Thu,Jul 03 ,2025

الأطفال في الضواحي اليمنية

2025-04-23


إن القيام بالتطوير في مجالات التعليم والصحة والأمن والثقافة للقاطنين في الضواحي يعتبر ضرورة ملحة حتى لا تصبح على المدى القصير والمتوسط بسبب الفقر و التنويعات البشرية مخزنا يصدر للعاصمة الأطفال للتسول والجريمة، وأطفال الشارع، وممارسة الأعمال التي يعتبر القليل منها ذو مستوى جيد، والكثير منها ذو مستوى متدني على كل المستويات المادية والاجتماعية والإنسانية والحقوقية.

إن العمل على المنبع يعتبر مهم لأن العمل من جانب الحكومة ومنظمات المجتمع المدني يتجه لـ تجفيف الأرضية في مركز العاصمة "وبدون إتقان حتى " أما عن مسالة سد المنبع فهذا يبدو بعيدا عن تفكير جميع الفاعلين في مجال الإنسان والطفولة.

إن من المهم معرفة إمكانية تطوير هذه المناطق وخصوصا بالنسبة للأطفال وبما يكفل لهم تطور وتنمية واسع الطيف فى حياتهم المستقبلية، وغنى عن التعريف ما يمكن أن تفعله حزمة من الدراسات النظرية الإحصائية حول أوضاع هذه المجمعات السكنية الحديثة، وتبيان ما هو المدى الذي يمكن الوصول إليه في معرفة مشاكلها الخاصة بـ بيئتها الجغرافية والسكانية.

أن الضواحي تحتاج لتأمين وتطوير الجوانب الأمنية والخدمية والحياتية ليستطيع الإنسان، وعلى الأخص الأطفال العيش بأمان، والذي يكرس أهم حق لهم وهو الحق في الحياة وعدم التعرض للخطر في بيئة تكمن فيها الخطورة على مدار الساعة على الأبواب، وعلى الحكومات والمؤسسات الغير حكومية أن تعمل فى هذه المناطق على مشاريع مهمة أخرى ومنها الإغاثية والخيرية لأسباب تتعلق بفقر سكانها، وتحتاج أعمال عاجلة في التوعية والترويج لحق الطفل في الأمان والترفيه والحياة والتعليم والصحة وكل حقوقهم في الاتفاقيات الخاصة بالطفولة وبروتوكولاتها، كما أن للجانب التعليمي والتثقيفي والتدريب والتأهيل والضغط والمناصرة أهمية في تطوير سكان الضواحي، ولفت انتباه الحكومة لهم بما يكفل رفع مستوى رفاههم، ولا نقول إلى مستوى ما يوجد في مركز العاصمة، ولكن إلى حد مقبول يضمن عيشهم الكريم، ووجود استراتيجية تطوير الضواحي أصبح مهما حتى لا تصبح عواصم المحافظات اليمنية مرتع لأطفال الشارع والأحداث والتسول والجريمة لأنها لا تعمل على تجفيف حوافها من الفقر وعدم الأمان والجهل والجوع فتسيل تلك الحواف بكل أمراض المجتمع لمراكز المدن.

إن ما ذكر في السابق لا يعنى الاهتمام فقط بضواحي صنعاء الفقيرة فالعديد من الأخبار تبين أن الكثير من الضواحي اليمنية في المدن الكبيرة التي تعيش الفقر وما يستتبعه من جريمة واستغلال وتحرش وعنف، ولكن لنبدأ بصنعاء بصفتها الأقرب للمؤسسات الحكومية وأنشطة مؤسسات المجتمع المدني، والمانحين.

إن نجاح هذه التجربة في المستقبل سيعمل على تكرارها في العديد من بقية ضواحي المدن اليمنية، والوقوف على الهامش لسنوات طويلة جعل الضواحي تتشكل على هيئة مجمعات سكنية تحمل مجموعات هائلة من القضايا التي تراكمت وأصبحت في حاجة ملحة للعلاج السريع، ولا يبدو أن تلك القضايا ضمن اهتمامات الفاعلين في الحكومة والمنظمات الدولية والمنظمات المحلية ليس في الماضي عند نشوئها، وليس في الماضي القريب عند تراكم مشاكلها، وبالتأكيد ليس في وضع الحرب الذي تعيشه اليمن.

بقدر ما تعانى الطفولة في اليمن من قصور الخدمات المقدمة لها على كل النواحي إلا أن لها في الضواحي وضعية خاصة، حيث أنها لا تعانى القصور في الخدمات المقدمة لها بل انعدامها أصلا من كل الجهات التي تدعى تنمية الطفولة من الداخل والخارج.

يرجع ذلك أن الكثير من البرامج المقدمة للأطفال تتركز في وسط المدن بالرغم من أن الضواحي ولأسباب تتعلق بنسبة الفقر الموجودة بداخلها تعتبر من أهم مصادر مشاكل مراكز المدن بسبب أن الأطفال سواء الأحداث أو العاملون أو أطفال الشارع يأتون من الضواحي للعمل أو للجريمة أو التسول، فالفقر الشديد في الضواحي يجعل من الكثير من الأسر تدفع بأبنائها لمركز المدينة للكسب بطرق مشروعة أو غير مشروعة. فلماذا لا تعالج المشكلة من المنبع.

إن الأطفال في هذه المناطق يعيشون معاناة كبيرة لا تتعلق فقط بعدم توفر تعليم جيد أو صحة جيدة وندرة وجود مرافق خدمية تعليمية وصحية، ولكنها تتعلق بالوضع الثقافي السائد والتي تسيطر عليه ثقافة الريف، والوضع الاجتماعي الذي يكرسه التجاور الحديث والذي لا يرقى لنسبة التجاور في حارات العاصمة لأسر تجاورت على امتداد نصف قرن مما يخلق انكماش الأسر على نفسها، وهذا أيضا يعتبر خطر على الأطفال من نواحي تتعلق بالاستغلال الجسدي والجنسي، وإن الوضع الاقتصادي لهذه الأسر " الفقيرة" يجعل منها مخزن لمجموعة من الأمراض الاجتماعية المنتشرة في المدينة فالأطفال ينزلون للمدينة القريبة للتسول والجريمة والعمل مما يخلق ثلاث قضايا مهمة "عمالة الأطفال- أطفال الشارع -الأطفال في نزاع مع القانون ".

بالنسبة للشباب، والغير مذكورين في الأجندة التنموية الخاصة بهم فهم ينزلون للعاصمة للقيام بالتجارة المحلية المختصة بـ"القات" حيث نجدهم وسطاء ما بين الفلاح والمستهلك في العاصمة، أو كعمال بناء، كمقدمي خدمة النقل السريع والشخصي عبر الموتور سيكل الذي بدأ ينتشر بالعاصمة بشكل يفوق المدن المزدحمة بها تقليديا مثل مدينة الحديدة، وهذا مشهد لم يكن منتشرا حتى سنوات قليلة مضت، وبالنسبة للنساء في هذه المناطق فإن الفقر يعتبر من أهم أسباب العنف ضد المرأة، ودافع أساسي لها للنزول للعاصمة للتسول أو الخدمة.

نحن هنا لا نقول أن كل الضواحي مصدرة لهذه الأمراض فهناك الضواحي الغنية، وهناك حتى في الضواحي الفقيرة الأسر العاملة وسط المدينة بشرف وقوة، وتساهم بشكل فعال في التنمية، ولكن الوضع السائد في الضواحي يجب طرحه على الطاولة ومناقشته ضمن الفاعلين في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية، ومعرفة ما الذي يمكن تقديمه للإنسان هناك.

ويعاني أطفال الضواحي من عدم وجود مدارس كافية لهم، وبالنسبة للموجودة منها فهي تعتبر أبنية غير قادرة على تقديم تعليم مقبول للأطفال، فقد بنيت بشكل سريع، وغالبا ما تكون بدون أبواب وكراسي وربما بدون معلمين، وهذا بالنسبة للخدمات المرئية، وأما للخدمات الغير مرئية فأن نوعية التعليم في الضواحي يقترب في نوعيته في القرى، والذي غالبا ما يكون متدنيا لدرجة تجعل من الطفل في مراحل متقدمة من التعليم لا يملك الأدوات التي يملكها الطفل في المراحل التعليمية الأولى داخل العاصمة.

إن انعدام الرقابة على هذه المدارس يكثر فيها الفساد لبعدها عن نشاط المصالح الحكومية المختصة التي لا تعطى في الأساس المدارس القريبة حقها في الاهتمام فكيف بالمدارس البعيدة عن المركز، وسوف نأتي لتفصيل مشاكل التعليم في الضواحي في الصفحات الخاصة بتعليم الطفل في الضواحي.

بالنسبة للصحة تعتبر الأحوال في الضواحي كارثية حيث تندر مراكز الأمومة والطفولة التابعة للدولة، وحتى بالنسبة للقطاع الخاص المكون من عيادات الإسعافات الأولية لا يجد منها الباحث إلا النادر في المحيط الجغرافي الكبير بسبب رغبة أصحاب الاستثمارات الصحية بالعمل في مركز العاصمة وشوارعها المزدحمة لضمان الجمهور والنجاح، على الرغم من أن الضواحي مناطق خطرة ليس على الأطفال فقط، ولكن على الإنسان بعامة لأسباب تتعلق بالنزاع على الأراضي بين أصحابها، ومن يسطون عليها، ومخلفات البناء التي تتراكم بسبب حمى التعمير، وعدم الاهتمام بالنظافة العامة عبر إزالة المخلفات، وبيئة الضواحي الغير معبدة ذات التضاريس الصخرية كمناطق السنينة ونقم، وذات التضاريس الترابية كشميلة وسعوان والروضة، هذا ما يجعل حق الطفل في الصحة على المحك.

بالنسبة للأطفال والأمن فإن الضواحي التي بدأ التعمير فيها ما زالت تحتوي فراغات جغرافية كبيرة، وحتى المعمر منها لم تقدم للشارع خدمة الإضاءة التي توفرها الحكومة في شوارع المدينة مما يجعل هذه الفراغات الجغرافية والظلام في الليل بيئة خصبة لاختطاف الأطفال واستغلالهم الجنسي إذا استطعنا التعرف على أن الشباب في هذه المناطق يعانون البطالة والفراغ، ووجود بيئة من اللاجئين والنازحين مما يجعل من البيئة مواتية لذلك، وكل هذا يجعلها خطرة، والحكومة غير قادرة على مجاراة التوسع في البناء العشوائي ليس بالخدمات فقط، ولكن على مستوى الأمن والضبط الجنائي وسيأتي تفصيل ذلك في باب متخصص.

في هذا الكتيب سنبدأ بالحديث عن النزاع في الضواحي كأراض جديدة، وكيف نشأت، ونشؤ النزاع بين الأهالي عليها، ودور النزاع في زيادة مستويات العنف ضد الأطفال، وتنمية ثقافة العنف بينهم، والتعرف على الضبط الجنائي، وما ينتجه عدم تواجده بالشكل الأمثل في زيادة العنف ضد الأطفال.

وسوف نتعمق أكثر في موضوع العمران، ونناقش الفراغ الجغرافي ما بين المجمعات السكنية بعضها ببعض، وأيضا التواجد الكثيف للبيوت غير كاملة التجهيز والمفتوحة للمارة بالإضافة لعدم التواجد لإضاءة الشوارع، وقرب هذه المناطق من الخطوط السريعة للسيارات، وشوارعها غير المعبدة، وعدم حصول هذه المناطق على خدمة الصرف الصحي واكتفاءهم حفر البيارات وتعبئة الجبال بالمياه مما يجعلها بيئة غير آمنة مستقبلا، ودور كل تلك الأوضاع على الأطفال من ناحية حياتهم ومستقبلهم وحقوقهم في الترفيه، والأمان الشخصي.

سيناقش الكتيب ثقافة الأطفال، وتواجد المكتبات العامة، والمكتبات المدرسية، والنوادي العلمية والثقافية، ومدى تأثر الأطفال بوجود اللاجئين والنازحين والمغتربين والريفيين في الضواحي سلبا أو إيجابا، و ستناقش قضية الصحة للأطفال عبر التعرف على مدى تواجد مراكز الأمومة والطفولة وعيادات الإسعافات الأولية والمستشفيات الحكومية أو الخاصة، وسيناقش الكتيب حال التعليم، والاهتمام بعدد المدارس الموجودة وحالتها، وتعليم الفتاة، ومدى تواجد مراكز ومعاهد التدريب والتأهيل وخصوصا من القطاع التعليمي الخاص، ومدى تواجد مؤسسات المجتمع المدني الوطنية والمحلية المهتمة بالتعليم والخدمات التي يفترض بها تقديمها.

وسيعمل الكتيب على التعرف على الخدمات الترفيهية للأطفال من ناحية وجود أو انعدام وجود فراغات للعب أو ملاعب متخصصة، وتواجد حدائق للطفل كتلك الموجودة في العاصمة، ومخاطر اللعب في بيئة الضواحي على الأطفال، ويقدم الكتيب نبذة عن منظمات المجتمع المدني في الضواحي ودورها في تنمية الأطفال وحقوقهم، والترويج لحقوق الطفل في شوارعها، ومناصرة تحديث البيئة التعليمية والصحية والثقافية والترفيهية، ومحاربة الأفكار المتطرفة والتي يمكن أن تدفع بنشوء جيل متطرف، وتقديم الفعاليات الخاصة بالأطفال بما يضمن نشوء جيل مؤمن بالحقوق الإنسانية والتنمية، وسيحاول الكتيب التعرف على تواجد القطاع الخاص في الضواحي والخدمات التي يقدمها للأطفال من القطاع الخاص الصغير والأصغر والمتوسط والكبير، ومستوى الرقابة على الخدمات المقدمة للأطفال، ودور الحكومة في الضواحي عبر تنظيم عمليات التسكين والبناء وإزالة البيئات الخطرة على الأطفال، ودورها في تعزيز مستوى الأمان الاجتماعي المحيط بهم، وتعزيز رفاه الأطفال والبرامج الخدمية والبنية التحتية.