعلى أو محتمل لصحة الطفل أو بقاؤه على قيد الحياة أو نموه أو كرامته "
كما أن للعنف تعريفات أكثر في العديد من الأدبيات المعاصرة والتي حاولت أن تكشف عن مفهوم العنف من جوانب مختلفة ومن هذه التعاريف أيضا تعريف العنف بأنه " استخدام وسائل إكراهية لتحقيق الأهداف " وكذا هو " القوة الجسدية التي تستخدم للإيذاء أو الإضرار " وكذا يتم تعريف العنف على أنه " عدوان متطرف يهدف إلى إحداث ضرر بالغ أو تحطيم للأشخاص أو الأشياء أو التنظيمات "
ومن التعريفات المهمة للعنف أنه " نشاط تخريبي يقوم به الفرد لإلحاق الضرر والأذى المادي أو الجسدي أو المعنوي كـ السخرية أو الاستخفاف "
وهو أي العنف " سلوك أو فعل يتسم بالعدوانية يصدر عن طرف فردا كان أو جماعة أو طبقة اجتماعية أو دولة بهدف استغلال وإخضاع طرف آخر في إطار علاقة قوة غير متكافئة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا مما يتسبب في إحداث أضرار مادية أو معنوية أو نفسية لفرد أو جماعة أو طبقة اجتماعية أو دولة أخرى".
عرفت الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل إن الطفل " كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه ".
وعرفت القوانين اليمنية وبالأخص القانون رقم (45) لسنة 2002م بشأن حقوق الطفل إن الطفل " هو كل من بلغ السابعة عشرة من العمر ولم يبلغ سن الرشد".
هناك نواجد مكثف للعنف اللفظي في اليمن واليمن دولة إسلامية وفي الغالب لا يوجد هناك تكريس للعنف اللفظي ضد الأطفال ويقصد هنا العنف اللفظي بشكل عام الذي يحتوي على ألفاظ جارحة أو الداخلة في إطار القذف وكذا الأمر بالنسبة للألقاب والتي تدخل في حال كونها ألقابا سلبية ضمن العنف الموجه ضد الأطفال إلا أنه في الغالب يكون اللقب هنا إيجابيا ويأتي على سبيل المزاح أو التحبب.
والعنف اللفظي هنا في اليمن لا يحدث في الغالب داخل نطاق الأسرة بقدر ما يمارس في الشارع وخصوصا بين الأقران و الذين يدخلون في عراكات سريعة تتخللها ألفاظ مهينة لبعضهم البعض ولكنها تتميز في الغالب كونها سريعة الاشتعال وسريعة الانطفاء بالنسبة للأطفال فيما بينهم البين.
وهناك ألفاظ تدخل في باب العنف تمارس على الطفل في محيط البيت أو الشارع أو المدرسة من الكبار وتأتى هذه الألفاظ لأسباب ربما تأتى من الطفل نفسه كـ العصيان بالنسبة للوالدين أو العراك مع الأطفال الآخرين أو الكبار في محيط الشارع أو التأخير عن الحضور أو العراك مع الأقران في محيط المدرسة.
وتتغير الألفاظ من بيئة إلى أخرى فالألفاظ في البيت تتعلق كما قلنا بالعصيان للوالدين فتكون في الغالب متعلقة بهذا الشأن كنعته بالعاصي.. أو العنيد والمشاغب أو المتمرد والألفاظ في العموم هي عنف لفظي يكون سابقا للعنف الجسدي ضد الطفل في حال استمراره فيما يغضب والديه.
يحدث العنف اللفظي عن طريق أو نعت والد الطفل بلفظة جارحة من قبل والدته أو نعت والدة الطفل بلفظة جارحة من قبل الأب ويأتي هذا من قبيل تصفية الحسابات بين الزوج والزوجة بشكل غير مباشر ولكنه يترك أثرا واسعا على الطفل في محيطه الأسرى من جانب عدم إحساسه بالأمان ومن جانب افتقاده لاحترام أبوية مع مرور الزمن من جانب آخر.
أما عن الألفاظ التي تلقى في الشارع أثناء العراك فغالبا ما تكون جارحة جدا وفضائحية " إن صح التعبير " بين الأقران أو بين الأطفال والكبار ويكون هذا على سبيل المزاح أو حتى على سبيل الجدية عند الدخول في عراك لسبب أو لأخر وهذا أيضا يحيط الطفل بآثار ليس أقلها التعلم من الشارع لألفاظ جارحة تدخل في نطاق القذف تظل معه إلى النضوج ويستعملها حتى وهو ناضج ضم نطاق أسرته أو مجتمعه.
أما على نطاق المدرسة فـ العنف اللفظي في الغالب يخرج عن كونه ضمن الأسباب السالفة الذكر ولكنة هنا يتعلق بمدى نشاط الطفل و ذكائه و مواظبته في الدراسة وفي الغالب ما يتم إهانة الطفل وتوجيه العنف اللفظي له في حالات يكون فيها الطفل مقصرا في أداء واجباته أو غير قادرا على حل بعض المسائل أو لمشاغبته داخل الصف أو لتأخيره عن المدرسة واللفظ هنا يدخل من باب التأنيب ويكون في الغالب كـ"" يا غبي.. يا مشاغب.. يا حمار.. الخ "
في هذا البيئات الثلاث التي تحيط بالطفل وتشكله ليكون رجلا في المستقبل أو امرأة غالبا ما يكون للإساءة اللفظية وقع كبير على الطفل وتنشئته ومدى مخزونه الفكري الذي يتحول إلى سلوك مع الأيام يربى الطفل معه في دائرة ربما أصبحت مغلقة يتوارث فيها الأطفال الألفاظ السيئة والحسنة من المحيط الأسري والمدرسي ومحيط الشارع ليورثها بدوره للأجيال القادمة.
العنف الجسدي في اليمن
يعانى الأطفال في اليمن من العنف الجسدي بشكل كبير وحتى غير مقنن سواء كان التقنين عن طريق الدين أو الشرائع الوضعية وحتى عبر الأعراف.
فالضرب الذي يصيب الأطفال في اليمن لا يحترم على سبيل المثال الدين في نهى الدين عن الضرب المبرح أو الضرب في أماكن معينة كالوجه على سبيل المثال بل أن الفاعل هنا وهو الأب أو الأم فى حال اندمج في تعنيف طفلة عبر التأديب الجسدي " مع التحفظ على مفردة التأديب " يضرب كيفما اتفق وفي أي مكان حتى يفرغ غضبه.
وهذا يشكل خطورة فعلية على الطفل وخصوصا إذا كانت لبعض الضربات في بعض الأماكن نتائج سلبية على الطفل وسلامته الجسدية.
وبالنسبة للشرائع الوضعية فلم يوجد حتى الآن أي تقنين للعنف ضد الأطفال أو حتى تجريمه أو حتى تحديده حتى في حال كونه ذو آثار مدمرة على الطفل.
وبالنسبة للأعراف ففي الغالب تتيح للوالدين الحق في كل شئ بالنسبة للأطفال وذلك حتى في الضرب المبرح أو التأديب على اعتبار أن الأعراف وخصوصا الأعراف القبيلة اليمنية ما زالت تؤمن وبشكل كامل على أن الولد وما ملك لأبية وهذا يعطي الحق للأب حتى في قتل طفله من دون أن يعاقب.
وبالنسب للعنف في الشارع وهو هنا عنف الأقران فغالبا ما يدخل كما قلنا سابقا في باب العراك بين الأقران وهو في الغالب يخرج عن كونه جاعلا من الصبي أو الطفلة مفعولا به إلى كونه فاعلا ومفعولا به ضمن العراك الذي يدخل فيه الأطفال بينهم البين وهذا وإن كان يفرغ شحنات الغضب التي يعانيها الطفل في البيت أو المدرسة إلا أن له أثارا سلبية على الطفل من حيث زرع بذرة العدوانية في تنشئته وكذا افتقاده لقيمة الحوار السلمية في حياته بمجملها وجعل العنف واحد من أهم الحلول لمشكلاته المعاصرة وهو طفل ومشكلاته حتى عندما يصبح ناضجا.
والعنف في المدرسة يدخل أيضا في باب العنف لأجل التأديب والتنشئة ورغم أن المدرسة تعتبر من أهم البيئات التي يتربى فيها الطفل إلا أن المدارس هنا في اليمن تعتبر محفزة على العنف وعلى تنشئة الطفل ضمن نطاق عنفي عن طريق التأديب العنفي الذي تمارسه المدارس عبر مدرسيها والذي يكون عنفا لفظيا كما ذكرنا أنفا أو عنفا جسديا يدخل في باب العقاب المشروع " كما يقال " وذلك لمصلحة الطفل.
وطبيعي أن العنف لا مشروعية له ولكن العديد من العادات والسلوكيات المجتمعية التي جعلت من هذا العنف الموجة ضد الأطفال ذو مشروعية مجتمعية تأخذ من التنشئة والتأديب والتربية أسباب مشروعيتها.
العنف عبر الإهمال أو المعاملة المنطوية على إهمال
من هنا نأتي إلى قراءة أوضاع شرائح عدة من الأطفال فـ العنف هنا وهو القائم على الإهمال أو المعاملة المنطوية على إهمال يمكن إثباته عبر العديد من شرائح الطفولة ومن ذلك أطفال الشوارع والأطفال العاملين الأحداث ) وكذا عبر قضايا مرتبطة بالطفولة مثل التسرب من التعليم وخصوصا للفتيات حتى نصل إلى التشويه التناسلي والزواج المبكر الذي يكون عنفا ضد الأطفال من الإناث والذي يكون تمهيدا لعنف مدى الحياة ينطوي تحت أسم العنف الموجه ضد المرأة.
إن كل هذه القضايا ترتبط بالعنف بشكل مباشر وقوي فـ الإهمال في تربية الطفل وتوفير متطلباته الغذائية والصحية والتعليمية والترفيهية هو عنف وعنف مباشر وقوي ضد الطفل.
وكذا الإهمال في احتضان الطفل وحمايته من الشارع والعنف المرتبط بة وقذفه إلى العمل أو إلى الجريمة هو عنف وعنف مباشر ضد الطفل.
ومنذ الولادة غالبا ما يتعرض الطفل للإهمال الذي يمكن تصنيفه كعنف ابتداء من أساليب الاعتناء التقليدية بالطفل وانتهاء بأساليب النظافة والاعتناء بالصحة وليس انتهاء بالحماية من الأمراض الفتاكة عبر التحصين فهناك الكثير الذين لا يحصنون أطفالهم من الأمراض القاتلة وهذا يعتبر عنفا في الأساس سواء كان ناشئ عن تكاسل وتقاعس أو ناشئ عن قيم ومفاهيم عرفية لا تحفز على الحماية الصحية الحديثة للطفل.
وإن إهمال الطفل في الشارع وما قد يتعرض له من إنتهاكات جسيمة جسديا أو جنسيا يعتبر عنفا يضاف إلى العنف المترتب عن الانتهاك نفسه.
ويجب أن تتوفر للطفل أقصى درجات الحماية والرفاه والتنمية لشخصيته وفكرة وعقليته ومواهبه وأي تقصير في جانب من هذه الجوانب أو إهمال يعتبر عنفا.
العنف عبر الانتهاكات الجنسية
لا ندعى هنا بأننا بلد محافظ وإسلامي فنحن كذلك فعلا.. ولكن هذا لا يعنى أن نغض الطرف عن قضايا الانتهاكات الجنسية التي تصيب الأطفال في مجتمعاتنا نحن راكنون إلى أن الدين الإسلامي والعرف الاجتماعي قد عمل على خلق مصدات حماية للأطفال قد لا تتوفر لدى المجتمعات الأخرى بل بالعكس ففي أجواء السرية والكتمان تنشأ أفظع الظواهر وتقوى لتصبح بعد فترات من النمو غير قادرة على العلاج.
وبديهي أن الانتهاكات الجنسية هنا في اليمن قد تعتبر أقل من مثيلاتها في بعض الدول ولكن هذا لا يعنى أنه لم تصل المشكلة إلى حد الظاهرة التي تستوجب العلاج ولكن يجب الإسراع في علاجها قبل أن تستفحل.
والعوامل التي تدفع إلى انتهاك الطفل جسديا في الغالب هي المعاملة بإهمال أو المعاملة المنطوية على إهمال من جانب الآباء والأمهات والأسر بشكل عام وكذا مقدمي الرعاية والحماية للطفل في محيط الأسرة والمدرسة وكذا المؤسسات الرعائية والعقابية لشرائح معينة من الأطفال.
وقد يكون هناك انتهاك وعنف جنسي يصاب به الأطفال من مقدمي الرعاية له وهنا تأتى دور الحكومة وصناعتها للتشريعات التي يجب أن تكون أكثر قوة في العقاب على المنتهكون وكذا يأتي دور مؤسسات المجتمع المدني في الضغط والمناصرة والترويج والتوعية بقضايا الطفولة عامة وحقوق الطفل خاصة ومناهضة العنف ضد الأطفال والعنف الجسدي بشكل أخص.
التكريس الثقافي للعنف ضد الأطفال والقبول به
عنف التراث وعنف الحداثة
يزخر التراث اليمنى بالعديد من الأمثال الشعبية والمفاهيم والعادات المتوارثة التي تحفز على العنف ضد الأطفال ومما يميز العنف هنا أنه ليس عنفا لغرض العنف نفسه ولكنه يأخذ مشروعيته كنوع من التأديب وأساليب التنشئة المتوارثة من الكبار إلى الأجيال التالية عبر الزمن.
إن العنف الممارس في محيط الأسرة على سبيل المثال يأخذ مشروعيته من قيم أن الوالد هو المالك الوحيد للطفل وأن من حقوقه أن يعمل على تربية طفلة بالطريقة التي يريدها سواء كانت هذه الطريقة عنيفة أم لا وهذه هي قيم الشارع التي كرسها العرف وأصبحت سلوكيات مجتمعية ذات قوة عجيبة , وحتى أنه في الغالب لا يتم حتى عتاب الأب حتى ولو كانت طرق التربية التي يكرسها في التعامل مع أطفاله تدخل في باب العنف الجسيم الذي يصيب الطفل إصابات بالغة وهذا ما يسببه التجاهل المجتمعي لكم العنف الممارس في البيوت والذي يكرسه مستوى الخصوصية في الأسرة اليمنية وتفشى الإحساس بأن البيوت أسرار وكذا مدى الإحساس من قبل الوالدين بأن مملكتهم جزء لا يتجزأ منهما وأنهما يستطيعان التعامل مع رعاياهم كما يريدان.
إن مفاهيم العنف المتوارث وكذا أجواء السرية المحاطة بها البيوت اليمنية بشكلها المنغلق على نفسها وكذا مدى الإحساس بملكية الطفل يجعل من العنف الممارس ضد الأطفال منهجية مجتمعية ولا يوجد أي تكريس لاستئصالها على مستوى الشارع والأسرة اليمنية وهذا من ناحية التراث وما يبثه في الأسرة اليمنية من قبول العنف كشكل من أشكال التربية والتأديب والتنشئة الاجتماعية.
ومن ناحية الحداثة فـ العنف في الحداثة غالبا ما يتركز حول آلياتها التي تروج من خلالها العنف كالتلفزيون والسينما والعاب الفيديو والمجلات وأفلام الكارتون وكذا الأفلام المخصصة للكبار والتي تدخل في باب العنف والتشويق والإثارة والرعب والأفلام البوليسية بمعنى شامل.
إن ما تبثه الحداثة من مفاهيم جديدة للعنف في أوساط الكبار والنشء والصغار يعمل على تكريس العنف والقبول به كنوع من أنواع العقاب أو الانتقام ضد الشر أو البحث عن حل بوليسي لقضية معينة.
وكذا الأمر مع ألعاب الفيديو والتي تعمل معظمها على بث أشكال من العنف في صفوف الأطفال و الذين يتعاملون ويتلقون العنف من خلال الشاشة ولا يلبث الأطفال أن يصبح العنف جزء من تركيبتهم النفسية والجسدية في تعاملاتهم مع الأقران أو حتى مع الكبار ولا يلبث الأطفال أن يعتبرون أن العنف هو أول الحلول للقضايا التي يحتكون بها بشكل أو بأخر في محيط الأسرة أو الشارع أو المدرسة.
ما هو التأديب.. ما هي التنشئة
السؤال هنا هل التأديب هو جعل الطفل أكثر إطاعة ولي الأمر من خلال الضرب والإهانات اللفظية والعنف الجسدي.. هل التنشئة هي جعل الطفل مصابا بعقد نفسية ناتجة عن ميراث طويل يمتد على مراحل طفولتهم المختلفة.
إن التأديب في النهاية هو جعل الطفل يمارس صفاته الصدق والطاعة والقيام بالواجبات الدينية والتعليمية والسلوكية بمعنى شامل على أتم وجه وبشكل ليس فيه انتهاكات للطفل ويمكن جعل الطفل ملتزما بالآداب والقوانين عن طريق مساقات أخرى غير العنف. ومما يؤسف له أن الكبار ومسئولي الرعاية على الطفل في محيط الأسرة والشارع والمدرسة والمؤسسات الرعائية والعقابية يلجأون إلى أسهل الطرق في جعل الطفل أكثر التزاما وهو العنف بشقيه اللفظي والجسدي مع أن الكثير من طرائق التربية ما زالت غير مطروقة لدى الكثير من المسئولين عن الأطفال.
وقد يقول قائل إن الكثير من الأطفال لا يريدون الفهم عن طريق الحوار أو الممارسة الفعلية للآداب أمامهم مما يجعل من العنف كطريقة للتأديب هو الحل الأكثر فعالية في التعامل مع الأطفال ومن هنا يكتسب العنف مشروعيته فالطفل على سبيل المثال كما يقول القائل هنا قد لا يريد الفهم عن أن المشي في الطريق يجب أن يتم عند الإشارة المرورية الحمراء حتى ولو مارسها والده أمامه عشرات المرات ولكنه يلتزم عند أول مرة عندما يأتي هذا التوجيه مصحوبا بالضرب.
وهذه فكرة خاطئة في الأساس والقائل هنا لا يعرف أي أسلوب من أساليب التنشئة القائمة على الحوار والممارسة الحياتية عند الطفل فالطفل في السبع السنين الأولى على سبيل المثال كائن صوري يكتسب الكثير عبر عينية ومن هنا تأتى أهمية ممارسة الآداب والشعائر والسلوكيات الجيدة أمامه لينشأ عبر التقليد لهذه السلوكيات دون الحاجة إلى العنف هذا من جانب.
ومن جانب آخر فإن العمل على أن يكون أسلوب التعامل مع الآباء ومقدمي الرعاية للطفل هو الحوار واكتشاف مواهب الطفل ومحاولة إشراكه في القرارات وخصوصا التي تمس حياته سيجعل من الطفل غير سلبي ويعمل على أن يمارس حياته طفلا وشابا ورجلا دون الحاجة إلى العنف وإن التربية والتنشئة قد تكون متعة لدى الآباء ومقدمي الرعاية للأطفال إذا كان العنف بعيدا عن الجميع وأساليب التربية الصحيحة هي الغالبة في التعامل.
إن العمل على مناهضة العنف بكافة أشكاله مشروع كالتأديب والتنشئة أو غير مشروع كـ الانتهاك الجسدي والجنسي سيعمل على خلق طفولة سعيدة وهذا ما يسعى إليه الجميع.
دور الشركاء في مناهضة العنف ضد الأطفال
والسؤال هنا من هم الشركاء أولا.. إن الشركاء في عملية خلق طفولة سعيدة خالية من العنف هم الأسرة والشارع والمدرسة ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الرعائية والعقابية والحكومة بشكل عام هذا بالإضافة إلى الجامعات ومراكز البحوث والإعلام ومنظمات المجتمع المدني البحثية أو الراصدة بالإضافة إلى المانحين.
ومن جانب الأسرة يفترض أن يكون دورها هنا في مجال الطفولة هو دور يعمل على تنمية الطفل التنمية الصحيحة الخالية من العنف والخالية من الأمراض وذلك عبر العناية بالطفل من الأمراض التي قد تصيبه نتيجة الإهمال أو المعاملة المنطوية على إهمال.
وكذا بالنسبة للأسرة وبصفتها النواة الأولى للمجتمع وبصفتها الحاضنة الأولى للطفل أن تعمل على تنمية مواهب ومدارك الطفل بكل الطرق المتاحة التي قد تستطيعها الأسرة حسب موقعها من مستويات الدخل فالطفل سواء كان من أسرة فقيرة أو غنية يجب أن يكون سعيدا وقويا والفقر لا يبرر للعنف من جانب الأسرة على الطفل فمهما كانت إمكانيات الأسر إلا أنها ستظل قادرة على أن تقدم للطفل حتى ولو أدنى أشكال الرعاية والخدمة بما يضمن على الأقل صحة الطفل وكذا نموه في جو غير عدائي وغير عنفي.
والطفل عموما يجب أن يعامل بالطريقة التي تتناسب مع سنه وقدراته ففي الشارع يجب أن يكون هناك شكل مجتمعي من أشكال الحماية للطفل وخصوصا من الانتهاكات الجسدية والجنسية وكذا من أشكال العنف بين الأقران.
وإن من واجب مؤسسات المجتمع المدني وتنويعاتها المختلفة القيام بالضغط على الحكومات لتبني قوانين أكثر ملائمة لحقوق الطفل وكذا أكثر قوة وحزم في مجال حدوث انتهاكات على الأطفال وكذا دورها في مناصرة قضايا الأطفال والتوعية بها والترويج لها في الحياة العامة وداخل المجتمع بما في ذلك التوعية والترويج بمخاطر العنف ضد الأطفال وكذا من واجب مؤسسات المجتمع المدني القيام بعمليات الرصد والبحث والإحصاء حول أشكال العنف ضد الأطفال سواء في المؤسسات الرعائية والعقابية أو في الشارع عبر عمالة الأطفال وأطفال الشارع أو عبر الأسرة فرصد قضية العنف ضد الأطفال وبحثها ومعرفة أبعاد تكويناتها و مخاطرها وأوجه قوتها وانتشارها هو السبيل الأمثل لمناهضة العنف ضد الأطفال على وجه الخصوص وحقوق الطفل بعامة وكذا يأتي دور مؤسسات المجتمع المدني عبر العمل على مشاركة الطفل وخصوصا أصحاب المواهب من الأطفال في معرفة وجهة نظر الأطفال في العنف ضدهم واحترام وجهة النظر هذه والترويج لها ومناصرتها.
أما بالنسبة للجامعات فيجب أن تعمل على أن تكون في مساقاتها التعليمية والتدريبية مساقات تتعلق بحقوق الطفل وكيفية العمل على ترويها وجعلها أكثر انتشارا في السلوك المجتمعي لجميع الأشخاص الذين يحيطون بالطفل وكذا من دور الجامعات أن تكون رافدا للمجتمع بما فيه الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني بكوادر مؤهلة للتعامل مع الأطفال وحتى مع مقدمي الرعاية لهم ومن واجب الجامعات بالإضافة إلى مراكز البحوث أن تعمل على رفد الشارع الثقافي بالعديد من الدراسات النظرية والمقارنة التي تعمل على إظهار مشكلة العنف ضد الأطفال وحقوق الطفل بعامة ومدى أهميتها وكذا مدى التكريس لها والكيفية العلمية لمناهضتها لتدخل مناهضة العنف ضد الأطفال عصر أكثر احترافية وانتشارا ومردودية.
وإن من واجب منظمات المجتمع المدني العالمية والتي تعمل خصوصا في مجال الرصد والبحث وإصدار التقارير العمل على أن تكون تقاريرها متاحة بشكل أكثر للمهتمين والنشطين وكذا على مستوى الشارع وذلك لجعل قيمة المعرفة بمدى مخاطر العنف ضد الأطفال ذات أولوية قصوى وخصوصا إذا اعترفنا بمدى الهوة في الجانب البحثي والمعلومات في جانب العنف ضد الأطفال بل وحقوق الطفل والحقوق الإنسانية بعامة لدى الكثير من العاملين في هذه المجالات في المجتمع المدني وخصوصا هنا في اليمن بينها وبين العمل الاحترافي الذي تمارسه المنظمات والشبكات العالمية في هذا المجال.
وإن العمل على مستوى مؤسسات المجتمع المدني العالمية في مجال التدريب والتأهيل للكوادر العاملة في مجال العنف ضد الأطفال يجعل من التعامل مع هذه القضية أسهل وأكثر مردودية على مستوى الشارع المحلي.
أما بالنسبة للحكومات وهي ذات الصلة بشكل أكبر بالتشريعات " المساق التشريعي " وبالحكم " المساق القضائي "وبالعقوبات " المجال التنفيذي " دور مهم في محاصرة قضايا العنف ضد الأطفال وخصوصا الانتهاكات الجسيمة ذات الطابع الجنسي أو تهريب الأطفال أو العنف الجسيم من جانب الآباء ومقدمي الرعاية للأطفال عبر إصدار تشريعات تعمل على مناهضة العنف ضد الأطفال وكذا الحكم وتنفيذ الأحكام على مرتكبي قضايا العنف والعنف الجيم ضد الأطفال سيعمل على المحاصرة الفعلية للعنف ضد الأطفال على جميع المستويات.
وللحكومة أيضا دور في مجال التوعية والترويج لحقوق الطفل ومناهضة العنف ضد الأطفال بما تملكه من ماكينة إعلام ضخمة تؤثر وبشكل كبير على السلوك المجتمعي ولو على مستوى تدريجي.
وهنا نأتي إلى دور الإعلام وأهميته القصوى في هذا المجال فـ الإعلام هو الآلية وهو الوسيط الأكثر أهمية في مجال نشر وتوعية المجتمع بمخاطر العنف ضد الأطفال وكذا دوره في التثقيف على حقوق الإنسان بعامة بمن فيهم الأطفال وكذا دوره الذي كان محصورا في التغطيات الخبرية إلى دور أكثر قوة عبر التغطيات الكاشفة ومحاولة التغيير المجتمعي عبر وسائط الإعلام المختلفة من الراديو والتلفزيون والصحافة والإنترنت وحتى على مستوى الهاتف النقال وهناك أدوار مهمة لكل شريك من شركاء حماية الطفل من العنف ومن الاستغلال والانتهاكات ولكن العمل على توحيد الجهود وتكريسها للعمل ضمن الطفولة سيجعل من المستقبل أكثر إشراقا.
إن حماية الطفل هو حماية للمستقبل وهذا ما يجب أن يؤمن به كافة الشركاء في حماية الطفل.