Sun,May 05 ,2024

منظمات المجتمع المدني بين المظهر الشكلي والعمل والتأثير الفعلي

2020-12-25


بالطبع هناك العديد من مؤسسات المجتمع المدني التي قامت بالأساس لخدمة المظهر الشكلي لقامة سياسية أو إجتماعية كبيرة وبعضها نشط على إعتبار أن هذه القامة تدعم أنشطة المؤسسة وتجعلها قادرة على التأثر والتأثير في محيط المجتمعككل , وكما توجد هذه المؤسسات الخادمة للقامة السياسية أو الإجتماعية فيوجد أيضا مؤسسات قائمة على المظهر الشكلي ولا تقدم في الأساس أي خدمة لفئاتها المستهدفة وهي موجوة فقط لأغراض تتعلق بالكسب أو بالمظهر الخاص بمؤسسها أو لأغراض التواجد ليس إلا, ومع ذلك فهناك من المؤسسات الكثير والتى نشأت عبر الشباب أو النساء وحاولت أن تنافس وأن تقدم العديد من الأفكار والأنشطة ونجحت خلال السنوات الماضية لحد كبير وبدأت تأخذ شهرتها ومكانتها كمؤسسات رائدة ونشطة وتتمتع بمصداقية كبيرة وتشجيع من جانب المجتمع والمانحين والفئات المستهدفة والحكومة .

والفكرة هنا تتلخص فى محاولة الإجابة على بعض الاسئلة عن منظمات المجتمع المدنى هل تتمتع بالمصداقية الجادة أم أنها يعيبها المظهر الشكلى ومحاولة الإجابة عن هذه الأسئله من خلال بعض الأفكار التالية :

  1. المتهم برئ حتى تثبت إدانتة :

إن المصداقية مفردة داخلية لا يمكن دراستها وقياسها بعمق وتكوين نتيجة حقيقية عنها بما يدعم عدالة الإتهام الموجه لمؤسسات المجتمع المدنى بعدم فعاليتها وبالتالى عدم مصداقيتها ووقوعها فى فخ المظهر الشكلى, وبالطبع هناك العديد من المؤسسات التى تفتقد للمصداقية بالرغم من قدرتها الكبيرة على العمل والفرص الكثيرة المحيطة بها والتى قد تدفعها لتكون ذات مصداقية عالية ولكنها لا ترغب بالعمل الجاد والحقيقى لنشوئها أصلا لخدمة أغراض قامة سياسية أو إجتماعية أو إقتصادية ما, ولأجل عدالة الإتهام وكما يقال فى الأدبيات الحقوقية والقوانين أن المتهم برئ حتى تثبت إدانتة وكذا لوجود أيمان بأن الرغبة بعمل الخير هو القاعدة والرغبة بعمل الشر هو الإستثناء فأننا نقول أن الكثير من مؤسسات المجتمع المدنى تتمتع بمستوى جيد من المصداقية إن لم نقل معظمها ولكنها فقط تفتقر الأليات المساعدة على تكوين مصداقية عالية بما يوقعها فى فخ المظهر الشكلى, وسوف يتم سرد بعض ما فكرت به فى هذا المجال حول الأسباب التى تدفع المؤسسات لخسارة مصداقيتها أمام الاخر رغم وجودها على مستوى الداخل ويدل عليها أجواء الحماس الحقيقى والرغبة الأكيدة بالتغيير ومن هذه الأفكار الفقرات التالية :

  1. مفردات متعلقة بالمصداقية :

أغلب الظن أنه لا غنى عن هذه المفردات وغيرها فى تشكيل المصداقية فى أعمال مؤسسات المجتمع المدنى ودفعها لمزيد من الحراك و القوة:

  • الرغبة

إحدى أهم المفردات التى تتعلق بممارسة أى نشاط وهى المحفزة الأكبر للعمل مهما كانت نوعيتة وأشكالة بداية من الحب ومرورا بالعمليات الشرائية وإنتهاء بالأعمال السياسية والاقتصادية والاجتماعية وأعمال مؤسسات المجتمع المدنى, ووجود الرغبة بالعمل والتأثير لدى مؤسسات المجتمع المدنى لخدمة فئاتها المستهدفة يجعل منها ناشطة فى مجال البحث عن مشاكل هذه الفئات والبحث عن حلول لهذه المشكلات والتوعية والترويج والضغط والمناصرة والتدريب والتأهيل والأعمال الخيرية وكل الأنشطة التي تهدف لإيجاد حل لهذه المشكلات, ومن المهم معرفة مدى تواجد هذا المفهوم وهذه المفردة لدى العاملون فى مؤسسات المجتمع المدنى لأنها أهم أسباب المصداقية ومن غير تواجد هذه المفردة فإن الغالب هو وجود المظهر الشكلى لدى هذه المؤسسات, وأغلب الظن أن هناك الكثير من المؤسسات التى تملك الرغبة فى خدمة محيطها الإجتماعى ولكنها تحتاج للتحفيز والدعم لتكون بداخلها رغبة فاعلة وحقيقية في العمل المجتمعي.

  • القدرة :

فى دراستى ضمن دبلوم فنى أدارة التنمية فى المعهد الوطنى للعلوم الادارية كان من أهم الدروس التى تعلمتها فى بعض الدراسات المحاسبية هى أنه لا وجود أهمية تذكر للرغبة دون وجود قدرة على تنفيذ هذه الرغبة, وعلى مستوى مؤسسات المجتمع المدنى فإن عدم المصداقية فى كثير من الأحيان لا ترجع لعدم وجود رغبة لدى القائمين على هذه المؤسات بخدمة مجتمعهم المحلي ولكنها ناشئة عن عدم القدرة على تقديم هذه الخدمة, وعدم القدرة هنا يتمثل فى الاتى :

  1. عدم القدرة على كتابة وصياغة المشاريع.
  2. عدم وجود علاقات عامة مميزة.
  3. إنعدام وجود علاقة جيده مع المانحين من مؤسسات دولية وقطاع خاص وحكومة.
  4. الإفتقار لمعلومات عن المشاكل فى المجتمع المحلى " إحصائية ونظرية".
  5. البعد الجغرافى عن رؤؤس الأموال .
  6. البعد الجغرافى عن أماكن التدريب والتأهيل وبناء القدرات

وغيرها الكثير من الأسباب التي تدفع لعدم وجود قدرة لدى هذه المؤسسات والجمعيات لكى تصبح ذات مصداقية فى عملها فى مجتمعها المحلى, وأذكر فيما أذكر أصدقاء لى فى مأرب يملكون أحلاما مليئة بالرغبة فى تنمية مجتمعهم المحلى ولكنهم حتى لا يعرفون طريق مؤسسة دولية واحدة بصنعاء أو كيفية التقديم لها, فكيف بالتواصل والتفاوض وإكتساب التمويل والعمل على خدمة المجتمع المحلى من خلال هذا المال, وأغلب الظن أن المصداقية هنا موجودة ولكنها تنقصها المعلومات والقدرات لتصبح فعالة .

  1. الذى تعرفه خير ممن لا تعرفه :

إن هذه الكلمة هى دين يؤمن به العديد من المانحين من قطاع خاص وحكومة ومنظمات دولية والتي تتعامل فى الغالب مع جهات بعينها أثبتت مصداقيتها على مر زمن نشاطها وأصبحت محل إعجاب العاملون فى مؤسسات المجتمع المدنى فى اليمن, وهذا لا يعنى أن هذه المؤسسات شريرة ومسيطرة أو كما تسمى بالحيتان بقدر ما يعنى أنها مؤسسات نمت وكبرت وإجتهدت بحيث حصدت ثمار نشاطها ومصداقيتها العالية على مر سنين نشاطها, ولكن من المهم الإلتفات للمؤسسات الجديدة أو الغير نشطة أو الغير موجودة فى مراكز العواصم اليمنية ودفعها للتقديم وإستيعاب الدعم لتصبح فاعلة وتمتع بمصداقية يتم بنائها معها عبر الخبرة والتجارب بدلا من تركها تعانى مرضا مزمنا من الجمود يثبت عليها إتهام الوقوع فى المظهر الشكلى, وهذا يعنى أن تقوم مؤسسات التمويل الخاصة والحكومية والمنظمات الدولية بتخصيص برامج ومنح خاصة تدفع لأول مرة للمؤسسات الجديدة أو التى لم تدخل مع هذه المؤسسات التمويلية فى مشاريع سابقة وذلك لإختبارها وإختيار الشريك الجيد منها مما يدفع سنويا بجملة من المؤسسات من منطقة المظهر الشكلى لمنطقة المصداقية.

  1. القيادة المؤمنة ودورها فى المصداقيه:

تعتبر القيادة لأي مؤسسة هى العمود الفقرى والعقل المدبر لنشاطات المؤسسة والقيادة فى الغالب هى التى تقوم بعمل المؤسسة وتطرح فيها مواردها حتى تستطيع هذه المؤسسة أو تلك الجمعية الوصول الى درجة من المصداقية والنشاط كبيرين , والقيادة أيضا لها دور فى جعل المؤسسة ذات مظهر شكلى على إعتبار هذه القيادة للمؤسسة أنشأتها لأغراض تتعلق بالكسب أو المظهر الإجتماعى أو خدمة سياسية لشخصيات وأحزاب وجماعات.

إن مصداقية أى مؤسسة مجتمع مدنى تقوم فى الأساس على وجود قيادة ملهمة تدفع بهذه المؤسسة للفعالية والتأثير والتأثر بمحيطها المجتمعى, وعلى العموم فهناك العديد من المؤسسات التى يترأسها أشخاص غير ملمين بأدبيات تفعيل منظماتهم على مستوى الأفكار المبدعة والخلاقة والكتابة والصياغة للمشاريع, والعلاقات والإتصال, والتنظيم والتنسيق, وهذا لا يعنى أن هذه المؤسسة تفتقر للمصداقية ويغلب عليها الشكلانية, ولكنها قد تتمتع مستقبلا بشكل كبير من المصداقية النابعة من الحماس للعمل والتغيير وخدمة المجتمع المحلى إن حصلت على الخبرات والتدريب والتمويل, وما يجعلها غير قادر على التطور هو أنها غير قادرة على ترجمة هذا الحماس والرغبة لمستوى الواقع فتقع حينها فى فخ المظهر الشكلى والتواجد الغير مؤثر وظهورها للاخر كأنها هيكل فارغ بدون عمل جاد وفاعل فى الواقع برغم رغبتها الصادقة بالعمل وخدمة مجتمعاتها.

وعليه فإن وجود القيادة الملهمة له دور كبير فى جعل هذه المؤسسة أو تلك تتمتع بمستوى من المصداقية أو وقوعها فى فخ الشكلانية.

  1. اللا إحترافية ودورها فى ضرب مصداقية المؤسسات .

يغلب على فسيفساء المجتمع المدنى اليمنى مساحات لونية شاسعة خاصة بخدمة قضايا المجتمع وبالأخص المرأة والطفل والشباب ولكن هذه المؤسسات قامت بشكل سريع لتلبي طلبات ملحة للمجتمع المحلى مما أوقعها فى فخ اللا إحترافية فى العمل ولم تكتسب حتى الأن بسبب حداثة تجربتها وسرعة نشؤئها تراكم خبرات يجعلها نشطة بذلك الشكل المؤثر فى الحياة العامة, وعلى سبيل المثال نذكر عشرات الجمعيات النسوية التى ما تزال تعمل فى مستنقع الخياطة والتطريز ولم تستطع الإلتفات والتطور لقضايا الحقوق الإنسانية للنساء بما تحمله هذه الفئة من تنوع وثراء, وهذا ينطبق على الكثير من المؤسسات الواقعة خارج نطاق العواصم اليمنية والكثير من المؤسسات داخل هذه العواصم كصنعاء وتعز وعدن, وهذه الاإحترافية لا تضرب فقط نشاطات المؤسسات فى حال تواجد نشاط معين تقوم به ولكنها تضرب مصداقيتها فى العمق بحيث يبدو أن أعمالها ونشاطاتها وكأنها قبض للريح أو غير ذات تأثير وفوضوية بالرغم من أن لها نشاطات أرهقت كادر المؤسسة وجعلته يعتقد بأن مؤسستهم فاعلة بينما هى على مستوى التقييم الحيادي تبدو غير فاعلة وغير ذات مصداقية .

  1. العيش فى دائرة مغلقة

هذا من أهم أسباب نشؤ عدم مصداقية لهذه المؤسسة أو تلك وهى الخوف من النزول للشارع والخوف من المواجهة المباشرة مع قضايا المجتمع بما يجعل هذه المؤسسات تبدو غير مؤثرةبسبب وتضرب مصداقية المؤسسة فى العمق, وينتج هذا العيش ضمن دائرة مغلقة من الذات المؤسسية , وعدم معرفة قضايا المجتمع المحيط, وعدم معرفة طرق معالجة هذه القضايا والخوف أساسا من توسيع نطاق الأعمال لعدم القدرة على تغطية هذه النشاطات بالكوادر البشرية والوفر المادى .

إن العديد من المؤسسات نسمع بها ونراها تفتح أبوابها كل يوم ويأتيها الموظفون والمتطوعون ويعملون ويرجعون لبيوتهم ضمن نشاط يغلب عليه الجانب التوريقى وليس التنفيذى بمعنى أنهم ما يزالون فى مرحلة الورق ولم يستطيعوا الخروج منها, والكثير من المؤسسات بالرغم من قدم تواجدها إلا انها ما زالت لم تخرج من هذه المرحلة ونسمع عن إجتماعاتها التى تحتوى كل أحلام المؤسسة ورغباتها بالعمل فى المجتمع المحلى, ولكنها لا تستطيع إخراج كل هذا الكم من الورق والأفكار المكتوبة عليها لحيز التنفيذ بل بالعكس تراكم المزيد من الأوراق كتأكيد على الأحلام السابقة بأحلام جديدة تظل كلها حبيسة الأدراج .

نعم ان العمل على مستوى الورق مهم لكنه ليس كل شى, والتخطيط كما يقال من أهم خطوات أى مشروع إن لم يكن أهمها على الإطلاق, ولكنه ليس كل شئ ضمن المشروع, ويبدو أن الوقوع الأبدى فى مرحلة الورق والتخطيط يجعل من الكثير من المؤسسات تحمل سمعه سيئة وتجعلها تبدو كمن يصدر جعجعه دون أن تنتج طحينا, وهذا يؤثر على مصداقيتها رغم وجود الحماس والرغبة, ولكنها لا تملك الشجاعة لتحقيق الأحلام .

  1. الجغرافيا ودورها فى ضرب مصداقية المؤسسات .

بصدق قد يصل عدد الدورات التى يحظى بها ناشط فى مؤسسة مجتمع مدنى فى العاصمة صنعاء لأضعاف مضاعفة الدورات التدريبية التى يحظى بها ناشط فى مدينة أخرى, وقد يحظى طاقم مؤسسة فى صنعاء أو عدن أو تعز بالكثير من التدريب والتأهيل لا يحظى بعشرة فى المائة منة طاقم عمل يعمل فى مؤسسة فى مأرب أو الجوف, وبصدق فأن التمويل الذي قد يصل لمؤسسة فى صنعاء قد يصل لأضعاف التمويل الذى تستقطبه مؤسسة فى الحديدة وذمار على سبيل المثال.

إن الكثير من المؤسسات بشتى أصنافها أنشئت فى الفترة الأخيرة فى كل المدن تقريبا, ولكن سيطرة المؤسسات فى صنعاء على جزء كبير من النشاط والتمويل والتدريب والتأهيل وبناء القدرات يجعل من الكثير من الجمعيات والمؤسسات فى المدن الاخرى أشبة بالمتوقفة عن العمل لانها لا تملك الطاقم المحترف ولا التمويل الذى يدفعها للنشاط مما يوقعها وبشدة فى فخ المظهر الشكلى ويضرب مصداقيتها فى العمق.

نفس الشى ينطبق على التحالفات والشبكات التي تنشاء فى الغالب فى العاصمة أو عدن مما يجعل من الكثير من المؤسسات خارج هاتين العاصمتين خارج نطاق التغطية تماما بما توفرة الشبكات من معلومات وتدريب وتأهيل وحتى تمويل فى بعض الأحيان .

وعلى مستوى المعلومات فلها دور كبير فى دفع مسيرة أي مؤسسة لمستوى أكثر إحترافية ولكن البعد عن العاصمة ووسائل إتصال حديثة وعلى رأسها الإنترنت يجعل من هذه المؤسسات غير قادرة على بناء قدراتها عبر الإنترنت وذلك أضعف الايمان.

إن عدم قدرة المؤسسات فى المناطق خارج المدن الكبرى في اليمن يجعلها ذات تاريخ زمنى كبير يمتد لسنوات ولكنها لا تبدو نشطة أو عاملة فى خدمة مجتمعها المحلى مما يوقعها فى حفرة اللامصداقية و يصبح إتهامها بالمظهر الشكلى لا مفر منه .

فى الحقيقة هناك الكثير من الأسباب التى قد تدفع بالمؤسسة سواء كانت داخل أحد العواصم الرئيسية أو في المحافظات الأخرى إلى التشكيك بمصداقيتها وإتهامها بالمظهر الشكلى ومن هذه الأسباب ايضا الإحلال الكبير فى الكفاءات داخل هذه المؤسسات بما يجعل هذه المؤسسات تمر بمرحلة البداية أكثر من مرة خلال تاريخها المهنى لذهاب كوادرها لاأعمال ذات ثبات ومردود اقتصادى مأمون, وكذا فإن تحديات التمويل وتذبذبة يجعل من الكثير من المؤسسات غير قادرة على النشاط المستمر, ويجعلها ناشطة على نطاق مؤسمى, يساهم هذا فى إتهامها بالفساد واللامصداقية على إعتبار أن المجتمع المحلى فى معظمه غير واثق بأن ما وزعته هذه المؤسسة خلال شهر رمضان على سبيل المثال هو كل ما حصلت عليه بالرغم ان هذه المؤسسة لا تعمل اإا خلال هذا الشهر, وهذا أيضا يضرب مصداقيتها ليس أمام المانحين ولكن أمام الفئات المستهدفة بالرغم من أنها قد تكون شفافة وراغبة فعلا فى خدمة مجتمعها المحلى .

إن المصداقية تحدى مهم لأي منظمة فأن تثبت مصداقيتك فهذا يعنى انك ضمنت العمل على نطاق واسع ولدى الكثير من الشركاء على المستوى المحلى والعالمى وبناء المصداقية بتطلب الكثيرمن العمل والجهد والتخطيط وهذا ما لا تجيده من المؤسسات إلا القليل.