Sun,Dec 22 ,2024
المتطوعين في اليمن
2020-12-24
تعتبر اليمن من الدول الـ 46 الأقل نموا في العالم، وذلك بسبب سوء وضع اليمن التنموي, وعدم الإستقرار السياسي وتفاقم الصراع والعنف، والمركزية الشديدة في إدارة الحكم. ومع ذلك فقد كان هناك وجود كبير لمؤسسات المجتمع المدني في اليمن حيث وصلت 14000 مؤسسة وقد ساهمت ثورة 2011 في زيادة عددها وخصوصا تلك المتعلقة بالحقوق والحريات والديمقراطية والتنمية ومكافحة الفساد, وإن كانت مع بدء الحرب في 2014 تجمد وهرب وأغلقت الكثير منها والمتبقي نشط في المجال الخيري والإغاثي.
لقد أثر الجو العام مع الحرب في السياق السياسي القائم على الصراع بين القوى المحافظة والتقدمية على الحقوق الإنسانية والحريات الاساسية والديمقراطية وتعزيز الحياة المدنية إذ غالبا ما ينتهي الصراع بوصول القوى التقليدية والمتشددة للسلطة سواء كانت قوى قبلية أو دينية وهذا يجعل من المجتمع المدني العامل في المجالات الحقوقية والتنموية يبدأ من الصفر بشكل دائمللاسف, كما ساهمت الحرب ووصول القوى التقليدية والدينية و محاربة المجتمع المدني لإغلاق التجارب الجيدهة في هذا المجتمع وخصوصا النشطة في حقوق الإنسان والديمقراطية والإعلام المستقل, وهذا ما حدث في اليمن من إغلاق أو تجميد المئات من المؤسسات المدنية الفاعلة في جميع المحافظات التي يسيطر عليها أطراف الحرب.
إن عدم فوز المجتمع المدني في هذه الصيرورة التاريخية هو بسبب النخبوية وعدم الإهتمام بالجمهور العام وإستهلاك المفاهيم الحقوقية والديمقراطية في مجتمع صغير ومغلق على هذه المؤسسات وناشطيها, بينما تبدو القوى السياسية و الدينية منتشرة بشكل كبير في أوساط المجتمع, ومن هنا ظهرت الحاجة لوجود متطوعين من الجمهور للعمل في المجتمع المدني ومشاركة المؤسسات في صياغة وتنفيذ برامجها, ومن أجل أن يستطيع المجتمع المدني الوصول للجمهور وتغييرهم وتغيير أفكارهم تجاه التحديث والتطور.
إن العمل مع المتطوعين وزيادة نسبتهم داخل المؤسسات المدنية وإستثمارهم في الوصول للشارع هو الهدف الأهم في العمل المدني, والتي إن كانت ترغب بزياده فاعليتها ونجاحها وتأثيرها أن تبدأ بالنزول من مكانها النخبوي و الوصول للمجتمع وتطويره وتوجيهه نحو قيم مدنية حديثه ومتطورة وإنسانية, وهذا ما لا يمكن العمل به من دون متطوعين فاعلين ونشطين ومؤمنين بالمجتمع المدني وأهميته في بناء المجتمعات, وإن مؤسسات المجتمع المدني تعيش في زمن يشح فيه التمويل الذي يضمن لها الإستمرارية بجودة ويسر, وبالتالي تأتى قدرة هذه المؤسسات على إجتذاب المتطوعين كرافد للعمل بتكاليف أقل هي السبيل الوحيد لها حتى تستمر أولا وتكون مؤثرة وقادرة على التغيير في العمل المجتمعي والسياسي والإقتصادي والثقافي وبما يضمن ترويج أكبر للحقوق والحريات والديمقراطية والتنمية.
تدرك المؤسسات قلة قدرتها على إجتذاب المتطوعين وإدارتهم الإدارة الفاعلة إلا بوجود خطط وإستراتيجيات مدعمه برؤية واضحة ولوائح تنظم شكل وجودة العمل ونماذج للتعرف على أفكار المتطوعين وخلفياتهم التعليمية والثقافية والمجتمعية. وأن تكون هذه الخطط والإستراتيجيات ذات قابلية للتطور والإثراء مما يعزز من قدرة المجتمع المدني على إستقطابهم وجعلهم قادرين على العمل وراغبين في مساعده المجتمع المدني للوصول لأهدافه, وما تحتاجه المؤسسات غير الحكومية هو أدوات لجذب وإدارة المتطوعين تشمل المعايير العامة المطلوبة لهم , وطريقة إختيارهم, ونماذج للمسئوليات التي سيكلفون بها, ومنهجية التعريف بالمسئوليات, وطريقة التأكيد على الإلتزامات المتفق عليها بين المتطوع والمؤسسة, والإطار الزمني للتطوع والمكافئات, وإعتماد استراتيجية لإدارتهم تبين أدوراهم وطرق إجتذابهم, وعمل قائمة/ قاعدة بياناتهم ومهاراتهم, ووضع تصورات لتدريبهم, وتعريفهم بالعمل المدني, ومنهجية الإتفاق معهم واستمرارهم في العمل لفترة أطول ووضع تصور متابعة وتقييم أداءهم, وهذه كلها قدرات يجب تدريب مؤسسات المجتمع المدني اليمنية عليها لتبدأ بتفعيل هذه القدرات في جذب الجمهور للتطوع في برامجها.
إن للمتطوعين دور كبير في نجاح أو فشل أى مؤسسة مدنية, حيث تبنى المؤسسات على ما يقدمه المتطوعين من خدمات وأفكار وجهود لا تكلف المؤسسات الكثير للقيام بأعمالها المجتمعية والمدنية, ولكي تؤثر في مجتمعها بالشكل الذى ترغب به.
عالميا, تنقسم الأعمال في الدول كافة لثلاثة أقسام ( القطاع الحكومي - الخاص - التطوعي) أو ما يسمى بمنظمات المجتمع المدني, وهو شق من الأعمال أصبح يستوعب معظم الطاقات الشبابية لخدمة قضايا البيئة والحقوق الإنسانية والديمقراطية والتنمية, وبالتالي فالعمل في المؤسسات الغير حكومية اساسا قائم على التطوع, وعلى رغبة المجتمعات في تقديم خدمات لبعضها البعض, وحماية بعضها البعض, والإستفادة المشتركة من خبراتها المتنوعة, ومن الصعب على أى مؤسسة غير حكومية العمل من دون متطوعين يقدمون من وقتهم وجهدهم ما يستطيعون لخير المجتمع الذى ينتمون له, وبالتالي فإن تكوين إدارة لجذب المتطوعين وإدارة جهودهم التطوعية في أي مؤسسة مدنية ذو أهمية فريدة, وسيكون له أثر بعيد في زيادة تأثير المؤسسات في الشارع, وإنخفاض تكلفة هذه الأعمال مع تعاظم تأثيرها الإيجابي, ودعم إسمها وشهرتها, وإضافة العديد من الافكار الشبابية الطازجة من الشارع ومن متطوعيهم وومن حياتهم ومما يشاهدونه ويعتقدون بأهمية الخوض فيه, والحديث عنه والعمل لأجله من قيم الحقوق الإنسانية والحريات العامة والثقافة والفنون والآداب, وإن وجود خطط وإستراتيجيات خاصة بالمتطوعين ستعمل على تنظيم الأعمال داخل المجتمع المدني وتدفق المعلومات فيه بسهولة وانسيابية,وتعتبر هذه الخطط والإستراتيجيات ذات أهمية استثنائية في خلق الفكرة العامة للعمل التطوعي بفعالية وضمن افاق ومعايير الحكم الرشيد والديمقراطية واحترام المتطوعين و أراءهم وافكارهم ومجهوداتهم, كما أن دخول الجمهور المجتمع المدني سيرفع من مستوى تفكيرهم وإيمانهم بالمدنية والحقوق الإنسانية والحرية وسيقلل من إنتمائهم للجماعات العنيفة والمسلحة والأصولية أو إنتمائهم لعوالم الجريمة أو السقوط في فخ البطالة.
تاريخيا, كانت هناك مشاركة كبيرة من المجتمع اليمنى والمتطوعين في أعمال مؤسسات المجتمع المدني عموما، على الأقل قبل فترة الحرب, وبالنسبة للتطوع فقد كان هناك متطوعين لدى هذه المؤسسات الراغبين بالحصول على الخبرات العملية والدورات التدريبية وبناء القدرات التي تقدمه هذه المؤسسات لمنسبيها ومتطوعيها, ووجدت في اليمن تجارب جيدة وجديدة وفاعلة في هذا المجال, بالرغم أنه في المقابل كانت هناك رؤية غير سليمة من قبل الشباب لمؤسسات المجتمع المدني حيث تمت شيطنه التطوع بسبب بعض التجارب السيئة لبعض المتطوعين والمؤسسات التي تطوعوا فيها, وانتشر هذا المفهوم على مؤسسات المجتمع المدني بقوة في وقت سابق وخصوصا مع الثورة اليمنية في 2011 والتي شاركت بها المؤسسات الغير حكومية بقوة كمناديه لقيم التحرر من الديكتاتورية والتسلط والفساد الذي كان يوجد في الحكومات والسلطة في ما قبل 2001 , وهذا ما أثار حفيظة السياسيين على المجتمع المدني, وساهموا في نشر شائعات حولها ودعموا ترويج هذه ااشائعات أن المؤسسات الغير حكومية تستنزف المتطوعين وتغتني من خلال جهودهم.
وفي الحقيقة فقد ساهمت المؤسسات الحكومية في هذا الجانب " شيطنة المجتمع المدني " من خلال إستهدافها لبعض المؤسسات المغايرة لها في الرأي وإستخدام موضوع استنزاف المتطوعين كجزء من حملتها لتشوية المنظمات, وزاد هذا العداء مع وصول المتطرفين في اليمن للحكم والذين ينظرون الى مؤسسات المجتمع المدني كذراع خارجية الهدف منها تقويض أمن وسلامة اليمن, وبالتالي إن هذه الشيطنة بالرغم من أهمية المنظمات المحلية في اليمن ومشاركتها في التنمية بقوة ساهمت في تقليل عدد المتطوعين الداخلين في أنشطة هذه المؤسسات وساهم في ذلك عدم وجود رؤية واضحة وإستراتيجيات لجذب المتطوعين وإدارتهم الإدارة الفاعلة في المنظمات, والتعامل معهم بشفافية وضمن قوانين صارمة تمنع إستغلال المتطوعين ومن ثم تشويه مسيرة المجتمع المدني في اليمن.
إن العمل حاليا أو بعد إنتهاء الحرب في اليمن يجب أن يضيف إلى المجتمع المدني اليمني الخبرة في التعامل مع المتطوعين وعدم تكرار التجارب السابقة التي أثرت سلبا عليها أو على جودة وإنتشار فكرة التطوع في المجتمعات المحلية, وهذا يستلزم الكثير من الجهد والمعايير التي تركز على الشفافية في التعامل مع المتطوعين في المؤسسة بما يضمن عدم تشويههم للمؤسسة عند خروجهم منها, والعدالة في التعامل مع المتطوعين وعدم التمييز على أى أساس جندرى أو ديني أو مناطقي أو بحسب القرابة أو على أى اساس أخر, بالإضافة إلى دعم جهود المتطوعين الإبداعية والإبتكارية بما يضمن مشاركتهم الكاملة في أعمال المجتمع المدني اليمني, وإهتمام المجتمع المدني بأفكارهم واراءهم في تطوير العمل المؤسسي وتقديرها والبحث بجدية معهم في سبل تطويرها.
أن المصداقية في العمل التطوعي يضمن إحترام العمل المؤسسي المدني من قبل الجمهور وكذا تطور المؤسسات الغير حكومية وتأثيرها في الشارع والمجتمع المحيط بها والذي يدخل ضمن فئاتها المستهدفة.
لقد أثرت الحرب الحالية سلبيا على تطور وإستمرارية المجتمع المدني في اليمن, وسيدأ هذا المجتمع من جديد بعد الحرب في بناء مجتمع مدني جديد ومتطور وفاعل, ويجب عند إعادة الإعمار لليمن بعد إنتهاء الحرب العمل على بناء قدرات المؤسسات المدنية في مجال العمل التطوعي, وإدماج المتطوعين في العمل, والعمل على زيادة المعلومات الخاصة بالتطوع لها, وطرق إدارتهم وتطوير مهاراتهم وتدريبهم, وبناء قدرات المؤسسات في بناء منهجيات خاصة بالإتفاق مع المتطوعين وطرق إستمرارهم في العمل لفترة أطول, ومتابعتهم وتقييم أعمالهم ضمن الإطار المؤسسي, فعبر التطوع سيكون هناك قيمة مضافة كبيرة ومجانية ومؤثرة لإعادة الإعمار في اليمن ستضيف الكثير للمشاريع التي سينفذها المجتمع وحكومته بعد الحرب.
إن تصفح بسيط للإنترنت في مجال التطوع وتنميته يقدم معلومات هائلة حول أنظمة وسياسات خاصة بالعمل التطوعي وجذب المتطوعين مع وجود قوالب بلا عدد تنظم عمليات التعامل مع المتطوعين وإستثمارهم وتخصيص موارد للعمل معهم, وهذا ما لا يتوفر مع معظم مؤسسات المجتمع المدني في اليمن التي راكمت تجارب سيئة في هذا المجال أكثر بكثير من التجارب الإيجابية بالرغم من أن المجتمع اليمني مجتمع شبابي ويفترض أن يكون العمل التطوعي فاعلا ومنشرا فيه, بدلا من شيوع الأفكار المتطرفة والمتخلفة التي تروج لها الجماعات الدينية المختلفة أو السلطات الديكتاتورية التي بعثت بهم الى الحرب بدلا من إستثمارهم في التنمية.
إن العمل على المتطوعين الشباب والعمل معهم يجب أن يكون أحد الأذرع الهامة لإنتهاء الحرب وشيوع السلام في اليمن وبالتالي يجب أن يشكل موضوع التطوع أولوية لدى المجتمع المدني في اليمن أو ما تبقى منه , والمجتمع اليمني عموما.