Fri,Sep 20 ,2024

الثقافة واللاجئون والوصم

2020-12-24


قبل أيام كنت قد تركت على صفحتي على الفيسبوك فقرة بسيطة عن مشهد واكبته في الشارع وكان عبارة عن سيدة سوداء تركب معنا الباص الذي نتوجه به من شارع بغداد لشارع الحصبة, وعندما وصلت لوجهتها طلبت من السائق الوقوف على جانب الطريق ونزلت وبالطبع يوجد لدى كل باص محاسب ليحاسب له على الطريق ويجمع له النقود حتى أخر اليوم, وحينها طلب المحاسب من السيدة رمى القطعة النقدية على المساحة الفارغة أمام السائق وبعد ما فعلت ما قال لها ذهبت فنظر ناحيتنا نحن الركاب وقال …إيدز .

ساعتها تذكرت أنني قبل فترة ركبت باص أخر كان يوجد على نوافذه الزجاجية تحذيرات من التدخين في المواصلات العامة وكذا ملصقات صادرة عن حملة "جيل العفة " والذي طبع ونشر ورأيت الكثير منه على جدران و أبواب المحلات التجارية وفيه جمله تقول داخل تصميم متميز  ( الإيدز, موت بطيء في الدنيا وفضيحة في الآخرة ).

أنه الوصم, فنحن نصم عرقا بأكمله (العرق الاسود) بأن كل واحد منهم مريض بالإيدز حتى تثبت براءته فهم متهمون من قبلنا بذلك, وحتى ولو كان غير مصاب فيكفى لونه الأسود ليجعلنا نطلق علية الإتهام ونصدقه ونتعامل معه على أساسه .

من قال أن اللاجئون الصوماليين مصابون بالإيدز, وأنهم سبب وجوده فى اليمن؟ هل توجد دراسات أو أبحاث أو إحصائيات في هذا المجال؟ أم أنها تخمينات الشارع وإشاعات إنطلقت من اللامكان لتلصق الوصم بعرق كامل من الإنسانية, وفي حديث مع صديق لي يعمل في هذا المجال ذكر أن كل الإصابات التي في اليمن لم تأت من الصومال ولكنها أتت من بلدان أخرى عن طريق أناس يمنيون كانوا يعملون أو مهاجرون في هذه الدول, وأصيبوا به عبر التواصل الجنسي الغير محمى مع أخرين في هذه الدول عبر علاقات طبيعية أو مثلية وأن أغلب النساء المصابات فى اليمن أصبن بهذا الفيروس عبر أزواجهن وأن عدد الحالات التي أصيبت بالمرض من عبر علاقات مع لاجئين صوماليين لا يتعدى 2% , وبالتالي فإن وصم كل أسود جاء من الصومال كمصاب بالإيدز هو شكل من أشكال التمييز العنيف والوصم المسبق الذي يجب العمل على معالجته في بلد تستضيف عدد مهول من اللاجئين يحدد بأكثر من مليون.

وقد نتج هذا الوصم كما أعتقد من المعلومات التي تبث في العالم أجمع أن القارة الأفريقية هي الأكثر تعدادا من ناحية المصابين بالإيدز في العالم فأصبح هذا يشكل لدى الرأي العام اليمنى أن كل ما هو قادم من هذه القارة هو مصاب بالضرورة, ويلقى هذا بظلاله على اللاجئين من ناحية عدم قدرتهم على إيجاد الأعمال في بلد اللجؤ " اليمن" وعدم القدرة على التفاعل مع المجتمع الذي يرفض أي شكل من أشكال التعامل معه, كما يقلل من حجم الحقوق التي يفترض أن يتمتع بها اللاجئون, ويصبح من الضرورة العمل على أنشطة تقوم على تفكيك هذا المفهوم لدى الشعب اليمنى من خلال المعلومات الصحيحة التي يجب أن تبث للمجتمع عن طرق الإصابة بهذا المرض وطرق العدوى التي ينتقل من خلالها وهى في الغالب طرق لا يعتمدها الشعب اليمنى كشعب محافظ في حياته ولا يحبذ الاتصال الجنسي المتعدد, ويجب أن يفهم قطاع واسع من الجمهور وليس العاملين في هذا المجال أن الإيدز لا ينتقل من خلال المشاركة في الأكل أو الشرب أو المشاركة في أحواض الإستحمام أو المشاركة العامة الخالية من التواصل الجنسي المتعدد والغير محمى أو نقل الدم أو المشاركة في الأدوات الثاقبة للجلد أو الإبر الخاصة بالمتعاطين للمخدر .

إن هذا يسوقنا إلى نقد العاملين في مجال الإيدز في اليمن والمعتمدين على نخبوية متلقي المعلومات عن هذا المرض وتدوير المعلومات حوله من خلال الكتب والمطويات على مجموعة قليلة من الناس بعكس الإتجاه الأصولى " الديني " الذي أقترب كثيرا من الناس وأصبحت ملصقاته موجودة لدى معظم باصات النقل العام والدكاكين الصغيرة في شوارع العاصمة, والذي يعتبر بشكل خاطئ أن الإيدز عار في الدنيا وفضيحة في الآخرة متناسين أن الكثير من المصابين أصيبوا به عن طريق إتصال جنسي شرعي مع الشريك كما هو حالة معظم النساء المصابات به أو عن طريق نقل الدم ولا عقاب ديني على هذا وذاك , ولكن وصول الأصوليون إلى الشارع العام قبل عشرات المنظمات التي تملك الملايين يعنى أن هذه المنظمات لديها خلل كبير في المنهجية وأليات العمل والفئات المستهدفة وأفكارها نخبوية في الغالب ولا تخرج من القاعات الفندقية وهذا خاطئ تماما.

أن تقليل كمية الوصم في هذا الموضوع تعنى النزول إلى الشوارع والعمل على الثقافة الشعبية والعمل بلغة رجل الشارع وهذا ما لم يقم به كل الفاعلون في هذا المجال, وفى هذا الشأن المتعلق باللاجئون, لماذا نتوجه بالنقد إلى الفاعلون في هذا المجال في ظل وجود المفوضية السامية لشئون اللاجئين أليس هذا نقدا لأشخاص لا يدخل ضمن أولوياتهم هذه الفئة, وبالتالي فالسؤال أين هي المفوضية السامية لشئون اللاجئين من كل ذلك؟ هل لديها برامج وأنشطة متعلقة بهذا المجال أم أنها لا تعتبر هذا ضمن أولوياتها, وبالتالي لا تحتاج أن تقوم بدراسات حوله أو إحصائيات أو العمل على الشارع لتقليل الوصم تجاه اللاجئين.

 نعم أين هي؟.