Sat,May 18 ,2024

هيا لنصنع الوحش

2020-12-25


لم يسبق أن عمل العالم أجمع من أجل مرض كالإيدز , ولم يسبق أن حشد العالم جهوده من أجل كارثة كما حدث مع هذا المرض المنتشر والمرعب في شوارع الدول كافة, فالمليارات أنفقت في العلاج والتوعية والترويج والتحذير منه, والحروب الخاصة به, والمحاكمات المتعلقة به, وحتى الترعيب والتخويف منه حتى وصلت إلى أن كل الناس بمن فيهم مواطني القرى البعيدة والمدن الهامشية في أفقر الدول في العالم وجعلتهم ينفرون من الإيدز والمصابين به إلى حد الإقصاء والتمييز والمحاربة الإجتماعية والأخلاقية والحقوقية لهم وشيوع الوصم في محيط المجتمعات للمتعايشين مع هذا المرض.

فى الآونة الأخيرة بداء أن الإيدز أخذ الصفة الإنسانية أو يتم التعامل معه كمرض عادي مثله مثل أي مرض , ويتم التقليل من أهميته والترويج للتعايش مع المتعايشين معه, ولا أحد يدرى هل أدرك كل من عمل على صناعة هذا الوحش خلال ربع القرن الماضي أنهم بالغوا في التحذير منه أم أن التحذير أفلت من أيديهم وبداء يأخذ أبعاد تصل من الخوف من المصابين بهذا المرض والخوف على المتعايشين معه أو حتى المشكوك في إصابتهم به من تصرفات المجتمعات المحيطة بالمتعايشين معه, وبدأت الأموال لا تتجه إلى محاربة الإيدز, بل إلى تدجينه والترويج لدى الناس بأنة غير مؤذ وأن المتعايشين معه ناس مثل كل الأخرين, ويمكن التعامل معهم في كل الجوانب الإجتماعية ولكن هل فات الوقت لمثل هذه النداءات الإنسانية؟

في حديث لي مع أحد أئمة الجوامع الصغيرة في صنعاء أنزل هو وبعض الشباب المحيطون به من مريدوه مطوية , ذكر في مطويته والتي طبعت على حساب رجل خير أن " الإيدز عار في الدنيا وفضيحة في الآخرة ", وكنت حينها راجعا من الدورة التدريبية الخاصة بالمدونون العرب والمبدعون المستقلون للتجاوب مع مرض الإيدز والتعايش معه في المنطقة العربية, وكنت متحمسا- وما زلت- للترويج لثقافة التسامح والتعامل مع المتعايشين مع هذا المرض وعدم وصمهم, وقلت له أن هذا لا يصح وأن ما ذكره يعتبر إنتهاك لحقوق المتعايشين معإالايدز ودعوة صريحة لإنتهاكهم وتهميشهم, ودخلنا في مواضيع خاصة بهذا المرض, ولم يوافق على أن الإيدز لا ينتقل عبر المصافحة فربما يكون هناك خدش في المصاب وخدش في الغير مصاب ينتقل منه الفيروس ومن ثم المرض !!! .

وأيضا لم يصدق حكاية المانع " الكندم " في المعاشرة الزوجية فربما كان هناك فتحة فيه أو كما قال " عيب صناعى " ينفذ منها الفيروس, وهكذا كلما ذكرت له إحدى طرق الوقاية فندها لي بربما كان هناك ثغرة للفيروس للدخول بها, وكأن ربما هي المؤكد والدليل على خطورة المرض ومصابيه, وبعدها دخلنا في الأخلاق الحميدة والدين الاسلامى وما يحققه من وقاية أكيدة من الإيدز وكل الأمراض المتعلقة بالجنس, ومن ثم تناقشنا مطولا حول بعض الرجال اللذين يصابون بالإيدز بسبب علاقات خارج إطار الزواج أو كما ذكرت له " جنس غير محمي" وإمكانية نقلهم المرض لزوجاتهم واللواتي برغم شرفهن يصبن بهذا المرض وكان سؤالى له ولقراء هذا المقال " هل الإيدز هنا عار في الدنيا وفضيحة في الأخرة لهاته النساء الشريفات" , وعلى نفس النسق إصابة أشخاص بالمرض بسبب نقل دم ملوث لهم بالرغم من كونهم إناس شرفاء ومخلصون فهم أيضا لا ينطبق عليهم تلك المقولة في الملصق المنتشر في جدران الشوارع المحيطة بالجامع وبالتالي فإن التعميم الذي قام به فقية الجامع وتابعيه فيه من الظلم الكثير للمتعايشين مع الإيدز.

أنا لا اعترض معه في الرأى على كون الدين الاسلامى هو من أهم أسباب الوقاية والعلاج ولكنى لم أكن لأتفق معه في المطوية التي كانت تحمل من الوصم للمتعايشين مع الإيدز الكثير وذهبت من عنده لا هو أقنعنى ولا أنا أقنعته للأسف .

وبالرغم من وجود شبكة شهامة وهى شبكة من الزعماء الدينيين تدعو إلى إزالة الوصم عن مرضى الإيدز إلا أنها شبكة لا تضم الكير من الخطباء والعاملون بالدين في المنطقة العربية, وما يزال هناك الكثير من المتدينين أو الزعماء الدينيين المحليين " إن صح التعبير " خارج نطاق تغطية التوعية بالوصم والتعايش مع الإيدز وبالتالى ما يزالون يروجون لصناعة الوحش وهى مرحلة قديمة الطراز ولا تساير الحديث في هذا المرض !!!.

إن ما أردت الوصول إليه من هذه الحادثة التي مررت بها هو أن عشرون سنة أو أكثر من الأموال التي صرفت و الجهود التي أقيمت للتوعية بمخاطر الايدز أصبح نتاجا لها أن الكثير من الناس قد لا يقبلون عملية تدجينة والتقليل من خطورته والتي تقوم بها المنظمات الدولية حاليا, والسؤال, هل كان التصرف خاطئا؟ وهل كان يجب أن نقوم بالتوعية بمخاطر اللإيدز مع التوعية بحقوق المصابين به بشكل متساوي ومنذ البداية؟, وهل فات الوقت لجعل الناس ينظرون إلى المتعايشين معه كجزء من المجتمع يجب التعامل معهم بحب واحترام, ولماذا صرفنا الملايين في صناعة الوحش ولماذا سنصرف الملايين أيضا في تدجينه, هل يعتبر هذا شكلا من أشكال الفساد الفكري أم شكلا من أشكال عدم الروية الصحيحة منذ بداية الأمر؟ , والى متى سيستمر هذا التدجين ؟, هل حتى يصبح المجتمع قادرا على التعامل مع متعايش اللإيدز بشكل أنيق ومتفهم ومتساوي مع معاملة المجتمع لأي مريض بأي مرض .

من الواضح أن هذا يحتاج إلى الكثير من الأموال والجهود والحملات على صعيد واسع حتى ندجن الوحش الذي صنعناه, ونفند الشائعات التي نشرناها حول المرض خلال سنوات طوال, لأنه حتى الريفي الآن يخاف من الايدز خوفه من جهنم, ولا يفكر حتى بالتعامل مع المصابين به ولو على سبيل الحديث العادي .

 متى يبدءا المجتمع بالتعايش مع المتعايشين مع الإيدز؟