Mon,Dec 23 ,2024

الثقافة, تلك المهيمنة على قضايا السلام

2020-12-24


إن السلام لا يترجم الإحساس بالهدوء الداخلي للفرد فقط ولكنه يترجم الإحساس بالهدوء في عائلة الفرد ومجتمعه وحكومته وعالمه, ولا يحقق السلام تواجد الحقوق والحريات فقط بل ويدفع لخلق التسامح والحب والخير والجمال في النفس والمجتمع , ولا يداعب السلام في حال تواجده النفس الإنسانية فقط ولكنه يداعب الحيوان والشجر ويحميها ويجعلها متاحة لأجيال كثيرة قادمة من رحم الغيب .

وعلى العكس فعدم تواجد السلام يدفع لطغيان أجواء العنف والسلبية والانتهاك, وعدم تواجده مع النفس يحقق عدم وجوده مع الأخر ليدفع بالعراك إلى الواجهة ويقدم النزاع على شاشات الأخبار ويخلق الحروب والنزاعات لأسباب تافهة أو بلا أسباب أو حتى بأسباب كان يمكن القفز عليها أو الإتفاق عليها بالحوار.

السلام مهم ولكن لا وجود لسلام دون ثقافة تدفع بإتجاهه وتروج له و تحققه في المجمل, ولا بد أن أشير إلى فقرة قمت بنحتها منذ زمن مضى في أحدى كتاباتي تقول " إن الثقافة هي أساس كل مشكلة وهى الحل الجذري لها في نفس الوقت" .

ليست السياسة وليس الإقتصاد , وحتى الأديان من تخلق المشاكل بين الأشخاص وأرواحهم وبين الأشخاص بعضهم ببعض وكذا بين المجتمعات على مستوى الداخل وبين المجتمعات والدول بعضها ببعض, بل هي الثقافة من تخلق كل هذه المشاكل, وليست السياسة ولا الإقتصاد وحتى الأديان من تملك الحل لمشاكل الأشخاص وأرواحهم والأفراد بعضهم ببعض وبين المجتمعات على مستوى الداخل وبين المجتمعات والدول بعضها ببعض ولكنها الثقافة من تملك الحل .

فالعنف ضد الأطفال لا يمكن حلة بدراسة للأمين العام للأمم المتحدة أو بمبادرة عالمية من أجل إنهاء كافة أشكال العنف ضد الطفل ولكن ثقافة التربية هي من تحمل الحل, وطغيان أشكال التربية العنفية هو المشكلة, فأيمان الشعب أن العصا خرجت من الجنة وأن الضرب أهم أسلوب للتربية " ثقافة ", وماذا عن الطفل عندما يدخل فى عراكات مستمرة يعتقد جميع من حوله أنه سينشاء رجلا .. ليس إنسانا ولكن رجلا أليست هذه ثقافة؟ , وهذه الثقافات المسيطرة أهم من كل دراسات الأمم المتحدة مجتمعة, واليس العمل على تفكيك هذه الثقافة وإعادة توجيهها نحو طرق وأساليب تربوية بعيدة عن العنف هو الحل .

التمييز ضد المرأة والعنف الموجه ضدها وإغتصابها وإجهاضها وتزويجها بشكل مبكر هو ثقافة معنونة بهيمنة ومركزية الرجل عبر التاريخ وأولويته وقوامته, وإن هذا التمييز موجود وبقوة تضاهى وتزيد بمراحل عن الإتفاقيات الدولية من نوعية الإتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة, والتوصية بشأن الحد الأدنى لسن الزواج وغيرها الكثير من الإتفاقيات والعهود والمواثيق, وأجزم أن الثقافة هي الأهم في معالجة هذا المشكل المتعلق بالمرأة ومحاولة الوصول إلى المساواة الكاملة مع الرجل.

ولنقس على ذلك اللاجئون والمهمشون والطبقات الإجتماعية التي تعتبرها المجتمعات أدنى أو المعوقون والمكفوفين وأصحاب المشاكل مع القانون من الرجال والنساء والأطفال وساكني الشارع والصفيح والقمامة, فنظرة التمييز الناتجة عن الفوارق الإجتماعية و الدينية والعرقية هي في جوهرها ثقافية وحلها يتم عبر الثقافة من خلال التبشير بالمساواة والعدالة والإنصاف.

العنف " الجسدي - الجنسي - النفسي " في أساسة ثقافي ترفده مفاهيم القوة والهيمنة والحل أيضا ثقافي عبر الترويج لقيم الحق والخير والجمال, ولخصوصية الموضوع الموجه إلى السلام فأن السلام كمفردة هو في أساسها نشاط ثقافي , فعند النظر إلى مسائل متعلقة بصراع الحضارات نجد أن الكثير من الترجمات العربية قامت بترجمة ما يسمى بصراع الحضارات بإسم " صراع الثقافات " لأن الحضارة والثقافة تعنيان شيئان واحدا.

الحضارة في العموم وكما أظن هي كل ما يتعلق بمجتمع ما كاللغة والطقوس الإجتماعية والدينية والسياسية مرورا بطرق الصيد والعمل والصناعة والعمارة وهذا ما تعنيه الثقافة أيضا في كل ما يحمله المجتمع من خصوصية في هذه المجالات تحديدا, وصراع الحضارات " الثقافات " ينتج عن الإختلاف في هذه المجالات , وبالرغم من أن صراع الحضارات الآن قد تم تحديده بالصراع مع الإسلام إلا أنه يمتد أيضا إلى كل المجالات المذكورة عبر هيمنة اللغة وأساليب العمارة على الكثير من الأشخاص في الكثير من الدول.

اللغة الانجليزية مثلا أصبحت تنافس العديد من اللغات القومية في عقر دراها, وكذا أساليب العمارة التي أصبحت تجعل من تطابق المدن في طوكيو ودبي ونيويورك شيئا غريبا, ونفس الشئ على المستويات الإقتصادية والسياسية وهذا ما يجعل من الصراع هو المهيمن حتى الوصول إلى التشابه الكامل.

إن السلام وثقافة السلام ما تزال قابعة فى ركن مظلم لا يراه أحد وإذا أستعمل فيتم إستعماله كعلبة ماكياج لتجميل المشاريع الدولية والمحلية الخاصة به دون تحقيق نتائج مؤثرة.

إن تطوير المجتمعات في المجمل مهم جدا وحيوي لتصبح مجتمعات سلمية تعمل لأغراض التنمية والرفاة ولكن على مستوى التغيير فان التغيير والتطوير لهذه المجتمعات يجب أن يكون لدفعها إلى الإيمان بالقيم العالمية كقيم الحق والخير والجمال والتنمية والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان والحريات العامة وما عدا ذلك فليقم كل شعب بما بداله من طقوس دينية وإجتماعية وليكن حرا في كل إختياراته الإجتماعية والسياسية والإقتصادية, وهذا ما لا تقوم الدول الكبرى به بل تريد للتغيير أن يكون كاملا مما يزيد من حدة الصراع ويقلل فرص السلام في التواجد على الساحة الشخصية والمجتمعية والحكومية والعالمية ككل .