Mon,May 06 ,2024

طغيان أشكال الإدمان

2020-12-25


هل مر العالم بمثل ما يمر به الآن من طغيان لأشكال الإدمان المعاصرة وطغيان أشكال وأنواع منه طبيعية أو دوائية أو عبر مستحضرات كيمائية عدا أشكال الأدمان للمنتجات المقبولة لدى الشعوب كالتدخين وغيرها المقبول في بعض الشعوب كالخمور والكثير من المنتجات والعناوين والأسماء التجارية؟ والجواب هو لا.

لن أتطرق لتاريخ الإدمان والسباحة في ملكوت الوهم والفرفشة والكيف .ولكنى سأحاول أن أعطى فكرة عن ما يحدث الآن من طغيان لأشكال الإدمان وإنتشارها, ولكي يصبح النص فلنحاول أن نتقدم منه على مستويات متعددة أولها على المستوى الوطني في اليمن , وعلى مستوى إقليمى وعربي, وعلى مستوى عالمي والمقال عموما لا يتطرق لمعالجة أكاديمية ولا يوجد بداخله إحصاءات دقيقة ولكنة رأى أحببت أن أشاركه.

لنبداء باليمن ولنستعرض تجربتها في مجال الإدمان, وخصوصا المخدرات, فقد ظهرت على شاشة موقع مكتوب الرئيسية عنوانا مثيرا عن اليمن وتجربتها في مجال الإدمان, وتحولها من مجرد ممر أو منطقة عبور إلى منطقة الخليج إلى أن أصبح لديها مستهلكوها لمجموعة من هذه المخدرات, واليمن عموما دولة تقليدية محافظة بالنسبة لأشكال المخدرات الأخرى, ولكنها تحتفظ لنفسها بالعديد من أشكال الإدمان الوطنية والتي توراثها الأبناء عن الآباء والأجداد.

يعتبر القات من أهم الأشياء التي يدمنها المجتمع اليمنى بكل شرائحه” حتى المثقفون منهم ”, والقات حتى ما قبل سنين قليلة ليس منتشرا بالقدر الذي أنتشر به في الوقت الحاضر, و قد ساعد على انتشاره حاليا سهولة المواصلات بين أنحاء اليمن المختلفة, وفي الماضي كان القات مزروعا ومتداولا في المناطق الريفية وفى القرى القريبة من المدن, وكانت المواصلات تفعل دورها في محدودية إنتشارة قبل قيام الثورة اليمنية المباركة في 26سبتمبر عام 1962, وإن من أسباب انتشار القات في العديد من فئات المجتمع اليمنى بهذا الشكل الجنوني إختفاء العديد من الآداب والممارسات التي كانت تصاحبه قديما, ولم يعد الشباب اليمنى يعترف بها, فمثلا لم تكن الفتاة التي لم تتزوج قادرة على تناول القات حتى إذا تزوجت كان لها ولزوجها الحرية في تناوله أم لاو ولكن الأن يبدو أن هذا المعيار أو الممارسة إختفت, وهذا عدا أن المدمنون على القات كانت لهم أدبياتهم وخصوصا في التوقيت, وكان وقته متعارف عليه, ووقت التخلص منة معروف, و كان أغلب شباب الماضي وهم شيوخ الآن واللذين احتفظوا بعاداتهم حتى الآن يتخلصون منه عند المغرب ليقوموا لأداء الصلاة والسمر والنوم, ولكن الآن وبالنسبة للشباب في الوقت الحالي فقد إختفت هذه الأداب أو المعايير, وهم يتناولونه في بعض الأحيان من النهار حتى صباح اليوم التالي, ويمضغونه حتى في الصباح إن توفر, وإجمالا كان للقات في اليمن تقنينات أحترمها الآباء ولكن لم يحترمها الأبناء, وهذا لا يعنى أنني مع القات فأنا ارفضه قلبا وقالبا, ولكن كانت العديد من التفنينات القديمة في تناوله تساعد على الأقل في محاصرة مضغه وعدم تبديده الأوقات الأخرى لممارسة بقية أنشطة الحياة وخصوصا المقدسة منها كأوقات الصلاة .

وتعتبر الشمة ” البردقان ” من أنواع الإدمان المتداولة في المجتمع اليمنى ولها ألوان عدة منها الأصفر والبني, وهى توضع في الفم لبعض الوقت لإيتحلابها ومن ثم بصقها, وهى في العادة من التبغ المطحون مع بعض الإضافات, وهذا النوع من الإدمان كان والى وقت ما متداولا في أوساط الأخدام فقط ” وعذرا لعنصرية اللفظ ” وأما بالنسبة للكبار في السن فهم في الغالب لا يتناولون هذه المادة إلا في النادر, وكان محكوما وما يزال بالعديد من المعايير مثل عدم تناوله إلا بعد التخلص من القات مباشرة وفقط في ذلك الوقت, ولكن الآن هناك العديد من الشباب اللذين يتناولون هذه المادة, وبشكل مرضى وغير مقنن بوقت أو كمية, وحتى أن الكمية التي تكفى الكبير في السن لأسبوع لتناولها بعد القات فقط قد لا تكفى الشاب إلا ليوم واحد فهو يتناول المادة لعدة مرات يوميا قبل ومع وبعد القات وقبل النوم وعند الاستيقاظ هكذا بدون أي قانون, وإن تفشى أشكال إدمان متنوعة في مجتمع ما فهذه مصيبة, ولكن المصيبة الأكبر حين لا تكون لهذه التصرفات قوانين وأعراف وسلوكيات وممارسات تحد منها أوعلى الأقل تجعلها مقبولة.

بالنسبة ” للمداعة ” وهي شكل تقليدي يشبة الشيشة وإن كانت أكبر حجما وتستعمل التبغ الطبيعي والفحم الطبيعي أيضا فقد كانت مخصصة للكبار فقط اللذين يدخنون عند تناول القات الذي يبدو وكأنة المستقطب لكافة أشكال الإدمان الأخرى ليصبح تناوله ومضغه أكثر تأثيرا, ولكن الآن فالناظر ليس فقط إلى اليمن ولكن إلى العالم العربي يجد أن من الكثير من الكبار والشباب من الجنسين يتناولون الشيشة بشكل جنوني, أما بالنسبة للمداعه كخصوصية يمنية فلم تعد هناك أي قانون لها, ولم تعد للكبار فقط ولكنها أصبحت للشباب من الجنسين حتى اليافعين منهم .

إن المشكلة في أشكال الإدمان السابقة هي أنها تكتسح الشباب اليمنى بشكل كبير, وقد نجد شباب متعلمون ووسيمون, ومع ذلك تشاهدهم يبصقون على الأرض بقية فضلات القات أو البردقان والشمة, ولم تعد هذه الأشكال اليمنية التقليدية مخصصة لفئات معينة كالشمة مثلا التي ذكرنا أنها كانت مخصصة لفئة الاخدام في اليمن فقد تجد الكثير من الناس يتناولونها من مستويات إجتماعية مختلقة, ولم تعد هذه الأشكال محصورة على المتزوجين بل يمكن لأي يافع أن يتناولها ويمارسها بما في ذلك الفتيات.

وفى اليمن ايضا العديد من الأشكال المستحدثة في الإدمان وتأتى على رأسها السجائر وهى نموذج من الإدمان الذي أنتشر بعد الثورة وبعد دخول بعض العادات الغير يمنية في الإدمان, والسجائر معروفة متداولة على مستوى العالم ولكنها في اليمن انتشرت بشكل أكبر, وفى عدد لا يستهان به من الشباب, وحتى هي لم تقونن بأي شكل من القوانين والأعراف المتداولة في العالم على مستوى العالم فتحريم التدخين في المواصلات العامة لم يحترم في اليمن, وما يزال الكثير من الراكبون لا يهتمون بالقوانين التي تحظر هذا الفعل, وبالإضافة إلى أن اليمن بشكلها الحالي كموطن لأشكال عديدة من الادمانات المتعارف عليها على مستوى المجتمع تحتوى أيضا على مجموعه من أشكال الإدمان التي لا يعترف المجتمع اليمنى بمشروعيتها كالخمور والمخدرات ولكنها مخفية وغالية الثمن وليست موجوده بكثافة, ولكنها موجودة ومتداولة في السر بشكل لا نستطيع القول أنة منتشر كثيرا أم لا لغياب المعلومات, ولكن بالنسبة للمخدرات على سبيل المثال فاليمن كما يشاع منطقة عبور إلى دول الخليج العربي ولكن مع المعلومات المقدمة في المقال المذكور في موقع مكتوب خلال الأسابيع الماضية تحدث أن اليمن لم تعد معروفة كموقع عبور ولكن كمستهلكة أيضا لهذه النتاجات العالمية من مواد الإدمان.

عربيا فإن دول الجزيرة من دول الخليج شهدت خلال العقود القليلة الماضية طفرة مالية كبيرة جعلت منها قبلة لمهربي أنواع الإدمان, وسوق واعدة لأشكال الإدمان المحرمة والمحللة كالتدخين, فالتدخين على سبيل المثال متداول بشدة على مستوى الخليج العربي, ولعل ما ذكرته مجلة العربي في أحد أعدادها أن هناك أكثر من 60% من الشباب الاماراتى الذي يدرس يتعاطون التدخين يعطينا نموذجا قويا عن مدى انتشار شكل مهم من أشكال الإدمان في دولة من أهم دول الخليج العربية فما هو العدد أو النسبة التي يمكن أن نعرفها عن الشباب في الدول الخليجية العربية الأخرى, وهذا عن التدخين, ولكن وبالنسبة للمخدرات فإن انتشارها يبدو واضح من النشاط الكبير الذي تمارسه الحكومات الخليجية ومنظمات المجتمع المدني هناك, يعطينا دليلا عن مدى الإحساس بالخطر الذي يصيب هذه الدول ممن انتشار أشكال الإدمان في مجتمعاتها, وهذا يعنى أن الشباب في هذه المناطق مستهدفون وبشدة لكل مروجي خدمات الإدمان بشتى الأشكال, وحتى الآن ما زلنا في دول الخليج العربية وفى الكويت تحديدا وغير بعيدين أيضا عن مجلة العربي الكويتية, والتي استعرضت في العديد من حلقات النقاش الخاصة بالإدمان أضرار المخدرات والتي يدمنها العديد من الشباب في الكويت بحيث أصبحت هذه القضية من أولويات الأعمال على مستوى الحكومة وعلى مستوى مؤسسات المجتمع المدني .

وإن تركيز كاتب كبير بحجم أسامة أنور عكاشة في مسلسلاته على مفردتي ” البانجو والماريجوانا ” وخصوصا في معالجاته لدرامية لمشكلات الشباب المعاصر يعطينا دليلا أكيدا على ما يعانيه الشارع المصري من إنتشار لهذه الأشكال من أشكال الإدمان على مستوى الشارع المصري, ولا تخلو الأفلام المصرية من لفظة الغرزة أو شلة تمارس طقوس الكيف مما يعني معرفة مبدعي مصر بدرجة إنتشار وقوة وجود هذه الأشكال من الإدمان في بلادهم.

فى العالم, يدخل إلى مملكة الإدمان بشتى أصنافة كل يوم ألاف من الشباب من الجنسين, فالكحول وإن كان منتشرا في الدول العربية إلا أن ليس بالشكل الذي ينتشر به في العديد من الدول الغير عربية, ونحن في الوطن العربي ننظر إلى الكحول كشئ محرم, وبالتالي فالقليل من الناس والبشر الذين يدخلون إلى مملكتة بالعكس عن دول العالم الأخرى والتي لا توجد محرمات بالنسبة للكحول فيما عدا العمر وسن البلوغ فقط مما يؤدي إلى إنتشارة وشيوع إدمانه, وبالنسبة للسجائر فصناعتها قد وصلت إلى مرحل النضج وأصبحت كارتلات لا يستطيع الكثير منازعاتها أو إيقافها, وبالنسبة للمخدرات بكافة أشكالها كرائحة أو سوائل أو حبوب فهي منتشرة وبكثافة, ويتعاطاها الكثير من الناس في العالم , وحتى أن نسبة الخارجين من محنة الإدمان لا تقارن مع نسبة الداخلين إلى عالمه مما يعطى دليلا أكيدا على طغيان أشكال الإدمان على مستوى العالم.

قد يقول قائل أن الفقر قد يحد من مشكلة الإدمان ولكن حتى الفقراء لديهم وسائلهم في إرضاء نزواتهم كالقات الرخيص في اليمن أو السجائر في اى مكان في العالم أو حتى الكحوليات الرخيصة في الغرب ولذلك فمن الممكن أن لا تكون الثروة سببا في عدم إدمان الشخص, كما لا يتوقف الأمر على الفقر ليصبح صاحبها غير مدمن ولكن الأمر هنا متروك لنوع الإدمان وشكل المادة المخدرة ومدى تواجدها في السوق المحلية أو العالمية, وقد يقول قائل أن السبب فى إنتشار الإدمان هو البحث عن أشكال أكثر عدالة في الحياة من خلال العيش في أحلام المزاج , وذلك في ظل العديد من الأنظمة المستبدة أو حتى بسبب الظلم المتبادل بين البشر مما يدفع البشر والشباب إلى اللجؤ إلى عالم أكثر عدالة عبر الغرق في عالم أخر, ولكن حتى هذا القول فيه من الخدعة الكثير فحتى في الأنظمة الديمقراطية تتفشى الكثير من أشكال الإدمان المعاصرة كما أن الإدمان أيضا موجود في شعوب العديد من الدول المستبدة وحتى المتخلفة منها, فالفقر أو الثروة, الديمقراطية أو الإستبداد, الدين أو الإلحاد, العلم أو الجهل كلها لا تعتبر بتلك الأهمية التي تجعلنا نؤكد بمدى أهميتها في الحد من الإدمان إلا بنسب قليلة, والسوال الآن ما الذي يمكن أن يجعل من أشكال الإدمان ومدى انتشارها في حدودها الدنيا؟