Tue,Apr 23 ,2024

ماذا نستفيد من تجربة التدوين في عصر الشبكات الاجتماعية

2021-10-03


أعتبر التدوين في أوج شهرته من الآليات المهمة في مجال الرصد والضغط والمناصرة والرقابة، وكذا للبوح بمكنونات النفس البشرية ونشر التجارب الإنسانية للمدونين، وكان من أهم آليات المشاركة الفردية والجماعية والمؤسسية في مجال الحقوق الإنسانية والتنمية والديمقراطية والثقافة والفنون والآداب, وعندما زادت قوة التدوين والمدونين في النشر والمشاركة في الحملات الوطنية والإقليمية الخاصة بقضاياهم أو قضايا مجتمعاتهم انتبهت منظمات المجتمع المدني المحلية والوطنية والإقليمية وحتى الدولية لهذا الامر، وتم العمل كثيرا وعلى مستويات محلية وعربية على بناء قدرات المدونين ودفعهم إلى أفاق أكثر احترافية في التدوين، واستخدام تأثيرهم للترويج لبعض القضايا التي كانت تعمل عليها تلك المنظمات, ومع اتجاه المدونين للتجمع ودخولهم بعض القضايا الشائكة أصبحت هناك برامج وحملات من أجل حماية المدونين بكافة أصناف تدويناهم، وكذا برامج أخرى تطالب بتوسيع مساحة الحريات لهم للتعبير.

لقد كانت فترة صعود نجم التدوين في الوطن العربي فترة ذهبية للكتاب والنشطاء للوصول لصفحات تتيح لهم التعبير بحرية عن مطالبهم ومطالبات مجتمعاتهم, وتقنيا فقد وصل البعض لمستوى من الاحترافية في مجال اختيار القوالب المناسبة, وتصميم السمات والتصنيفات بشكل ذكي لجعل مدوناتهم موجودة ومقروءة ومشهورة إلا أن الكثير منهم كانوا  في أدنى مستويات المعرفة بجوانب مهمة ترتبط بالتدوين وبالكتابة والنشر ومنها احترامهم للحق في التعبير لبعض المدونات الأخرى المغايرة عن توجهاتهم, وحق الاخرين في إبداء الرأي واحترامه بغض النظر عن اختلافه معهم.

 

لقد كانت فترة التدوين فترة ذهبية للمنظمات الحقوقية لحصر مقدمي خدمة التدوين على المستويات الوطنية وعلى المستوى الإقليمي في المنطقة العربية لمقدمي خدمة التدوين المؤثرين، ودفع القائمين عليها لبناء قدراتهم بمدى أهمية حرية التعبير، وحق إبدا الرأي، والحق الأصيل في المشاركة، والشرعة الدولية لحقوق الإنسان، وأهمية الخصوصية ومستوى الأمان الشخصي لهم بما يخدم توسيع حرية التعبير والتأثير الكبير للمدونين في الشارع العربي.

جاءت بعد فترة التدوين الذهبية مرحلة الشبكات الاجتماعية لتلتقط كل البشر حرفيا في مواقعها, ولتصبح صفحة كل شخص هي مدونته الجديدة والتي يقترب فيها من الجمهور بشكل أكبر وأكثر تفاعلا , وأصبح لشبكات التواصل الاجتماعي نجومها الجدد, وأصبح لهم تأثير كبير في التغيير الاجتماعي لدرجة الوصول الى نجاحهم في إيقاد ثورات الربيع العربي 2011, ولكن معظمهم كما المدونين في السابق ما يزال لديهم ذلك الجهل أو عدم المعرفة أو التطبيق احترام الحق في التعبير وابدأ الرأي والمشاركة واحترام حقوق الانسان واستثمار شهرتهم الحالية في الشبكات الاجتماعية بما يخدم مبدأ المشاركة في صناعة القرار و نقده وإثرائه وبما يخدم التنمية والحرية والديمقراطية.

إن نجوم شبكات التواصل الاجتماعي على الانترنت في أي بلد عربي ينجحوا بشكل متكرر ومبهر في إثارة الرأي العام بشأن هذه القضية، أو تلك الحادثة لتصبح مثار اهتمام لدى الشارع، وأولوية للعمل عليها من جانب السلطات، ولكن أغلب هذه الحملات تتفاعل مع قضايا إنسانية فردية أو حادثة مختارة من مئة حادثة يومية مشابهة لها, وفي العالم هناك استثمار للمؤثرين على الشبكات الاجتماعية الالكترونية وليس فقط على مستوى القضايا السياسية أو الاجتماعية أو الحقوقية ولكن امتد الامر ليصل للاقتصاد واستثمار العلامات التجارية لهم في الترويج لمنتجاتهم المتنوعة, وبالرغم من أن المنظمات المحلية والإقليمية والدولية في العالم العربي تراقب هذه النجاحات المبهرة لمؤثري الشبكات الاجتماعية إلا أنها لم تلتقط هذه النجاحات وصانعيها لتستثمر فيها لصالح احترام الحقوق الإنسانية، واحترام الحق في التعبير، وبقية القضايا الإنسانية التي تهتم بها المنظمات على تنوعها واختلافها وأحجامها.

 

إن مرحلة شبكات التواصل الاجتماعي على الانترنت ما زالت مؤثرة , وما زال المشهورين والمؤثرين فيها يقودون الرأي العام والسلطات كل يوم حرفيا نحو قضية مختلفة, ومن المؤسف حقا أن لا يتم الاستثمار فيهم لنشر القيم الحقوقية والتنموية التي يحتاجها الشارع في أي دولة عربية بدلا من الاستهلاك اليومي لقضايا فردية, وإذا كنا سنخرج بدرس مستفاد من مرحلة التدوين فهو أن نقوم ببناء قدرات المؤثرين عن طريقة الاستثمار الأمثل للشبكات الاجتماعية من جانب, واحترام حق الاختلاف من جانب ثان, وتطعيمهم بالقيم الحقوقية الإنسانية ليبدأ أولئك المؤثرين بالترويج للقيم الكونية بدلا من استهلاك الحوادث المحلية.