Sat,Jul 12 ,2025

هشاشة منظمات المجتمع المدني في اليمن

2020-12-25


إنزعجت اليوم من أشخاص يتحدثون حول مؤسسات المجتمع المدنى وأنها أصبحت كثيرة , ومبدئيا عدد سكان اليمن خمسة أضعاف سكان لبنان وعدد المؤسسات الغير حكومية فى لبنان خمسة أضعاف اليمن وهذه مفارقة تستدعي من حديث كثرة مؤسسات المجتمع المدني في اليم , وثانيا الحق فى التنظيم حق لكل شخص فى أى مكان حتى ولو قام كل شخص يمنى يتأسيس مؤسسة لوحده, فهو هنا يمارس حقوقه ولا أحد يمكنه منعه من تطبيق هذا الحق.

إن مشكلة مؤسسات المجتمع المدني في اليمن لا ترتبط بالكثرة ولكنها ترتبط أكثر بالفعالية والقدرة والتأثير والقوة والمؤسسية في العمل وتناول قضايا المجتمع والمشاركة في حلها, وأيضا مسالة كثرة المؤسسات من عدمها لايفترض أن يصبح بابا لنقد هذه المؤسسات وبشكل يدعو في مدلولة الى إغلاقها فوجودها مرتبط بالحق الإنسانى الكامل فى التنظيم والتجمع, والخطأ في التطبيق لا يعني منع ممارسة الحق ولكنه يعني مساعدة هذه المؤسسات على أن تصبح ذات جودة وتأثير عاليين.

نعترف أن أهم خطأ قام به المجتمع المدني فى اليمن هو الإنغلاق على نفسه منذ البداية, وسيطرة جهات ومؤسسات وأفراد على كل أفكار التغيير وتدويرها فى أوساطهم فقط دون أن تخرج هذه الأفكار الى الشارع الذى عملت فيه القوي السياسية والدينية بشكل مضاعف, وحصلوا على أعداد كبيرة من الجمهور الذي كان يفترض بمؤسسات المجتمع المدني التأثير فيهم لما فيه تطور للحقوق الإنسانية والديمقراطية والحريات والتنمية بدلا من ذهابهم للقتال.

وللأسف فقد تخصصت المؤسسات الغير حكومية في اليمن خلال نشؤئها ونشاطها على تدريب المدرب وتثقيف المثقف ووضع مبادئ ومفاهيم إتفاق حول الحقوق والديمقراطية والحريات الأساسية مع أشخاص يؤمنون أساسا بهذه المفاهيم.

إن ما قامت به مؤسسات المجتمع المدني من تجاهل للجمهور الكبير في الشارع وعدم صناعتها أو تفعيلها لإستراتيجيات وصول إليهم وعدم محاولتها أن تؤثر على الشارع إيجابيا نحو قيم حقوق الانسان والحريات العامة والديمقراطية والتنمية وإكتفاءها بالفعاليات الفندقية والإنتاج الحقوقي والثقافي النخبوي هو السبب في توجه الكثير من هذا الجمهور الى أحضان الجماعات المسلحة ذات النظرة السلالية أو الحركات العنيفة والأصولية الأخرى أو الإرتماء في دائرة العسكر أو في نهاية الامر إنكفاء هذا الجمهور على نفسه وإعتماد الهروب من المشاركة في القضايا الإجتماعية والسياسية والإقتصادية والثقافية كحل .

ومن القضايا التي كانت واضحة على الشارع اليمني ولم تلتفت إليها المؤسسات الغير حكومية , تبدو الدعاية السلبية والمناطقية والتمييز هي الغالبة في الشارع وهذا يعود كما ذكرنا مرارا لعدم إهتمام هذه المؤسسات بإجتذاب الجمهور لبرامجها وتطعيمهم بالقيم التي تؤمن بها, ولا يبدو سابقا أو حاليا على مؤسسات المجتمع المدني الفعالية في الشارع, وتبدو حتى الأن مكتفية بتكوين والعمل مع مجتمعات مصغرة ممن تعتقد أن لهم دور في بناء ونجاح المؤسسة أو فشلها, ولكن في نهاية الامر تأكد للجميع أن نجاح اى مؤسسة وفشلها يرتبط بالجمهور أكثر, وهذا ما لم تستطع مؤسسات المجتمع المدني في اليمن الإيمان به وفشلت في تحقيقه.

وفي الحقيقة, لو كان المجتمع المدني اليمني قوي بقدر التحدي للتغيير لإستطاع حوالي عشرون عاما من العمل حماية الشارع من أفكار العنف والعقاب والحق الإلهي والخيانة التي إستخدمتها القوي السياسية والدينية فى تشويه تكوين ولإتجاهات الشارع اليمن, ولكنه أثبت أنه من المجتمعات المدنية المدجنة بهروبه من المواجهة , ولمن تبقى يعمل في الشارع إستمر عبر موافقته على العمل ضمن تصاريح لكل نشاط وإنحناءه أمام رفض أي ترخيص لأي نشاط يحاول إقامته ليخدم حقوق الإنسان والحريات, وبدلا من أن يكون المجتمع المدني هو الداعي للحقوق الانسانية والحريات والديمقراطية هاهو يضع عنقه في يد أشد المؤسسات اليمنية فسادا وتسلطا وعنفا وظلاما وبكل خنوع, وإن الموافقة لأجل أن تستمر الفعاليات الحقوقية فى هذه الظروف وقبول رفض جهات معينة لإقامتها هي خيانة للحقوق الانسانية نفسها من قبل المؤمنين بها , فذلك القبول وتلك الموافقة ستدعم الدخول الأكثر شراسة للقبضة الامنية فى المجتمع المدني , بينما يبدو أن الرفض وتكرار الرفض سيقلل حتما من عنف هذه القبضة, ولكن من سيبدأ؟

إن من الأسئلة الملحة الأن هي , ما هو النفع من أن تقام فعالية حقوقية أو تنموية مع إشتراط موافقة الجهات الأمنية لإقامتها, وحضور مندوب منهم, في بعض الأحيان, أليس المسيطر في هذه الجهات هم أطراف النزاع ومن يتبعهم وهم غير مؤمنين بالحقوق الإنسانية, ولنفترض أن الفعالية عن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي ينص البند الأول منه على المساواة كحق إنساني , ألن يثير هذا حفيظة بعض الضيوف لدى بعض الجهات المسيطرة بسبب أن هذا الحق من وجهة نظره يضرب فكرة السلالة التي يؤمن بها , وما نفع وجود دورة أو ورشة أو فعالية يتم استبعاد وحذف أفكارها الأساسية بسبب وجود جهة لا تؤمن بهذه الأفكار تسيطر على الشارع والفعاليات الخاصة به, أليس هذا ينسف النشاط بأكمله؟

ما الجدوى ؟؟؟

إن من المهم أن يبقى المجتمع المدني حرا في أنشطته, ولا تعتبر الفرصة فرصة إلا لو كانت مناسبة ومن الغباء إستنزاف الوقت فى الفكرة الغبية المسماة "شرف المحاولة", ولقد إنحدر دور مؤسسات المجتمع المحلي في الشارع اليمني التي ذهبت لنسيان عشرات القضايا التي كانت تعمل عليها في السابق, وبدأت تطبيق واحد أو إثنين من المفاهيم فى ظل مرحلة النزاع والذي يغلب عليه النشاط الإنساني والمتعلق بالأمن الغذائي والتعليم والحماية وغيرها من الأعمال التي يسهل الحصول على تراخيص إقامة أنشطتها من قبل الحكومات المختلفة في اليمن, ولم يعد هذا المجتمع وتلك المؤسسات تجهد نفسها بالتفكير حول أفاق العمل المدني المتنوع فى هذه المرحلة, وإن الإختفاء التدريجي للحملات المتنوعة التي كان يطلقها الشارع اليمني أو مؤسساته المدنية في الشوارع ووسائل التواصل الاجتماعي حول قضايا و إنتهاكات حقوق الانسان يدلل على الخوف والذي لا يجب أن تصاب به تلك المؤسسات المدنية, والتي يقع ضمن مركز نشاطها مناهضة التسلط وإنتهاكات حقوق الإنسان والفساد.

 لقد وقعت المؤسسات المدنية اليمني المتبقية في العمل الميداني في فخ التبعية فأصبحت مشابهة لمن يحكمونها في المدن اليمنية بأكملها وأصبحت مترهلة, وخائفة من الإغلاق تقدم منتجات, متدنية الجودة, وعظية النص, تقريرية فى الاحداث, إرشادية فى المحتوى, وبعيدة كل البعد عمن يفترض بها أن تمثلهم وهم الجمهور في الشارع وهذا ما جعل قاطرة التغيير في كل دول العالم مرهونة في اليمن للتسلط والفساد والحرب وإن لم ترتهن لكل هذه السيئات أغلقت وأصبحت أثرا بعد عين .