Fri,Jul 04 ,2025

التعليم والحرب في اليمن

2025-04-23


بعد قيام ثورة 1962، تم إنشاء المدارس والمعاهد المهنية للذكور والإناث، وتوسع التعليم في السبعينات والثمانينات وخصوصا مع إنشاء وزارة التربية والتعليم، وظهرت المدارس الخاصة والمعاهد المستقلة، وفي عدن تطور التعليم بعد الاستقلال وانضمام اليمن الجنوبي لتكتل الاتحاد السوفيتي و ابتعاث أعداد كبيرة من المتعلمين إلى هناك، وبعدها تطور التعليم أكثر بعد الوحدة اليمنية في 1990، ووصل حجم الإنفاق على التعليم إلى 23% من الإنفاق العام، مع استمرار القطاع الخاص التعليمي بالتطور حتى ثورة 2011 لتتوقف بعض عمليات التعليم بسبب التوتر السياسي.

كان التعليم حتى قبل 2014 مقبول، ويمكن حتى في بعض الأحوال تسميته بـ الجيد ولكنه سقط في براثن الحرب على اليمن لتسكن المدارس جماعات النازحين والجماعات المسلحة وتهديم البعض الأخر بسبب القصف، وتوقف أو شبة توقف صرف مرتبات المعلمين ليبدو أن التعليم في المجمل في طريقه إلى التوقف، وتوقف التعليم فعلا في 2020 مع وباء كورونا لنجد أن ظروف الحرب وظروف انتشار الوباء العالمي اجتمعت كي تضر بالعملية التعليمية في اليمن بشكل كامل.

وسنعمل على تتبع الخطط الخاصة بالاستجابة الإنسانية في اليمن وخصوصا فريق التعليم، وربط هذه الخطط بالمعايير الخاصة بالتعليم في النزاعات والتي أصدرتها الشبكة العالمية للتعليم في النزاعات، والتعرف على أماكن الخلل والقصور في الخطط الإنسانية والممارسات الحكومية وتلك المعايير الدولية للخروج بتوصيات خطط استجابة أفضل للتعليم في اليمن والحرب.

ما هو وضع التعليم قبل بدء الصراع في مارس 2015؟

لقد كانت نسب التطور للتعليم في اليمن قبل 2015م متنامية ونشطة، حيث ارتفعت المصروفات الخاصة به من 89 مليار ريال في 2000م إلى 382 مليار ريال في 2012، ومن 50 مدرسة في 1962م إلى 16109 في 2011، وتسع جامعات حكومية وأكثر من 70 معهد، وتم توفير أكثر من 3369 مركز لمحو أمية الكبار بالإضافة إلى كليات المجتمع التي كانت تقدم خدماتها في صنعاء وعدن وحضرموت وحجة وإب، وقد زاد حجم المستفيدين من التعليم بعدد يصل إلى 4،656،390 طالباً وطالبة في 2011 في التعليم الأساسي، وأكثر من 615.591 طالب وطالبة في العام 2011 في التعليم الثانوي، وما يقارب 25093 طالب وطالبة في عام 2011 في كليات التعليم المهني والتقني، واستفاد أكثر من 5786 طالب وطالبة في 2011 من كليات المجتمع في مدن اليمن، بالإضافة إلى 269055 طالب جامعي في 2011.

مع بدء الحرب على اليمن في مارس 2015، دخل التعليم مرحلة الأزمة، وتدهورت المؤسسات التعليمية مع تضرر المدارس والمؤسسات التعليمية وعدم قدرة اليمن على توفير مرتبات العاملين وتكاليف طباعة المنهج وبقية النفقات التشغيلية لقطاع التعليم، وقد بداء المانحين بدعم العملية الإنسانية، وأصبح التعليم ركن أساسي من الاستجابة الإنسانية، ولكن لم يتم دعم قطاع التعليم بالشكل الكافي بل ظلت الفجوات تتسع كل عام بين هذا القطاع والاستجابة الإنسانية، وفي ظل الفجوة الحاصلة فى الاستجابة الإنسانية ككل في اليمن وجد فى قطاع التعليم فجوات واسعة ما بين الاحتياجات الفعلية والمتوفر لتغطيتها من المانحين يتم مناقشتها في بقية الصفحات.

ما أثر الأزمة على التعليم منذ وقت الصراع

مر التعليم في اليمن بمراحل ارتفاع جودة العملية التعليمية وشموليتها وتنوع خدماتها، ومراحل انحطاط على مدى تاريخ تقديم هذه الخدمة منذ ثورة 1962، وغالبا ما تكون مراحل الحرب ذات تأثير مباشر على العملية التعليمية، وفي هذا المجال فاليمن مرت بحروب وقلاقل كثيرة في 1967، 1994، 2011، 2015، وفي الحرب الأخيرة والتي استمرت منذ مارس 2015 وحتى لحظة كتابة هذه السطور وما زالت مستمرة فقد تضرر الإنسان اليمني ضررا مباشرا متناميا في كل سنة من السنوات الماضية، ففي تقييم أثر الحرب على اليمن 2019 قيل أن كثير من الناجين من الموت يصابون بنقص نمو طيلة حياتهم إلى جانب الأثار المرتبطة بذلك على الصحة والتعليم والإنتاجية.

واعتبرت اليمن ثاني أسوأ دولة في العالم في مؤشر تنمية النوع الاجتماعي وخصوصا في التعليم والصحة بسبب من مشاركة الحرب في انهيار منظومات الصحة والتعليم، والتي وصلت إلى 40% من التضرر بسبب القصف، ويساهم أطراف الحرب الداخليين في انهيار منظومة التعليم حيث توجهت الأموال المخصصة له إلى تغطية المصاريف العسكرية والدفاعية مما أوصل اليمن منذ 2015 وحتى الآن إلى ثالث أدنى مستوى تعليمي في العالم.

إن عدد الأطفال الذين لم يتمكنوا من الاستمرار في التعليم بسبب الحرب يصل إلى 1.800000 طالب، وفي 2018 إلى 1900000 طفل، وأكثر من 2 مليون طفل في 2019، ليصل عدد الأطفال الغير ملتحقين بالتعليم إلى جميع الأطفال في اليمن بسبب الحرب وبسبب الإجراءات الاحترازية من فيروس كوفيد19 في 2020 حيث تم تعليق العملية التعليمية عبر سلطات التعليم، ومن جانب أخر فقد تضررت المدارس بشكل كبير منذ بدء الصراع حيث يصل عدد المدارس التي أغلقت بسبب تضررها الجزئي أو الكلي إلى 1100 مدرسة في 20152016، بينما تضررت 2531 مدرسة في 2017.

مع تطور النزاع أصبح إغلاق للمدارس يتم على مستوى مدن بأكملها كما في مدينة الحديدة حيث أغلق أكثر من ثلث المدارس في 2018، بينما يصل عدد المدارس الغير صالحة للاستخدام في 2019 2020 إلى 2000 مدرسة، وتأتي مشكلة رواتب المعلمين كأحد المشكلات الرئيسية في العملية التعليمية حيث توقف تدفق الرواتب لهم منذ 2017، حيث واجه أكثر من 166000 مدرس صعوبات في تلقي رواتبهم منذ أكتوبر 2016 ليستمر هذا التوقف خلال بقية السنوات حتى هذه اللحظة، وإن كان هناك بعض التدخل من الوكالات الأممية والمنظمات الدولية لسد بعض الاحتياجات وتقديمها لحوافز دورية للمعلمين لمساعدتهم على الاستمرار في التعليم حيث قدمت حوافز مالية لعدد 142000 معلم في 11 محافظة يمنية في 20192020.

وعلى مستوى المنهج الدراسي فقد توقفت بشكل جزئي عملية الطباعة للمناهج الدراسية مما سبب قصور في المناهج التي يحصل عليها المتعلمين من الطلاب لتأتي الاستجابة الإنسانية بمحاولة تغطية هذه الثغرة التعليمية من خلال دعمها الكتب والمستلزمات في 2015، وبرنامج التعليم التعويضي لما يقرب من 600000 طالب في 2016، وتقديم اللوازم المدرسية لعدد 780000 طفل في 2017، ووفرت الخدمات التعليمية في المدن المتضررة من النزاع وعددها 21 محافظة يمنية، ومن ضمنها كتب المنهج الدراسي في 2018، وما يقارب 1500000 طفل سيحصلون على المناهج والوسائل التعليمية في 2019، وأكثر من 1748927 في 2020.

وبسبب من الحرب تفتقر العملية التربوية مشاريع توسيع ودعم الأنشطة الاجتماعية والدعم النفسي والصحي للطلاب والمعلمين للتخفيف من أثر النزاع فما يتم تغطيته لا يستوعب الا القليل من الأطفال بالرغم من الاحتياج الكبير حيث أثبتت بعض الدراسات عن تعرض الأطفال للاضطرابات النفسية والاكتئاب والقلق واعتلال الصحة.

في هذا المجال فقد تم عمل مراكز صديقة للطفل ومراكز مؤقتة للتعليم تقوم بعملية الدعم النفسي والاجتماعي واستفاد 162733 طفل متعلم من خدماتها في 2015، والوصول إلى 65% من الأطفال المحتاجين للمساعدة النفسية والاجتماعية في 2016، وأكثر من 423000 طفل في 2017، وكذا 430000 طفل في 2018، واستفادة 795000 طفل من البرامج المتخصصة في 2019، وأكثر من 463865 طفل في 2020.

وعلى مستوى الفئات المتخصصة فقد ضربت الحرب فرص استمرارهم في التعليم وخصوصا الفتيات، والأشخاص ذوي الإعاقة، والأطفال في الريف، بشكل جعل من استفادتهم من التعليم في مرحلة الحرب سيئة ومرهقة ومكلفة، وخصوصا في ظل قلة الموارد الخاصة بالاحتياجات الإنسانية وتوفرها في اليمن عبر المانحين، فقد أغلقت الحرب منذ انطلاقها منذ 2015 وحتى اللحظة معظم المراكز التعليمية الخاصة بذوي الإعاقة بما يصل إلى 300 مركز تعليمي خاص بهم وكان يقدم خدماته لأكثر من 130000 معاق، وفي الجانب المتعلق بتعليم الفتاة فقد وصل نسب الفاقد في الفتيات اللواتي يتسربن من التعليم إلى 1.5 أكثر من الذكور وأكثر عرضة بنسبة 9 أضعاف عن الذكور لفقدان التعليم، وفي نسب متفائلة تمت الاشارة إلى 79%من إجمالي الفتيات لم يعد بمقدورهن مواصلة التعليم.

لقد تضرر التعليم في اليمن كثيرا خلال خمس سنوات من الحرب وفي كل المجالات وزاد على ذلك انتشار وباء كوفيد 19 ليصبح واقع التعليم متوقف رغم أهميته في تنمية الإنسان والطفولة وصون كرامة الإنسان وحقوقه وتقليل الأثر النفسي والاجتماعي للصراعات ولكن لربما كان لبقية هذه الورقة قدرة على تقديم حلول لهذا الواقع المؤلم للتعليم في اليمن.