Mon,Apr 29 ,2024

الشواذ جنسيا في الدراما العربية

2020-12-25


الدراما المصرية مكتسحة لسوق التلفزيون العربي بدون استثناء إبتداء بالتلفزيون ومرورا بالمسرح والسينما وحتى على مستوى الأغنية , ورغم أن الدراما السورية إكتسحت التلفزيون إلا أنها وحتى الآن ما زالت ناجحة في الدراما التلفزيونية فقط مع بعض نجاحات قديمة في مجال المسرح, ومع وجود الدراما الخليجية ( الكويتية خاصة ) وعدم وجود مشاهدات أو معلومات للنشاط الدرامي في بلدان المغرب العربى والمحلية الشديدة للدراما في البلدان العربية الأخرى يتحدد الموقع الجغرافي لهذا المقال والذي يسمى مصر, والتي كانت من أوائل الدول العربية التي دخلت عصر الصورة (العادية والملونة فيما بعد)وظهرت خلال عشرات السنين ألاف من الأفلام والمسلسلات والمسرحيات المصرية, وخلال تلك السنوات لم يتم على أصح تقدير أي معالجة لموضوع ” المثلية الجنسية ” إلا فيما ندر وبشكل غير مباشر فيماعدا بعض الأفلام الحديثة ومن بين كل الأفلام القديمة لا يبدو أن هناك معالجة لهذا الأمر .

بداية التلوين … بداية المثلية :

لم تكن مقاربة موضوع ” المثلية الجنسية ” داخل السينما المصرية موجودا إلا فيما ندر وبشكل غير مباشر, وتأتى أول إشارة لهذه الموضوعة في حدود علم الكاتب ضمن أول الأفلام الملونة وهو فيلم أبى فوق الشجرة والذي قام ببطولته” عبد الحليم حافظ ” وكانت الإشارة الغير مباشرة ولكنها واضحة في سؤال عماد حمدي ” والد عبد الحليم في الفيلم ” عن مصير ولده في كازينوهات الإسكندرية حيث كان سواله عن شاب أسمر يرتاد هذه الكازينوهات فتبرع النادل بأجابته أنة لا يوجد شاب بهذه المواصفات ولكن يوجد شاب أبيض أسمه كذا, وبالطبع كانت الإشارة واضحة عن الخدمة, ولكنها أدخلت ضمن سيناريو وضمن جو عام ” الكازينو ” يجعل من الإشارة تلك لا تثير المشاهد على اعتبار أن الجو العام للكازينوهات من المحتمل أن يقدم مثل هذه الخدمات لمرتاديه وعلى الأقل هذا ما هو موجود في العقل العربي عن الكازينوهات, وتعتبر هذه الإشارة الغير واضحة والتي قيلت على هامش نص الفيلم من أول الإشارات لموضوع المثلية الجنسية ومع أكثر من ثلاثون أو أربعون عاما قبل هذا الفيلم ومع أكثر من ثلاثون أو ابعون عاما بعد هذا الفيلم لم تكن هناك أي إشارة للمثلية في حدود للمعلومات المتاحة للكاتب.

محمد صبحي .. معالجة مسرحية للمثلية :

في مسرحيته ” طريق السلامة ” ظهر الشاذ جنسيا بوضوح ضمن شخصية كاملة داخل المسرحية لها تكوينها الخاص ودورها داخل النص المسرحي, وفي ذلك النص والذي قدم شخص ” مثلى الجنس ” بشكل جاد وقوى ظهر الشاذ بكل ما يحمله من مشاعر الرغبة ورؤية المجتمع له على الأقل داخل أنماط الشخصيات التي قدمتها المسرحية والتي وإن كانت ” أي المجموعة ” قد قامت بإقصاء المثلى الجنس وكذا إهانته عبر سيناريو المسرحية الا أنه كان هناك بعض التفهم لنمط شخصيته كما كان هناك تفهما لبائعة الجسد أو القواد داخل المسرحية والتي كانت تحمل الظروف المجتمعية المحيطة أغلب أمراض المجتمع المعاصر, وتعتبر مسرحية طريق السلامة من المسرحيات المهمة والتي وإن كانت قد ناقشت قضية التحلل الاخلاقى في المجتمع كما يرى الكاتب ” وفريق عمل المسرحية “ الا أنها ناقشت أيضا ضمن مساقاتها قضايا أخرى كالتطبيع والصراع العربي الاسرائيلى وهى الثيمات التي أدمنها محمد صبحي في مسرحياته ومسلسلاته الجديدة ولكن هل وجدت معالجات أخرى داخل الدراما المصرية السينمائية للشاذ جنسيا والجواب هو نعم .

عمارة يعقوبيان .. الشذوذ الجنسي داخل معالجة متميزة :

فيلم عمارة يعقوبيان من أهم الأفلام التي ناقشت قضية الشذوذ الجنسي بشكل يقترب من الكمال في فهم شخصية الشاذ جنسيا ونمط حياته وتاريخه الماضوى الذي جعل منه على هذه الشاكلة, وهى القصة التي ربما تتكرر مع العديد من الأطفال وخصوصا مع المعدلات المرتفعة لإستغلال وإنتهاك الأطفال جنسيا ليس على مستوى الغرب فقط ولكن أيضا على مستوى حتى الدول المحافظة, وقدم الفيلم شخصية الشاذ جنسيا بكل ما يحمله من أفكار وأحاسيس وأفكار وحتى طريقة التعامل المجتمعي معه وطريقة تعامله هو مع نفسه, وتنوعت الأفكار ما بين القبول الضمني له لثرائه وكذا احترام علاقاته داخل الشارع ” العلاقات النمطية العادية ” ولكن مع وجود احتقار لعلاقاته المثلية, وعلى مستوى التقمص كان ” خالد الصاوي” في قمة إبداعه لشعور الأذى بنفسه وبمجتمعه على الرغم من أن الكثير من المقالات النقدية والتغطيات إنقسمت ما بين مصدق وعدم مصدق لهذه المشاعر التي استطاع الممثل تقمصها بقوة , وفى النهاية فأن عمارة يعقوبيان من أهم الأفلام السينمائية التي ناقشت تطور المجتمع المصري بكافة شرائحه منذ ثورة 1952 بشكل تمهيدي للفيلم وقفزا للمجتمع المصري المعاصر بما يحويه من أنماط بشرية مختلفة ومتعددة تنوعت ما بين رجل الشارع العادي والثرى والتاجر والإرهابى والشاذ جنسيا.

إيناس الدغيدى .. معالجة خجولة لمخرجة جرئيه :

” ما تيجى نرقص ” هو أخر الأفلام التي قامت بإخراجها إيناس الدغيدى وهى المخرجة المتهمة بأنها مخرجة الجنس .. بسبب معالجاتها في أفلامها .ولكن المدقق في فيلمها الأخير ” ما تيجى نرقص ” يجد أنها فقدت الكثير من جرأتها المزعومة عند معالجتها لقضية الشذوذ الجنسي على الرغم من أن الفيلم سبقته دعاية ضخمة لهذه الجزئية بالذات ولم ترقى المعالجة الإخراجية لإيناس الدغيدى إلى مستوى معالجة محمد صبحي المسرحية أو إلى مستوى معالجة ” عمارة يعقوبيان ” لشخصية الشاذ جنسيا, ولكن ما يمكن اعتباره جرأة في فيلم إيناس الدغيدى للمثلية الجنسية هو تقديمها لمستوى القبول شبة الكامل لشخصية الشواذ جنسيا في المجتمع, وهذا ما يتعارض بداهة مع ثقافة وآداب مجتمع كالمجتمع المصري, فقد كان مستوى القبول يتعارض مع توجهات رجل الشارع العادي في رفضه لهذه الشخصيات, ولكن ما قدمه الفيلم كان قبولا عاما لمتدربى مدرسة الرقص في الفيلم لشخصية الشاذين جنسيا بشكل يدعو فعلا إلى الدهشة.

من الممكن اعتبار أن هذا التقديم وما سبقه من مسرحية” سكة السلامة “وكذا عمارة يعقوبيان تعتبر بدايات لمعالجات أجود في المستقبل لشخصية الشاذ الجنسي في المجتمعات العربية على إعتبار أن هذه الفئة حتى الآن لم تخضع للدارسات والأبحاث إلا فيما ندر ولم تخضع للتوثيق في الأفلام الروائية والدرامية إلا فيما ندر أيضا على الرغم من ثراء هذه الشخصيات بالكثير من الحكايات والمشاهد وغناءها الدرامي في حال تمت مقاربتها بشكل جيد

.المسلسلات :

الأمر يزداد تعقيدا فالمسلسل يخضع للرقابة بشكل أكبر من الفيلم السينمائي, و على أبعد تقدير لم يكن هناك في حدود علم الكاتب مقاربة لموضوعه المثلية الجنسية في المسلسلات المصرية, وقد جاءت قضية الشذوذ الجنسي داخل المسلسلات بكل غير مباشر وبعيد كل البعد عن المثلية ولكنها أدخلت داخل قضية أخرى تعتبر والى حد ما من القضايا التي هزت الشارع المصري والعربي في حينه على إعتبار ما أشيع عنها في ذلك الوقت , وقد ساعد تمرير الفكرة أن مؤلف المسلسل من المؤلفين الأقوياء وهو أسامة أنور عكاشة ففي معالجته الدرامية لمسلسل ” إمراءة من زمن الحب ” إستطاع أسامة أنور عكاشة أن يقدم قضية ” عبده الشيطان" وهى القضية التي هزت الشارع المصري والعربي فقد كان ظهور قضية عبده الشيطان وإن بشكل سريع إشارة إلى موضوعات الجنس والشذوذ الجنسي ولكن مثل هذه الدلالات لا يعرفها إلا القارئ المطلع على قضية عبده الشيطان والطقوس التي كانوا يمارسوها, وكانت الإشاعات تتردد في ذلك الوقت حول ممارسة طقوس جنسية غرائيبية مع الفتيات أو الذكور بعضهم ببعض ولكن ملاحظة الشذوذ الجنسي في كتابات أسامة أنور عكاشة تحتاج إلى أن يكون المشاهد ثريا في المعلومات التي يطرحها أسامة أنور عكاشة داخل مساقات الدرامية لمسلسلاته المختلفة, ولا يوجد في حدود علم الكاتب اى مسلسل مصري أخر عالج قضية الشذوذ الجنسي من قريبي أو من بعيد .

الأغاني :

ربما كانت الاغانى أكثر جرأة في تقديم الشاذ جنسيا ضمن سيناريو ما يسمى بالفيديو كليب والتي ظهر فيها بعض الشواذ عبر نص سيناريو الأغنية المصورة ومثل هذه الأنماط من الفيديو كليب غالبا ما يصورها بعض الفنانات الصغيرات واللواتي يقدمن شخصية شاب متخنث بجانبهن كزيادة ربما في توزيع الكليب ولكن ليس هنا مجال الكتابة عن ذلك على اعتبار أنة في الأيام القليلة القادمة سوف أقدم رؤية خاصة حول الشاذ جنسيا في الأغنية العربية لان الذاكرة لا تسعف الآن بأسماء المغنيات اللواتي قدمن لهذه الشخصيات في أغانيهن المصورة .

إن شخصية الشاذ جنسيا في العموم شخصية ثرية وتحتاج إلى مزيد من المعالجات الدرامية والبحوث والدراسات التي تستقصى نمط حياته وعلاقاته ومعرفته وثقافته ورؤيته للعالم والتي ربما تختلف بشكل كبير على الفئات البشرية الأخرى.