Sun,Aug 17 ,2025

الدين الدرامي

2021-01-05


 

هي تلك الحكايات الدرامية التي تمس بعمق روح المتلقي المستعدة لسماع القصة, والتفاعل معها وتقمص الحزن عند سماع أحداثها, ولقد أدرك فقهاء الدين ورهبانه وكهنته القصة والحكاية الدينية فأكثروا على مستمعينهم سردها, وأغرقوهم بقصص دموعها لا تنتهي, وقدموها ضمن مشاهد حكائية مصورة تجعل حتى ألد أعدائهم يدمعون, وليس فقط ذوي الروح الصافية أو المتدينون من الرجال والنساء في مجتمعهم والقابلين للتأثر سريعا وبعنف لأتفه القضايا فكيف بقضايا تاريخية بحجم تعذيب المسيح أو مظلومية الحسين.

 

إن نجاح رجال الدين يكمن فى قدرتهم على تصوير تلك الحكايات وسردها بالشكل الذي يرسم للجمهور لقطات تجعل منهم يخرجون يخرجون مبهورين بتفاصيل الحكاية, ولديهم حلم واحد وهو إرجاع العدل لأصحابه من أولئك الأنبياء أو صحبهم كما يعتقدون.

هل فعلا تم الأمر كما تقول الحكاية ؟

لا يستطيع الراغب في التأثير على العامة أن يستخدم النص الديني الرئيسي, وأقصد هنا الكتب السماوية بذاك الشكل الدرامي الحر الذي يضمن له نجاح التأثير, وتخدير العامة لطاعة التسلط والظلم, فتحميل النص السماوي أكثر مما يحتمل من التفسير خطر, وقد ينقلب تأثيره عكسيا, وبالتأكيد في الدين الإسلامي لا يستطيع رجال الدين اللعب في تفسير الأحاديث لنفس الغرض إلا في حدود بسيطة, وإلا سقط الأمر من أيديهم, وأن الأحاديث النبوية الصحيحة نصوصها جيدة ومفهومة لكل شخص, وإذا ما هي الأداة الفعلية التي سيطر بها حكام الدول على شعوبهم على مر التاريخ الإسلامي؟

إنها القصة الدينية.

يستعمل الكثير من القادة الدينيين في كافة الأديان القصص الغير مأخوذة بالضرورة من الكتب المقدسة وإنما من مصادروحكايات شعبية تقدم حول قديسين, أو كهنة قدماء, أو صحابة الرسول, وتقدم كجزء من النص الديني ككل بالرغم من أنه في حال إخضاعها للمنطق الإنساني نجد عدم موضوعيتها ومنطقيتها وغرابة أحداثها وتطرف ما تدعو إليه ومساهمتها القوية في العنف, وقد يكون من غير المقبول عند البشر التساهل في تقديم قصص الكتب المقدسة, ولكن يمكنهم القبول بحكايات النص القصصي الشعبي الغير مقدس, والذي يعتبر في الحقيقة أحد أسس التطرف والإرهاب.

إن متابعة جيدة لخطيب جامع إسلامي أو حضور كلمة يلقيها قس مفوة في الكنيسة المسيحية أو حكاية جيدة يلقيها كاهن يهودي سنجد أن القصة الدينية هي الأكثر تأثيرا في العامة من التوارة اليهودية أوالإنجيل المسيحي أو النص القرأني , وأغلب هذه القصص مصمم بمشهدية ودراما قادرتين على التأثير بعمق في قلب المتلقى, ولنسأل سؤال: هل أبطال القصص الدينية هم الأنموذج الأهم للقصص المشابهة لقصصهم؟

من المؤكد أن هناك قصص أهم وأكثر جودة, وأثقل دراميا, وذات طبيعة ملحمية أكثر من أغلب القصص الدينية المتوارثة عبر الأف السنين, ولكن سر اللعبة هو في طريقة إدارة الأضواء, وتسليطها على حكاية دون أخرى, ولقد صنعت تلك السيناريوهات الملحمية لأولئك الأنبياء وأتباعهم لتضيف لهم هالة لا تتناسب مع محتوى الحكاية أصلا , وتداعى المؤلفون على مر الزمن لإضافة مشاهد إضافية حتى تكدست الحكاية لتصبح غير قابلة على أن يقوم بها شخص واحد فى عمر واحد أو حتى خمسة أعمار متتالية بإفتراض أنه عاشها, وهل قام أولئك الأشخاص بكل هذه المشاهد في تلك الأعمار القصيرة؟, وتقول الإجابة , أنه مستحيل, ولا بد أن هناك خطأ ما, وأغلب الظن لو تخلصت تلك القصص من أسماء شخصياتها وشهرتهم, وقدمت كقصة لشخص ما غير معلن الإسم, لأصبحت قصص المهمشين في الأرض عبر التاريخ أكثر دراما وتشويق وحزن وتأثير من قصص الأنبياء والمرسلين.

إن الأديان قصص كبرى, وأكثرها جمهورا هو الدين الذي صنع الصورة السينمائية الأفضل للنبي الخاص به, ودفع به ليصبح نجم شباك يستقطب أكثر عدد من الأتباع بالرغم أن الجمهور الغفير غالبا ما يعني رداءة المنتج.

عبر التاريخ إستمر إستثمار تلك القصص الدينية, وحمايتها من أن يتم نقدها, والتركيز على حجم الإضافات بداخلها, وتحولت القصة الدينية لقصة نفعية !! يقوم بسبكها رجال الدين عبر التاريخ لتصبح ذات تأثير رائع و لا يقدمها أي رجل دين أو معظهم لغرض الحكمة بل بغرض الحصول على أتباع يحصلون من خلالهم على السيطرة والقوة والمال.

إن إعطاء قصص بعض الأشخاص الإهتمام الزائد, والإضاءة القوية, والتناقل لمئات السنين لمعاناتهم ومظلوميتهم برغم وجود أشخاص أخرون مروا بقصص معاناة أشد وأعنف بكثير، ليس الا إستثمار سياسي وتسلطي خبيث للقصة الدينية على مدار التاريخ.

رواية إسم الوردة تتحدث عن بعض الوجوة الجديدة ، وإلموت تسرد بعض ما عمل الورثة .والشهرستاني أرهق نفسه وأرهقنا في اللحاق بمئات النسخ من القصص المتوالدة من بعضها البعض, ولا هم لها إلا أن تكرر صناعة نجوم دينيون عبر التاريخ, وعلى هذا المنوال تتوالد القصص الرديئة, وتتكاثر أوراق السيناريو الممل, وعلى شاشة التاريخ فى كل عصر هناك نجوم يتقمصون العنف كأنهم على يقين بأن أفلام القتل والإثارة هي الوحيدة الرائجة لدى شعوب الجهل.

إن المؤسسات الدينية ورجالها تقوم بصناعة نجوم عبر التاريخ بصفات أسطورية أو دراما دينية بالرغم من أننا لو تعاطفنا مع قصة النبي الفلاني لأنه تعرض للتعذيب فلربما يجب علينا أن نتعاطف ونتبع شخص أخر تعرض لنفس التعذيب بل وأقسى منه بسبب فكرة يؤمن بها, ولو كان للتعذيب وحدة قياس مثل الكيلوبايت كوحدة لنقل البيانات لكان كل معتقل فى هذا العالم بمثابة الف عيسى.

ولقد ماااااات الحسين من العطش !

وتراه يبكي بعنف, ويصفع نفسه, ويرمي عمامته, وهو يحكي الحكاية على الجمهور, وعندما تبحث عن تاريخه تجد أن تحت كرسيه ألاف المساجين من ماتوا من السجن والعطش والجوع والتعذيب اليومي وخرجوا من السجن للقبر, وإن كل شخص يموت عطشا قد مر بما مر به الحسين وبالتالي لا قيمة إضافية للحسين عن هذا الشخص فيما عدا أن قصة الحسين قد تعرضت لإستثمار قبيح لتفاصيلها.

ولنحاول فهم بعض المشاهد القصصية بشكل منطقي كما حدث في ذاك المشهد بين الرسول وفاطمة أو عمر وأبو بكر أو حتى بين بلقيس وسليمان بنفس الكيفية التي صرخ بها الخطيب بيوم الجمعة الماضية أو أي خطيب جمعة أخرى أو كما تم سرده في الكتب.

لنسأل فقط .

هل فعلا تم الحديث بنفس اللغة العربية الفصحى, وبنفس تعبيرات الوجوه للشخصيات في المشهد التي أثث بها الخطيب حكايته أو زخرف به الكاتب قصته؟, ولماذا تبدو الحكاية للقصة الدينية وكأنها مشاهد درامية مكتوبة من كاتب محترف أو حكواتي مهم ومدعمة حتى بديكور المشهد الذي يتم فيه الحديث, كما بين الرسول وإبنته فتجده أي الخطيب يتحدث عن النوافذ والفراش المحيط بهما.

من كان موجودا هو الرسول وفاطمة إبنته وبالتالي إذا خرج الكلام الذي بينهما فسيخرج فقط ما قال لها وما قالت له , وإلا فمن منهما خرج على الناس وتحدث عن لون ثياب فاطمة وكم عدد النوافذ المفتوحة , وكيف كانت إضاءة الشمس تنير المكان, وإنها كلها إضافات لا يبدو من المقبول منطقيا أن أحدهما " الرسول أو إبنته " خرجوا على الناس يتحدثون عنها ولكنها غضافات أدرجها فقهاء الدين لضمان تأثير أفضل للحكاية , وكلها إضافات كاذبة .

وما كانت اللغة المحكية في مجتمع المسلمين في المدينة؟ وهل كانت فعلا اللغة العربية الفصحى أم كانت هناك لهجة محلية, وهل فعلا قال الرسول لإبنته " لا تخافي يا بنيتي" بنفس اللغة التي كتبت في الكتب أو الحكاية التي سردها خطيب الجامع اليوم.

ولنحاول أن نسأل وهل كان المعتصم سيهب لنجدة المرأة لو لم تتوافق إستغاثتها مع حلمه بالتوسع؟

إذا فلماذا الدراما والبكاء!

تحتاج القصص الدينية في كافة الاديان وليس في الاسلام فقط لمراجعة, وذلك لمعرفة منطقيتها وموضوعيتها وجودتها السردية وإمكانيات حدوثها بالطريقة الإسطورية التي تحكى بها أم لا, ومن الممكن لو خضعت الحكايات الدينية للمنطق أو قيلت بدون ذكر أسماء أصحابها لأصبحت قصص فكاهية تجلب الضحك أكثر من البكاء, وإن القصة الدينية أصبحت أقرب إلى العجل الذهبي الذي تمتد ملايين الأيدي لصناعتة ليصبح هذا العجل مقدسا وضخما, وكبيرا يناطح السحاب, فلا يحس بلمسات المحتاجين, ولا يسمع صرخات المقهورين ممن يملك أي واحد منهم قصة تزيد في حزنها ودراميتها قصة الأنبياء وأصحابهم, وأصبح من الأجدى فعلا التوقف عن صناعة العجل الجديد ونحن لم نتخلص من العجل القديم الذي ما يزال يتلظى بحقد النار التي تحرقه وتحرقنا معه.

هناك حكايات تضحية بشرية لأناس عاديين فيها من القوة والقسوة والجمال ما تتفوق به على قصص الأنبياء و أبنائهم والمشهورين ممن يسمونهم الأبطال والشخصيات التاريخية لكنها لم تجد من يسردها ويروج لها ويستفيد منها .

ان كل شيء ينقلب والكثير من الأشياء التي احتفظت بنقائها قد بدأت بالاتساخ فالأديان التي كانت تبدو نقية كالألماس فى بدايتها, أصبحت متسخة بقصص فقهاء المسلمين وأساقفة المسيحية و كهنة اليهودية ورهبان البوذية وغيرها من الأديان, والأخلاق الرفيعة التي كانت تبدو هي أيضا نقية تم غمرها بالأوساخ بحيث أصبحت قيم الصدق والحق والخير والجمال قابله للتفاوض, وأصبحت كمية النفاق المتزايد فى الصدق والحق دليل جودتهما وقابليتهما للتطبيق, والشر أصبح يعيش فى بيوت الخير, والبشاعة أصبحت ترتدي ثوب الجمال .