Mon,Apr 29 ,2024

الثقافة وحقوق الإنسان

2020-12-24


ليس من الطبيعي أن لا يكون هناك إهتمام بمسألة الثقافة وحقوق الإنسان فعبر البحث في محركات البحث يجد المتصفح القليل جدا مما يعمل على دراسة والنظر في مدى تداخل الثقافة وحقوق الإنسان بعضهما ببعض بالرغم من الارتباط القوى بينهما, فالثقافة في العموم هي كل ما يمارسه الفرد من عادات وتقاليد وأفكار وسلوك ودين وشكل إقتصادى أو سياسي مختار بحيث يمكن القول أن الثقافة تحتوى كل هذه الأشياء والكثير غيرها فلماذا الإهتمام بالتفاصيل وعدم الاهتمام بالإطار لكل ما يستعمله النشطاء الفرديين والمؤسسات حكومية أو غير حكومية و المجتمع الدولي بشكل عام .

فى الحقيقة فعند البحث أيضا فأن ما يتم إيجاده فيما يختص بالجانب الثقافي وحقوق الإنسان والأعمال التي أقيمت حول هذا الأمر قليلة, وعموما فالثقافة بحسب بعض التعابير الذي قدمها كبار المفكرين هي " هي كل مركب يشتمل على المعرفة والمعتقدات والفنون والقانون والعرف، وغير ذلك من الإمكانيات أو العادات التي يكتسبها الإنسان باعتباره عضوا في مجتمع" , وهى المعارف والقيم والالتزامات الأخلاقية، وطرائق التفكير والإبداع الجمالي والفني والمعرفي والتقني، وسبل السلوك والتصرف والتعبير", وبالتالي فأن الطرق السالكة لتمرير وإدماج مفاهيم الحقوق والحريات والتنمية عبر هذا الباب كثيرة ومؤثرة وتقوم على مبدءا المشاركة والتفاعل والتطور والاندماج في مسيرة الحقوق من دون إلغاء خصوصية المجتمعات .

وعند البحث عن ما قدم في المجال الثقافي وعن مدى إرتباطه بالحقوق الإنسانية فأن ما يمكن إيجاده من فعاليات أو ندوات أو مؤتمرات أو نداءات وطنية أو إقليمية أو عالمية نجد التالي:

على المستوى العالمي عبرت العديد من المؤسسات الدولية عن أهمية الثقافة من خلال اهتمامها بوضع إستراتيجيات وتوصيات لندوات ومؤتمرات عالمية وتخصيص عقود عالمية في هذا المجال نذكر منها :

  1. المؤتمر الدولي حول السياسات الثقافية الذي نظمته اليونسكو بالبندقية عام 1970.
  2. مؤتمر دور الثقافة في حياة الفرد والجماعة– مكسيكو 1982.
  3. تبنّى الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم 41/187 في جلستها العامة رقم 100/نيويورك 8/12/1986 "العقد العالمي للتنمية الثقافية" ليشمل الفترة الممتدة من 1988 إلى 1997.
  4. ندوة وزراء الثقافة لحركة عدم الانحياز في كولومبيا 1997
  5. تقرير "الثقافة في القلب" المجلس الأوروبي.
  6. ندوة الإستشارات الأفريقية حول السياسات الثقافية في لومي بالطوغو 1998.
  7. المؤتمر الدولي حول السياسات الثقافية والتنمية الذي انعقد بين 30 مارس و20 أبريل 1998 - ستوكهولم – السويد.
  8. العقد العالمي للتثقيف في مجال حقوق الإنسان.
  9. العقد العالمي للتنمية الثقافية 1988/.1997

وعلى مستوى الوطن العربي عبرت العديد من المؤسسات العربية عن أهمية الثقافة من خلال وضعها لمجموعه من العهود والإستراتيجيات القومية والندوات والمؤتمرات الإقليمية التي ناقشت الفعل الثقافي ودورة في التنمية والحقوق والحريات نذكر منها :

  1. إبرام معاهدة ثقافية بين الدول العربية 1945م.
  2. المصادقة على ميثاق الوحدة الثقافية العربية سنة 1964.
  3. إنشاء منظمة التربية والثقافة والعلوم في .1970
  4. وثيقة الخطة الثقافية الشاملة عام 1985.
  5. العقد العربي للتنمية الثقافية2005ـ 2014.

( هذه المعلومات مأخوذة من دليل تدريب عن الإدارة الثقافية صادر عن مؤسسة المورد الثقافي ).

أما بالنسبة لليمن فالبحث في الإنترنت لا طائل من ورائه فلم يتم إيجاد الكثير لكتابته حتى مع إعتبار اليمن أو صنعاء عاصمة للثقافة العربية للعام 2004م لا يجعل ذلك من الثقافة في اليمن داعمة للحقوق والحريات والتنمية لأن اليمن حتى الآن ما تزال الثقافة فيها غارقة في مسائل التعبد في محراب الحاكم اليمنى مع بعض النزر اليسير من الكتب الرمزية وذات الجودة العالية أدبيا ولكنها لا تقارب الحقوق كثيرا, والثقافة في اليمن قادرة على إستيعاب الجديد ولكن ما يتم أن الدولة ممثلة بوزارة الثقافة وغيرها من البيوت الثقافية لا تعمل على البحث والدراسة والتفكير في كيفية إدماج الحقوق والحريات والديمقراطية والتنمية في الثقافة المجتمعية بل وتناهض هذه القيم من باب المؤامرة وتعتبرها غزو فكرى لدى بعض الكتابات الثقافية.

وعلى مستوى تواجد مبادرات لإدماج الثقافة في الدعوة للحقوق والحريات والتنمية يبدو الوضع سيئا لإهتمام مؤسسات المجتمع المدني والتي كان من المهم أن تعمل على الترويج للثقافة في الغرق في الفعاليات الفندقية التي تستهدف أكثر ما تستهدف الإعلاميون والصحفيون والنشطاء الذين أصبحوا متخمين من ما قدم لهم في جوانب الحقوق والحريات والتنمية, وربما هناك العديد من الإتفاقيات أو الأعمال حول هذا الموضوع لم يتم إيجادها عند البحث على المستوى الوطني والذي يعتبر أقل كثيرا مما كان يفترض الثيام به , وأدنى بكثير مما كنت أتوقع أن يقدم للثقافة وإستعمالها في الترويج لحقوق الإنسان والتي يجب أن تتحول إلى أولوية ومن خلالها يتم العمل على كل القضايا الإنسانية .

إن اعتبار الثقافة النافذة الأكثر حسما في الجانب التنموي والحقوقي هو الطريق الحقيقي لأي ناشط أو منظمة أو مجتمع أو إقليم أو حتى العالم أجمع فمن خلالها يمكن مناقشة كل شي.

نعم القانون مهم ومسائل إدماج القوانين والنصوص الدولية في التشريعات المحلية مهم ولكن لا يمكن أن يتم العمل على هذا القوانين وإحترامها وتطبيقها وهناك رفض ثقافي لها فالطريق الأجود لهذا الهدف هو إدماج الحقوق الإنسانية في النسيج الثقافي للمجتمع فعندما يدخل مفهوم حقوقي معين فى ثقافة شعب فهذا يعنى بشكل مباشر دخوله إلى الضمير المجتمعي وإلى الاقتناع الجمعي وبالتالي التطبيق, فصلة الرحم على سبيل المثال لا الحصر هي دعوة دينية دخلت في النسيج الثقافي للمجتمع بحيث شكل عدم زيارة الرحم وخصوصا في الأعياد أقرب للمستحيل لدى الأفراد مهما كان مستواهم المادي أو الثقافي أو السياسي أو الإقتصادي وهذا ما يقصد بإدماج حقوق الإنسان في ثقافة المجتمع.

إن الموضوع لا يحتاج إلى المقاربات السياسية والقانونية والإجتماعية التي عملت على مستوى العالم أو الإقليم العربي بل يحتاج إلى مقاربات أكثر واجتماعات أكثر و جهد أكبر وتشكيل وتحفيز مؤسسات بشكل أكبر لتقوم بالعمل على الثقافة وتحقيق أهميتها في التغيير الإجتماعي فعندها فقط تستطيع الديمقراطية وكذا حقوق الإنسان المرور من نظرية المؤامرة ودخولها في نشاط المجتمع اليومي, فالثقافة بشكل مرتب وحسب ما أرى:

  1. مجتمعيا تعتبر الثقافة من الطرق المنسية والغير مفعلة في مقاربة الحقوق الإنسانية والحريات العامة والتنمية لدى المؤسسات الحكومية وغير الحكومية في الكثير من المؤسسات على مستوى اليمن أو الإقليم العربي أو العالم , ففي الوطن العربي تكتفي الثقافة الموجودة بالترويج لمكتسبات شخص الحاكم(المؤسسات الحكومية)عبر تفعيل الفعاليات الثقافية في الأعياد الثورية في الوطن العربي وهى كثيرة وكل بلد عربي يملك ثلاثة أو أربعة أيام أعياد ثورة أو جلاء أو حتى يوم جلوس الحاكم الفلاني على الكرسي.
  2. بالنسبة للثقافة الرفيعة ( القصة - الرواية – المسرح – الخ ) يعيبها الغرق في الرمزية والمدارس الثقافية الحديثة للمثقف بما يدفع بعدم تفاعلها مع الشارع العام وقضاياه الملحة ( على مستوى الفرد ) وعدم إيمان جلي من جانب المجتمع المدني بالثقافة ودورها في الترويج للحقوق والحريات ينتح بسبب هذه النخبوية.

وكبيان لأهمية الثقافة في مجال الحقوق الإنسانية والحريات العامة والديمقراطية نقول أن:

  1. الثقافة مساحة حرة يتم التعبير فيها عن أفكار وتأملات وعواطف وأحاسيس ومشاعر وأحلام ورغبات الشعوب في نمط حياة أفضل على مستوى الحقوق والحريات(مبداء المشاركة).
  2. الثقافة تستطيع الدخول إلى خيال الفرد وتطلعاته لقربها من الروح الإنسانية والعادات والتقاليد المجتمعية والتراث الشفهي والمكتوب المشكل لحياة الفرد والمجتمع وتطلعاتهما (التحليل و الاكتشاف والدراسة).
  3. الثقافة سجل تاريخي يحافظ على حيوية الوقائع ونبض الأحداث للأفراد والجماعات والحكومات (التوثيق) .
  4. الثقافة داعم كبير للشعوب في طلبها لإستحقاقاتها في العدالة والحقوق والحريات والمساواة والكرامة الإنسانية ( الضغط والمناصرة ).
  5. الثقافة رصد أنيق و مؤثر لإيقاعات الحياة اليومية ورفع لأبجديات الحقوق والحريات من مستوى الوعظ والإرشاد والتوجيه والخطابة والرتابة والتقريرية ( التوعية والترويج ).
  6. عبر الثقافة يتطلع الإنسان إلى حياة حرة وسعيدة ومستقرة تضمن الكرامة وتحرر الإبداع وتحقق وتوسع حرية التعبير عن الإرادات والخيارات المستقبلية للإنسان(البناء للمستقبل واستمرارية التأثير ).
  7. الثقافة غير مغلقة علىأفراد وجماعات محددة بل يمكن القول أن لكل جماعه ثقافتها الخاصة التي تتحد أو تتقاطع مع الثقافات الأخرى لجماعات أخرى كالمرأة والطفل والمهمشين والريف والمدينة والمتعلمون والأميون.. الخ .. ( فئات مستهدفة متنوعة ).
  8. الثقافة طريق واسع للحوار وفهم الأخر وتمكين الأخر من فهم الأنا بما يحقق الإستفادة المتبادلة ويقلل النزاع المتبادل ( تفعيل مبداء المشاركة العالمية في سبيل التنمية كهدف ثامن من أهداف التنمية الألفية).

أليست الثقافة هي كل ذلك وأكثر أم أن الخيال في هذا المقال هو المسيطر, عن نفسي أعتقد أن الثقافة تحتوى كل ذلك وأكثر ويمكنها أن تجعل من الحقوق الإنسانية والحريات العامة والديمقراطية والتنمية أكثر قربا من الشعوب بحيث تصبح نمط حياة لكل شعوب الأرض هو الغالب, ولكن ما الذي يمكن قوله لكل من يعملون في الفروع وينسون الجذور, وما الذي يمكن قوله لكل من يعملون على اللوحة ولا يهتمون بالإطار الذي حولها.

إن عدم الإهتمام بإستثمار الثقافة في الترويج لحقوق الإنسان والحريات الأساسية والديمقراطية يعنى عدم اهتمام الدول الغنية بمسائل تطوير هذه الحقوق والحريات في الوطن العربي أو في أماكن أخرى كأفريقيا ,وأن كل ما يقدمونه يخدم فقط أهدافا مرحلية لأنهم يريدون أن يظهروا بشكل الداعم للحقوق والحريات مع رغبة دفينة بأن هذا الدعم يجب أن يذهب أدراج الرياح وبالتالي يجب عدم مقاربة الأدوات التي يمكنها التغيير بقوة والإكتفاء فقط بالضحك على الذقون عبر أنشطة غير مؤثرة في دول العالم الثالث .