Sat,Jul 12 ,2025

أوضاع حرية التعبير والفنون والثقافة فى اليمن

2020-12-25


فى صباح الثالث من مايو من كل عام يحتفل العالم باليوم العالمي لحرية الصحافة, وفي اليمن تعيش الصحافة والفنون وحرية التفكير والتعبير والإبداع أحلك ظروفها مع النزاع, والذي كان له تأثير سلبي للغاية على حرية التعبير بالرغم من توقيع ومصادقة اليمن على الإتفاقيات الدولية التي تدعم حرية التعبير وتروج لها وتظهر مدى أهميتها فى التنمية و الصناعات الإبداعية والتطور الثقافي والمعرفي.

وقد خاض الصحفيين والفنانين التشكيليين والأدباء والإعلاميين تجارب مريرة تمثلت فى السجن والهروب خارج البلاد والإنكفاء على الذات مما سبب تباطؤ العملية التنموية, وزاد النزاع من مرارة حياة حاملي القلم ومنتجي المعرفة والفاعلين الثقافيين, ولا يمكن للمبدعين فى مراحل السلم أو الحرب العمل دون سياسات وقوانين تدعم توجهاتهم وإبداعاتهم وحريتهم الفكرية والإبداعية.

إن اليمن بلد لا يستقبل إتجاهات جديدة فى الفن بسبب قلة معارف الفاعلين الثقافيين, وعدم رغبتهم الكبيرة من الإستفادة من الإنترنت والتكنولوجيا والمنح والمشاريع التي تتوجه إليهم, وكانت معظم الفنون التي ظهرت بقوة فى العشر السنوات السابقة تنويعات عن فنون قديمة مع بعض التركيز على الفنون الرقمية بسبب التطور الحاصل فى الكمبيوتر والإنترنت مثل التصميم الرقمي والتطور الحاصل في مجال التصوير والأفلام الوثائقية وهذه جديدة على المجتمع اليمني وغالبا قام بها نشطاء ثقافيين في المجتمع المدني فى اليمن ضمن منح لمشاريع ناقشت قضايا مجتمعية وليس لأجل العمل الثقافي بشكل مستقل إلا فيما ندر.

ومع ازدياد مؤسسات المجتمع المدني وخصوصا فى مسائل وقضايا المجتمع ظهر الكرتون كأحد المواضيع الجديدة التي إنتشرت فى اليمن وكان هناك إنتاج جيد مثل " سلمي "وهو كرتون خاص بتعليم الفتاه لإتحاد نساء اليمن وكذا "عودة أحمد "من إنتاج مؤسسة شوذب للطفولة والتنمية كما أن هناك بعض الانتاجات فى هذا المجال قام بها شباب كمشاريع تخرج أو بعض التجارب المبكرة كتجربة مؤسسة إبحار للطفولة والإبداع فى"مرجان وريشة الألوان "وكذا الأفلام الوثائقية والتسجيلية من إنتاج مؤسسات المجتمع المدني بالتعاون مع شباب موهوبين ناقشت القضايا الحقوقية والتنموية والبيئية .

ومع انتشار البرامج الكوميدية السياسية سرعان ما احتضنتها قنوات محلية تتبع فصائل سياسية ليظهر لدينا عاكس خط للفنان محمد الربع كأحد أشهر هذه البرامج بالإضافة لمحاولات فى هذا الجانب ولديها جمهورها وداعميها .

وبالرغم من أن مسرح الدمى موجود منذ زمن بعيد باليمن, ولكن فى الفترة الأخيرة تم تداوله بقوة وكذا خيال الظل وتوجد مؤسسات ومبادرات جديدة قدمت هذا الفن وأسست له ودعمته فى أعمالها.

وقد ساعد التعدد السياسي والحزبي بعد الوحدة اليمنية فى ظهور الكثير من الصحف ومن ضمنها الصحف الثقافية ولكن مع ثورة 2011 ومن ثم أحداث 2014 تراجعت الحريات كثيرا, وأغلقت الكثير من الصحف والمجلات والمؤسسات الغير حكومية وقنوات وإذاعات محلية .

إن وجود أنواع جديدة من الفن فى مجتمع تقليدي كاليمن يعتبر مخاطرة, ولكن ما أن تصبح هذه الأنواع مقبولة لدى المجتمع يصبح من السهل إنتشارها, ولكن ليس هناك الكثير ممن يحبون المخاطرة فى القطاع الخاص والحكومة, وبالتالي أصبحت مؤسسات المجتمع المدني أحد الموارد المهمة للتغيير والتطوير, وربما يرجع ذلك إلى أن أغلب هذه التجارب ممولة وبالتالي فمستوى الخطورة المادية فيها للمنظمة قليلة فإن نجحت كان هناك ضمان لتكرارها مع مانحين آخرين وإن فشلت فهناك دائما مانحين آخرين لأعمال جديدة وأفكار جديدة.

إن للأحداث السياسية دور فى تغيير إتجاه الفنون وحرية التعبير فى اليمن فقد أصبح هناك ظهور مكثف للأناشيد الوطنية أو الدينية التي تشبه لحد بعيد الأناشيد الدينية المشهورة, والتي تظهر فى القنوات الدينية بالإضافة إلى محاولات إدخال بعض الآلات فى الإنشاد كنوع من التحديث لهذا النوع من الفنون بما يتناسب مع التطور فى الفنون الغنائية, وبالتالي تم إستخدام جديد للأغاني العاطفية والدينية والوطنية المشهورة والموجودة منذ زمن طويل لتحويل إلحانها لأغاني وطنية صنعت أشعارها على عجل لتخدم ثورة 2011 وأيضا لتخدم بعضها أغراض أحداث 2014 وما بعدها.

وقد ساهمت أحداث 2014 أيضا فى ظهور جديد وقوي " للزامل" وهو شكل قديم من الفنون ولم يكن هناك إهتمام له فى الشارع فيما عدا بعض القرى لكنه عاد بقوة بعد سبتمبر 2014 من قبل أنصار الله / الحوثيين وقد أصبح مشهور على نطاق وطني وإنتشرت أعمال كثيرة لهم لخدمة أهداف أو سياسات أو أخبار الجماعة وتبث على الإذاعات بشكل يومي.

وبعيدا عن السياسة فقد قامت المبادرات الشبابية بعمل مجموعات من الأعمال التي يقدمونها لليوتيوب لعدم رغبة القنوات اليمنية فى الغالب بثها إلا فى مقابل نقدي وهى أغلبها تجديد فقير, وغير مكلف إنتاجيا لأغاني يمنية وعربية عريقة ومشهورة, وتتعلق بمناسبات معينة مثل الأعياد الوطنية والدينية والمناسبات الاجتماعية.

وبالرغم من أهمية المؤسسات الفنية الإنتاجية فى دعم الفنون وحرية التعبير فى اليمن من خلال الإنتاج الفني والفكري والثقافي, ورغبتها فى الإنتاج بغرض الربح إلا أن التوجه التقليدي للمجتمع يخيف المستثمرين, وبالتالي فإن أغلب الإنتاج فى العشر السنوات الأخيرة كان عبارة عن برامج ممولة لمؤسسات المجتمع المدني أو تجارب غير مكلفة للشباب, وبالطبع هناك إستديوهات تسجيل تجارية تقوم بالتسجيل والتوزيع ولكن غالبا ما يكون الإنتاج عبر الفنان نفسه, وأغلب هذه الاستوديوهات غير مستقلة بالقدر الكافي, وتتبع تنظيم سياسي أو تجاري معين لنشر ثقافته فى الشارع, وإن كانت بعض مؤسسات المجتمع المدني المتوسطة الحجم والكبيرة قد عملت على عمل إستديوهات خاصة بها كمشروع يضمن لها الإستمرارية, ولكنها أيضا برامج موجهة بما لا يدعم الإبداع المستقل أو حرية التعبير.

وكقنوات تلفزيونية فقد كانت أصبح هناك الكثير منها, نشأت بسبب الاستقطاب السياسي كالمسيرة التابعة الحوثيين واليمن اليوم لتابعة للرئيس السابق صالح والمؤتمر الشعبي وقنوات سهيل ويمن شباب التابعة للإصلاح وقنوات تابعة للقطاع الخاص كالسعيدة وهناك برامج تتناول الفنون ضمن خارطتها البرامجية ولكن كل قناة من هذه القنوات تستضيف مطربي ومثقفي وفناني الجهة الداعمة لها.

فى المجال الإذاعي أيضا نرى نفس المشكلة فكل جهة لديها إذاعتها أو إذاعاتها, وغالبا مع تبث الأعمال الفنية لمطربيها وفنانيها بالإضافة لبعض الإنتاج الفني المستقل للمؤسسات الغير حكومية أو المبادرات الشبابية والمبدعين المستقلين ولكن عرضها ليس دائما فالأولوية دائما لمن يتشابه مع سياسات الإذاعة ومالكيها أو داعميها, وحتى الإذاعة الوطنية والتي وقعت أخيرا فى يد الحوثيين غالبا ما تتبني وجهه نظرهم الفنية أو الثقافية فى إنتاج وبث الأعمال الفنية والثقافية, وهناك العديد من الإذاعات المحلية لكل محافظة يمنية تهتم كل منها بالفنون المحلية فى محيطها مع بعض الاهتمام بالفنون العربية لسد ساعات البث, وهناك إذاعات خاصة ببعض مؤسسات المجتمع المدني المحلية والدولية كإذاعة مواهب للأطفال والتي تدعمها منظمة رعاية الطفل وإذاعة يمن تايمز بالإضافة الى إذاعة أكسس والتي كانت مدعومة من مؤسسات دولية, ولدى القطاع الخاص إذاعات خاصة به كإذاعة طيرمانه وتبث على مدار اليوم أغاني يمنية وعربية وغربية وأيضا إذاعة سام أف أم وإذاعة أيرام وإذاعة جراند أف ام.

بالنسبة للصحف والمجلات فقد كانت هناك الكثير منها ما قبل ثورة 2011 وزادت أعداداها مع حدة الإستقطاب السياسي, ولكنها نقصت لحد كبير بعد أحداث 2014 وكذا الحرب, وأغلقت العشرات منها, وقد كان لدى كل صحيفة صفحة خاصة بالفنون والثقافة كأحد الصفحات التقليدية فى أى صحيفة, وقد كانت تنشر قصائد شعرية وقصص قصيرة ومقاطع مكتوبة من مسرحيات وروايات بالإضافة إلى الأخبار المتعلقة بالفنانين اليمنيين والعرب وأنشطة مؤسسات المجتمع المدني ذات الطبيعة الفنية والثقافية, وكان هناك ملحق للثقافة والفن فى صحيفة اليمن الرسمية "الثورة" يصدر كل يوم إثنين.

وقد ساهمت مؤسسات المجتمع المدني فى العمل الثقافي من خلال مجلات وصحف كانت تصدر منها عددين الى ثلاثة بحسب التمويل ومن ثم تختفي الإصدارات إلى أن اختفت المؤسسات نفسها بعد إغلاق عدد منها بعد أحداث 2014, وهناك مؤسسات عملت على نشر بعض الأفلام الخاصة بصانعي الأفلام من الشباب والمبادرات الشبابية كسينما صوت ومؤسسة شفت السينمائية التي عرضت الكثير من الإنتاج المحلي ضمن منح عربية ودولية قدمت لها

في الانترنت هناك مواقع خاصة ببعض الأدباء لأنفسهم كموقع الأديبة نادية الكوكباني بالإضافة لبعض المدونات الثقافية التي دشنها الأدباء عند إنتشار المدونات كطريقة جديدة للنشر والتعبير قبل ظهور الفيسبوك, وبدأ حاليا أن الكثير من الأدباء ينشرون معظم أعمالهم على صفحاتهم الشخصية على فيسبوك كأحد منصات النشر الجماهيرية المهمة, وهناك مواقع ثقافية مثل فن تايم المهتم بنشر الأخبار الفنية والثقافية اليمنية, وموقع البيسمنت الثقافية بالإضافة لمواقع المؤسسات الغير حكومية اليمنية والتي تنشر بعض إنتاجاها الفني والأدبي والثقافي إن وجد على مواقعها الالكترونية وحساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي .

على صعيد السياسات الثقافية فى اليمن فقد كانت هناك تطورات فى مجال السياسات الثقافية خلال العشر السنوات الماضية, وساهمت منظمات المجتمع المدني فى ذلك من خلال النداء بتطوير بعض القوانين الثقافية لدى وزارة الثقافة, ومن ثم جاء مؤتمر الحوار الوطني الذى قدم عبر الوثيقة الختامية لمؤتمر الحوار الوطني مجموعه كبيرة للغاية من السياسات الثقافية والمواد التي خرجت من المؤتمر ملزمة ومنها قوانين خاصة بالحقوق الثقافية وثقافة حقوق الإنسان ومواد خاصة بالكتاب وحقوق المثقفين والسينما وتطوير الثقافة والإعلام والصحافة الثقافية وثقافة الطفل والمرأة.

وجاء الدستور اليمني الذى تم تطويره بعد مؤتمر الحوار الوطني عبرباب خاص فقط بحقوق الإنسان وهذا ما لم يحدث فى الدساتير الماضية, وبالتالي كانت هناك مواد خاصة بالثقافة كحق من حقوق الإنسان فى الدستور اليمني المعدل وحرية التعبير كأحد أهم الحقوق الإنسانية ولكن الأمر توقف بعد أحداث2014 , وخروج الرئيس هادي الى السعودية وبدء العدوان على اليمن, ولم لم يعد هناك تفعيل للوثيقة الخاصة بمؤتمر الحوار الوطني أو الدستور اليمني, وتاريخيا قامت بعض المؤسسات بدعم من مؤسسة المورد الثقافي بالدعوة ومناصرة وجود سياسات ثقافية فى اليمن مثل مؤسسة الشرق ومؤسسة البيسمنت الثقافية .

وهناك قوانين تزيد من دعم الفنون كالسياسات التي أنشئت من خلالها صندوق التراث وصندوق دعم النشء وصندوق تنمية المهارات كمؤسسات يفترض بها دعم الإبداع الشبابي والمجتمعي في شتى المجالات وأهمها الثقافة والفنون والأدب والاختراعات ولكن الخطاء يكمن دائما فى الممارسة ففي اليمن التي بلغ مستويات مرتفعه فى الفساد لا يوجد إلا دعم ضئيل للفنون وتصب أغلب موارد هذه الصناديق وغيرها من البرامج فى الفساد أو فى تمويل المتشابه والمناصر لصناع القرار الثقافي والفني.

وهناك أيضا سياسات طورتها بعض المؤسسات الغير حكومية مثل دعم الإصدار الأول ودعم المسرح المدرسي ولكنها حتى الآن ورقية ولن يتم تفعيلها, وخصوصا فى أثناء الصراع الذى يمر به اليمن لا يوجد أى دعم للفنون فيما عدا بعض الفنون التي تواكب أو على وفاق مع السلطات الحالية في مدن اليمن.

وهناك مؤسسات دولية ووكالات أمم متحدة تعمل على دعم الفنون ولكن ليس بشكل مستقل فدعم هذه الجهات الفنون هو طريقة لإيصال أفكارها المتعلقة بحماية الطفل والديمقراطية ومكافحة الفساد والإغاثة وحقوق الإنسان, ويدعم القطاع الخاص مهرجانات فى حال كانت تدعم الترويج لمنتجاته مثل حفلات التخرج وبعض الفنون التي تقدم على خشبة مسرح التخرج للشباب من الحياة الجامعية.

فى الخارج هناك فرص أفضل للدعم الثقافي ولكن يعيب الموضوع ككل قله هذه المؤسسات فلا يعمل بشكل حقيقي فى المنطقة العربية إلا الصندوق العربي للثقافة والفنون والمورد الثقافي ويبدو أن نصيب اليمن من هاتين المؤسستين قليل فى ظل حصول مؤسسات كثيرة على دعم هذه المؤسسات بينما نجد اليمن على ذيل القائمة, ومما يؤسف له أن وكالات متخصصة فى العمل الثقافي كاليونسكو لم يكن لها ذلك التأثير المشابه لبقية وكالات وصناديق الأمم المتحدة فى الوضع الذى تعيشه اليمن, وبالتالي كانت الثقافة والفنون والآداب من المواضيع قليلة الدعم ونادرة الظهور وخطرة على المبدعين المستقلين.

وكما هو الحال فى مواضيع الدعم والفن وحرية التعبير كذلك الحال من السوء فى تطبيق حرية التعبير على الأرض بالرغم من أنه قانونا حرية الإبداع مصانة وكذا التعبير الفني ولكن على مستوى الممارسة فهناك الكثير من المشاكل منها :

1. إغلاق مؤسسات ثقافية وفنية.

2. منع عمل معارض تشكيلية لفنانين .

3. مداهمة ومنع لدورات تدريبية وورش عمل فنية أو ثقافية أو أدبية .

4. عدد كبير من الصحفيين تعرضوا للاعتقال التعسفي والإخفاء القسري دون محاكمات

5. إغلاق إذاعات

6. إغلاق قنوات

7. مصادرة صحف .

8. هروب بعض القيادات الثقافية خارج اليمن بسبب الوضع .

9. فتاوي بإهدار دم بعض الفنانين.

وبالتالي فوجود قوانين تحمي ليس بذلك الأمر الجلل أو ذو الأهمية فعند الممارسة تبدو القوانين غير مهمة ككل فى الشارع اليمني بسبب عدم إعتراف المتحاربين بالقانون و حكم الشارع بقوانينهم هم, واليمنيين عموما لا ينفذون القوانين بشكل كبير فى حالات السلم أو الحرب, ويغلب على حماية الإبداع والتعبير الفني حجم المبدع وقوته والمجتمع الذي ينتمي إليه أو المؤسسات التي ينتمي إليها.

وتم رصد بعض الحالات التي يمكن إضافتها كشكل جديد من أشكال حماية الإبداع والدعم الفني منها .

  1. الحماية الشعبية للإبداع حيث تم متابعة حملة كبيرة من قبل المواطنين ونشطاء حقوق الإنسان والحقوق الثقافية على وسائل التواصل الاجتماعي كما حدث مع قضية أيمن عثمان .
  2. التعاطف والنداء من قبل والنشطاء لحقوق الإنسان والحقوق الثقافية لحالات الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري للمثقفين والإعلاميين والحملات الدورية فى هذا المجال على وسائل التواصل الاجتماعي
  3. حالات لجوء إنساني قدمت لبعض القيادات الثقافية .
  4. حالات علاقة الفنان بقبيلة أو كيان سياسي يضمن له الحماية .

إن تأثير الصراع فى اليمن, والحرب على اليمن, سلبي فى التطور الثقافي والفني والأدبي والتراث وحماية التراث الثقافي وغيرها الكثير من القضايا الثقافية التي تدهور بها الحال الى الاستقطاب أو الاندثار أو الهروب أو التمويل الرديء من قبل المانحين الوطنيين والإقليميين والدوليين للثقافة والفنون والأدب ودعم حرية التعبير من خلالها.

إن حرية التعبير لا ترتبط فقط بالدعم والتمويل ولكن أيضا ما هي المساقات التي يمضي من خلالها الإبداع الى المستهلك كالقنوات و الإذاعات و الصحف ودور النشر والمنصات الثقافية وقد كان معظمها للأسف مستقطب ومغلق على الإبداع المستقل, وترتبط حرية التعبير أيضا بالمستهلك للمنتج الإبداعي ولكن الفرز السياسي أيضا كان له تأثير على حالة حرية التعبير فبسبب الفرز السياسي أصبح هناك فرز فني فى الشارع اليمني والجمهور اليمني فهناك الكثير من الناس يسمعون فقط الزوامل السياسية التي يصدرها الحوثيين, وهناك جمهور متخصص فى سماع الشيلات التي ينتجها السعودية, وجمهور أخر يسمع الأغاني الوطنية القديمة التي يعاد إنتاجها أو المنتجات الفنية الجديدة مع نسب قليلة للغاية ممن يتفاعلون مع إنتاج الشباب والمبادرات الشبابية من أغاني وأفلام وثائقية وهذا واضح من حجم المشاهدات المتدني للغاية على هذه المنتجات على يوتيوب, وفى نفس الوقت هناك عدم تجاوب مع العديد من الأنشطة الفنية والثقافية والأدبية فى الشارع فى ظل بحث الشارع عن لقمة العيش فى ظل الحرب والحصار وازدياد رقعة الفقر وتفشي الأمراض الوبائية وزيادة عدد البطالة وعدم صرف مرتبات الموظفين لفترة إمتدت لسنوات.

ومع التركيز على المستهلك والاستهلاك الثقافي فهناك أيضا تدني كبير فى هذا المجال فمع الحصار على اليمن يمنع كليا دخول المنتجات الثقافية الى اليمن ومن ضمنها مجلات ثقافية محترمة كان لها مساحة من اهتمام الجمهوراليمني كمجلة العربي ودبي الثقافية ومجلة الدوحة ونزوى, والبومات المطربين العرب والأجانب والأفلام السينمائية, وغالبا ما يتابع الجمهور اليمني هذه المنتجات على الانترنت أو عبر شراء نسخ مقرصنه منها متواجدة بكثرة لدي مراكز بيع الأفلام وهناك إغلاق شبة نسبى للمسرح اليمني فيما عدا بعض المسرحيات التي تروج لرؤية السلطة الحالية وهذه لها جمهورها.

وعلى صعيد الفعاليات الثقافية فهناك نخبوية باتجاه حضور المعارض التشكيلية والصباحات والأمسيات الشعرية وهذا إن حدثت بأغلب الحضورأنفسهم منذ فترات طويلة , ولم تعد هناك دور سينما وبالتالي اختفت السينما من خارطة الجمهور بالرغم من نشاط عدد من المؤسسات فى هذا الأمر إلا انه حتى هذه المؤسسات الغير حكومية كان مرتادوها قله وهم أنفسهم فى كل العروض السينمائية وفى الأخير توقفت بسبب توقف الدعم.

إنه لمن قبيل السخرية أن يصل حجم المعونات لليمن الى حوالي ملياري دولار لا يخصص منها ولو واحد بالمائة للعمل الثقافي ولو حتى كان مرتبطا بالعمل الإغاثي, وإنه لمن المفارقة أن تخرج من اليمن المراكز الثقافية العالمية التي كان يمكن أن تقدم الدعم الفني والثقافي لليمنيين فى هذه المرحلة الفارقة مثل البيت الألماني والمركز الثقافي الفرنسي والمركز الثقافي المصري والسوري والروسي.

إنها لمرحلة فارقة وسوداوية فى العمل الثقافي والفني وكذا حرية التعبير والإبداع فى اليمن وشارك فيها الجميع من دول الجوار الخليجي والحكومة الشرعية أو الجماعات المسلحة أو مؤسسات وطنية وإقليمية ودولية, وستحتاج اليمن الكثير من العمل بعد إنتهاء الأزمة للوصول إلى حرية تعبير مقبولة ومنتج إبداعي جيد.