Thu,Jul 03 ,2025

الأطفال في الضواحي اليمنية
2025-04-23
خارج نطاق الريف، خارج نطاق المدينة، خارج نطاق التنمية
غبار، وريح، وتراب يكشف طرقا غير معبدة، والمدارس مفتوحة الأبواب والنوافذ يكاد الطفل الذي يدرس بداخلها يحس بنفسه في الشارع، والفقر في كل شيء، في الثياب اهتراء، في الوجوه تعب لا يليق بطفل صغير، وبعضهم يملكون رفاه الجلوس على كرسي، وأغلبهم يدرسون على الأرض، أهي عودة لأيام الكتاتيب؟، وحتى الكتاتيب لم تكن بهذا القدر من الفقر.
إن الكتاتيب في الماضي كانت تقام في الجامع أو في بيت الفقيه، والأطفال في الماضي كانوا يملكون رفاه الجلوس على فراش ما حتى ولو كان من جلد الماعز، ولكن الأطفال في الضواحي يجلسون على أرض إسمنتية تسري بالمرض في عظامهم الطرية، ويقال والعهدة على الراوي أن اليمن فقيرة على مستوى المستشفيات الحكومية الكبيرة التي تقدم الخدمات العلاجية للجمهور في مركز العاصمة، فما بالك بالقلة المرعبة للمراكز الصحية في الضواحي البعيدة عن مركز تجمع الجماهير، والبعيدة عن اهتمام حكام تلك الجماهير.
في الضواحي، هناك مواهب مفقودة، ولا معرفة لها بما هو المسرح، ومسرح الدمى، ويفتقدون الكتب والقصص المصورة، وورش الرسم وبقية الفنون التي تقدمها مراكز الفنون ومؤسسات المجتمع المدني في العاصمة، وهناك طرق غير معبدة، وغير مضيئة، وأزقة تتوالد مكونة متاهة جديدة تضيع فيها أمان الأطفال وأحلام الشباب في تلك الضواحي الناشئة، وكل ما فيها ناشئ.
في الماضي كانت المدن العربية عموما، واليمنية خصوصا محمية بأسوار، وتفتح أبوابها لساكنيها والقادمين في أوقات محددة، وهذا كان حال مدينة صنعاء قبل الثورة اليمنية في 26 سبتمبر 1962م، والتي كانت مدينة شبه مغلقة على سكانها الذين تناسلوا فيها على مدار القرون الطويلة التي نمت فيها مدينة "سام" كما يحب اليمنيون تسميتها وتقديمها للسياح، وكما يحب الأدباء تسميتها في الكتابات الأدبية، وكانت المدينة في ذلك الوقت تغلق أبوابها مع قدوم الليل، ولا يستطيع أن يدخلها أحد، ولكن بعد انهيار النظام الأمامي على يد الجمهورية بدأت صنعاء تصبح مدينة مفتوحة.
خلال ما يقارب الستون عاما كانت المدينة تتوسع حتى أصبحت كما هي عليه اليوم بصفتها العاصمة السياسية لليمن بعد الوحدة، وتاريخيا كان التوسع يتم في المناطق القريبة من صنعاء، والتي حتى بعد ثورة الستينات بقليل اعتبرت أرض خلاء لا يستطيع أحد العيش فيها، ولكن بعد الثورة بدأت هذه المناطق تبنى وتستثمر أراضيها لتصبح الأن الشوارع الرئيسية، وما يمكن تسميته وسط البلد.
بعدها بدأت المدينة تتوسع لأماكن كانت تعتبر قرى بعيدة لتصبح هذه القرى نفسها جزء من المدينة، وتشكلت صنعاء كما عرفناها حاليا، وسبب هذا التزايد ليس بسبب كثرة الولادات والخصوبة لدى سكان العاصمة، ولكن بعد ثورة الستينات زادت الهجرة من الريف والمدن الأخرى للعاصمة بصفتها الحائزة على أكثر فرص التوظيف والتجارة، ومدينة اليمن المهمة على مدار الزمن، والتهمت صنعاء ما كان يسمى في الماضي بالقرى، والتي كانت منسية على الجبال المحيطة بها كقرية حدة من الجنوب، وقرية السنينة وما خلفها مثل عصر والصباحة من الغرب، وحزيز من شمال – جنوب، والمطار وما بعد المطار من الشمال، وجبل نقم من الشرق، ولاحقا أدى نشوء وتراكم الثروة لدى المغتربين، أو المنتقلين من الريف للمدينة وسكان صنعاء أنفسهم لأن يتوجهوا لحدود عاصمتهم لشراء الأراضي الزراعية والتي تحولت مع الزمن لمجمعات سكنية، ونستطيع تصنيف صنعاء كمدينة مليونية تضم بين جوانبها أكثر من مليوني نسمة من حوالي 60 ألف نسمة فقط في الأربعينات.
إن الفرص بصنعاء أكبر بكثير من المدن الأخرى كفرص العمل والعيش والتطور مما ساهم في توسع المدينة، وهذا التوسع الجغرافي ناشئ عن عدد من الأسباب، ونذكر منها الانفجار السكاني المنفلت مما يزيد من التزاحم على موارد المدينة في المركز، ويجعلها بيئة غير مناسبة لأصحاب رؤوس الأموال الصغيرة والمتوسطة للحصول على مساكن في قلب العاصمة ليبدأ الجميع سباق التمدد في الأطراف كي تمتد المدينة ملتهمة الأراضي والجبال من حولها.
من الأسباب المتعلقة بهذا التوسع طبيعة اليمنيين العمرانية وتفضيلاتهم في البناء، فقلة إعجاب اليمنيين بالعمارات كمساحات للسكن المشتركة لمجموعات من الأسر في بناية واحدة، واعتقادهم أنها نمط سكني لا يضمن الخصوصية أو التملك للعقار جعل منهم يتوسعون أفقيا في الجبال المحيطة بالمدينة، وما وراءها حيث أصبحت الأراضي ما خلف الجبال المحيطة بالمدينة تدخل حيز اهتمام الراغبين في بناء بيوت جديدة لهم، وهي غالبا بيوت من دور واحد، وتبنى من مواد رخيصة مثل الطوب والخشب فيما يسمى في الثقافة الجماهيرية الصنعاني بالبيوت الشعبية، وهذا ما جعلها مناطق جديدة تم تعميرها بدون تخطيط، ومعظمها بنيت في الليل، حتى اصطلح على تسميتها في الشارع "بيوت الليل"، وتجمع فيها الكثير من السكان من أماكن مختلفة، وثقافات مغايرة مما جعلها مناطق خطرة، وليست كما المدينة القديمة التي تعرف الأسر بعضها البعض منذ عقود من الزمن مما يجعلهم كعائلة واحدة.
لقد أدى عدم وجود ثقافة البناء العمراني الرأسي إلى أن تصبح أغلب العمارات داخل العاصمة عبارة عن مكاتب الحكومة ومصالحها أو مكاتب لمنظمات المجتمع المدني أو القطاع الخاص الكبير والمتوسط والصغير، وهناك أسباب خارجية كبعض الأحداث الإقليمية مثل رجوع المغتربين بعد أزمة الخليج الأولى، ومحاولتهم مدخراتهم التي رجعوا بها لبناء بيوت سريعة تضمن لهم البقاء بكرامة وخصوصية مما ساهم حينها في تعمير آلاف البيوت الصغيرة المعلقة على سفوح الجبال المحيطة بالعاصمة، وكلها بيوت سريعة وبدون تخطيط وعشوائية، ومن الأسباب الأخرى قدوم اللاجئين من الدول الأخرى والأفريقية على وجه الخصوص، وكذا الجنود العاملون في معسكرات داخل العاصمة الذين هاجروا مع أسرهم من القرى و غياب البنى الأساسية للعيش هناك إلى مركز المدينة.
مع الغلاء المتزايد للأراضي في المركز هربوا لأطراف المدينة، ومنهم أيضا وسطاء القات ممن يشترون القات من أسواق القرى ويبيعونه مستفيدين من فرق التكلفة، وسائقي سيارات الأجرة، والعاملين باليومية، والتجار الصغار، والعاملين لدى الحكومة، والقطاع الخاص ممن أصولهم من مدن يمنية مختلفة، وخصوصا تعز وريمه والمدن الشمالية الأخرى، وعدن التي زاد عدد من سكنوا العاصمة منهم بعد الوحدة اليمنية. وحاليا في مرحلة الحرب التي تعيشها اليمن منذ 6 سنوات تدافع النازحين من مدن يمنية متعددة للعيش في صنعاء، والبحث عن إيجارات منازل في متناول اليد، وهذا لا يتوفر إلا في الضواحي التي أصبحت مزدحمة وفقيرة، مفتقرة للخدمات بشكل مرعب.
ولا ننسى زيادة مفهوم الاستقلالية كسبب إضافي لدى الشباب في صنعاء، والذين بدأوا الخروج من الأسر الكبيرة التي تعيش في البيوت القديمة داخل العاصمة إلى إنشاء بيوت مستقلة في الضواحي بحيث يجعلهم قادرون على الدخول اليومي إلى العاصمة والعمل فيها والرجوع الى مساكنهم، وكل هذه العوامل ساعدت على تضخيم صنعاء بشكل جعل من الحكومة نفسها غير قادرة على مجاراة هذا التوسع السكاني بالخدمات التي يجب أن توفرها الحكومات لمواطنيها كالأمن والمياه والكهرباء والاتصالات، ومرورا بـ جوانب تطوير المجتمع المحلي في التعليم والصحة والرياضة، وليس انتهاء بالجوانب الترفيهية كالحدائق ومجمعات اللعب والمكتبات والنوادي الثقافية والإبداعية والرياضية.
إن مميزات الكتيب أنها تركز على فئة تسكن مناطق جغرافية لم تكن ضمن أجندة الحكومة ووكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والمحلية، ويحاول الكتيب توجيه الاهتمام لهذه المناطق لدفع الجهات الفاعلة للعمل ضمن مشاريع في المستقبل القريب والمتوسط والبعيد تعالج القضايا والمشاكل والحياة الخطرة التي تحيط بالأطفال هناك، ومن عيوب هذا الكتيب إعطائه صورة عن الأطفال في الضواحي في مدينة صنعاء فقط، ولا تعمل على مناقشة الظروف المحيطة بالمرأة والشباب والإنسان هناك على اعتبار أن الكتيب يعطي الأولوية القصوى للأطفال، ولا يغطي الكتيب الضواحي في المدن اليمنية الأخرى على اعتبار أن تسليط الضوء على ضواحي العاصمة يعتبر نموذجا كتب مشابهة ولاحقة سيقوم بها آخرون من تلك المدن، والتي يمكن أن يكون حال الضواحي فيها أكثر رداءة مثل " عدن – تعز – الحديدة – إب ".
كـ معلومات عن الضواحي فهي تنقسم لنوعين، ضواحي غنية كرستها رغبة أصحاب رؤوس الأموال بـ العيش في بيوت مستقلة بعيدة عن زحمة وضوضاء وسط المدينة، والنوع الثاني الضواحي الفقيرة التي كرستها رغبة الفقراء الباحثون عن لقمة العيش في الهرب من فحش الأسعار داخل العاصمة إلى رخص الأسعار "الإيجار أو التملك"، وكذا كرستها أن للبناء داخل العاصمة قوانين تخطيطية بينما يسيطر البناء العشوائي والشعبي والرخيص والغير آمن و المفتقر للخدمات في الضواحي.، وإن مشكلة الضواحي هو وقوعها في الحد الفاصل ما بين مجتمعين مهمين، ويتم الاشتغال عليهما وهما الريف والمدينة بينما تظل الضواحي على هامشها.
في المدينة تسيطر أنشطة البناء والتنمية والتوعية والترويج والخدمات التي تقدمها كافة المؤسسات الحكومية والخاصة وغير الحكومية لقربها من أعداد كبيرة وجماهيرية من المستهدفين، وأيضا بسبب توفر الخدمات والبنية التحتية، وبالنسبة للريف فهناك العديد من البرامج التي تعمل على تنميته و التوعية والترويج والمناهضة أمراضه الاجتماعية المزمنة المختلفة كالفقر والصحة والتعليم وخصوصا تعليم الفتاة، والزواج المبكر والتوعية ببعض الأمراض الناتجة عن نمط الحياة في الريف، وبالرغم أن الريف والمدينة هنا لا تتمتعان بالكم الكافي من التنمية بسبب أن اليمن في الأصل دولة فقيرة متخمة بالنزاعات والحروب المستمرة، إلا أن وجود بعض البرامج قد يدفع بتواجد البعض الأخر حتى الوصول للكفاية في المستقبل، بينما تصبح الضواحي المحيطة بمدينة صنعاء أو بالمدن الأخرى من المناطق المنسية، والتي لا تتواجد فيها الحكومة أو منظمات المجتمع المدني ولم يلتفت إليها المانحين العاملين في اليمن.
إن الضواحي بصفتها هذه تدفع لمزيد من التدقيق حول حياة سكانها، وكيف يعيشون ضمن هذه التنويعات البشرية المختلفة المشارب، ومن جانب الأطفال فإن الضواحي وعيوبها الجغرافية تدفع للتفكير في شكل الحياة التي يعيشها الأطفال، وما يتعرضوا له من مخاطر، وعن الفرص التي تفوتهم لأسباب تتعلق بجغرافية عيشهم على هامش الريف وما يحمله من برامج، وهامش المدينة بما تحمله من فرص للتنمية، وإن التهميش هو الموجود والنسيان من جانب كل المهتمين هو الواقع الذي يفترض أن يعيشه الإنسان في الضواحي إلى أن يتم الانتباه له.
إن الانتباه لها يعني الانتباه للطفولة لما تحمله من قضايا وأولوية في أي برنامج تنمية، وإن من البرامج التي تبدو ملحة في الوقت الحاضر كما أعتقد عمل دراسات عن الفرص والمخاطر التي يعيشها الأطفال هناك، والقيام بدراسات عن الجغرافية الخاصة بالضواحي ومدى خطورتها على حياتهم، وليس حادث الدويقة في مصر ببعيد في ظل التشابه الجغرافي في العيش على مسطحات الجبال وسفوح جبالها وحفر " بيارات " للتصريف قد تعمل على خلق انهيارات على المدى البعيد تهدد حياة السكان.