Mon,May 13 ,2024

اليمن والمنح الدولية

2020-12-24


من المفارقات المضحكة والمحزنة في وقت واحد أن اليمن من أكثر الدول التي تعانى من عدة مشاكل في عدة فئات من فئات المجتمع المختلفة, ويتوجه إليها كدولة كمية كبيرة من الدعم والمنح والمساعدات التنموية بغرض بناء الإنسان و المجتمع, ومع ذلك ترجع معظم هذه المنح والمساعدات إلى موطنها أو تحول إلى مناطق أخرى لسبب غير مقنع وهو أن اليمن غير قادرة على تصريف الدعم المقرر لها.

من المعروف أن الدعم والمنح تتجه الى العمليات التنموية التي تقام في العالم الثالث وتتجه عموما لمساقات تتعلق بالصحة والتربية والتعليم وخصوصا التعليم الأساسى مرورا بتطوير أداء حقوق الإنسان وتمكين المرأة وحماية البيئة وغيرها من القضايا بحيث يمكن تطوير المساقات أنفة الذكر لتخدم الفئات الإنسانية المختلفة كـ ( المرأة – الطفولة – الإنسان بعامة ) , ويقوم بالتنفيذ لهذه المساقات كلا من الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني.

وعند استعراض حالة تلك الفئات الإنسانية وما تحتويه من قضايا ومشكلات يُستغرب فعلا من أن جزء كبير من الدعم المخصص لليمن يتم استرداده لمشاكل في التصريف مع أنه ودون أدنى شك فإن هذه المبالغ المحولة الى اليمن في حال تم استغلالها في خدمة الفئات المخصصة لها بشكل جيد وشمولي فسوف يتم صرفها كامملة وربما تحتاج اليمن إلى المزيد, ولنأخذ من كل فئة عدة أمثلة نعرض من خلالها ما تعانيه هذه الفئة وما المشروعات التي كان من الممكن أن تنفذ لخدمتها ولتقليل مدى بؤسها , فالطفولة في اليمن على سبيل المثال تعانى من :

  1. عدم تغطية الكثير من الجوانب الصحية وخصوصا في مجال التطعيم ضد الأمراض القاتلة أوعلى الأقل تغطية كل الأطفال دون سن الخامسة بكل التطعيمات التي تضمن خلوهم من هذه الأمراض القاتلة, وأعتقد أن العمل على التغطية الكاملة لهذا المرفق ولكل الأطفال سوف تستثمر جزء كبير من هذه المنح التي لم يتم إستعمالها.
  2.  أطفال الشارع , وفي هذا المجال تعانى اليمن من شيوع ظاهرة اطفال الشارع بشكل حاد, وهذا جعل مؤسسات دولية تأتى اليمن وتعمل مع هذه الفئة في ظل عدم إهتمام من جانب الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني الوطنية التي لم تنتبه لهذه الظاهرة إلا بعد مجىء الأجنبى وبدأت تفعيل نفسها في خدمة هذه الفئات وهذا المساق, والذي إن أستثمر بشكل جيد فسيضمن إدماج فئة أطفال الشارع في العملية التعليمية ومن ثم التنموية بدلا من تركها لتصبح معوقة لها في المستقبل, وهذا المساق أيضا يتطلب الكثير من الجهد والوقت والمال الذي للأسف يتم إسترجاعه لمن قدموه لعدم وجود تصريف له!!.
  3.  الأحداث ومن هم في نزاع مع القانون وفيها يمكن التفكير عن نسبة توفير احتياجات هذه الفئة من تعليم وإعادة تأهيلهم, وكذا عن حالة المؤسسات العقابية التي يقطنون فيهاوإمكانيات بنائها وتطويرها وتطوير برامجها, وهل هناك برامج مقدمة لهم فعلا أم أن المشكلة مشكلة أفكار وعدم قدرة على إبتكار مشاريع تخدم هذه الفئة وتساعد على إدماجهم في المجتمع.
  4. الأطفال ذوى الإعاقة, يذكر أن هناك في العالم 120 مليون معاق منهم 3% فقط يذهبون إلى المدرسة وهذا في العالم المتقدم , ومن الطبيعي أن تصبح نسبة المعاقين في اليمن الذين لا يذهبون الى المدرسة أكثر من النسبة العالمية , فماذا قدم لهم وماذا سيقدم لهم أيضا في المستقبل؟ وكيف يمكن إدماجهم في المجتمع ومشاركتهم في التنمية عبر البرامج والدورات والتوعية التي تساعد على تمكينهم ومشاركتهم الكاملة.
  5. الأطفال العاملون وخصوصا في أسواء أشكال عمالة الأطفال وهى مشكلة كبيرة وما زالت تحتاج الكثير من الوقت والمال والجهد في مجال القوننة والتوعية وتمكين ومساعدة أسر هؤلاء الأطفال وإرجاعهم الى مساق التعليم والعناية بصحتهم.
  6. التعليم الأساسى وخصوصا في الريف فالبيئة النحتية غير متوفرة ونسبة كبيرة من المناطق غير مغطاة بالمدارس والمعلمين والمناهج, والفتاة في الريف ما زالت تعانى من شيوع أمية مفزع, والمشكلة الفعلية أن التعليم الاساسى هو الجذر الذي سيقام عليه التعليم في المستقبل, وهو الأساس للتنمية الحقيقية, ومع ذلك لا يتم الإهتمام الفعلي بنشر التعليم في الريف والذي إن تم التركيز عليه فقد يحتاج لوحده كل نقود المانحين وفوقها ما يساويها للوصول إلى الحد الأدنى من توفير إحتياجات التعليم في الريف, والسؤال هو ما هي طرق إثراء العملية التنموية في هذا المجال بأفكار جديدة ومحاربة للبيروقراطية الحكومية والكسل المجتمعي لمعالجة مشكلة التعليم في الريف وخصوصا في منظمات المجتمع المدني.
  7.  الأطفال والنزاعات , وفي هذا الأمر تدخل مواضيع خاصة بحماية الطفل من النزاعات المسلحة , وتوفير إحتياجات التعليم لهم في ظل النزاع , وتوفير الرعاية الصحية لهم في ظل إنتشار الأوبئة كالكوليرا والملاريا وحمىى الضنك وغير ذلك من الأوبئة التي تجد في المجتمعات المتضررة من الحروب مرتعا جيدا لإنتشارها, وكذا توفير المساحات الصديقة للأطفال لتسهم في دعمهم النفسي والإجتماعي.

وعموما ما زالت هناك مساقات عدة لمشاكل نوعية لفئات أخرى من الأطفال في اليمن كما ذكرنا سابقا مثل مشاريع العنف ضد الأطفال في البيت والشارع والمدرسة وإستغلال الأطفال الجسدي والجنسي وي النزاعات المسلحة , ومرورا بحقوق الطفل في الجوانب الترفيهية والتثقيفية والحقوقية, وهناك مخصصات لها ولكن لا وجود لنشاط لتصريف هذه المخصصات, ويبدو أن الغباء هو الذي لا يستطيع تصريفها , وأما عن الحاجة لهذه التمويلات فهي حاجة ملحة وضرورية.

إننا لو فتحنا على أنفسنا أبواب المرأة لفتحنا أبواب ماكينة يمكنها أن تلتهم كل التمويل المخصص لليمن في الفترة الحالية وفي المستقبل بما تحتويه المرأة اليمنية من قضايا ومشكلات ليس اسواءها العنف الموجه ضد المرأة والتمييز بل وأسواء إشكال التمييز ضد المرأة بعامة, ولكن أيضا وضع النساء في اليمن في ظل الحرب الحالية, ونوجز بعض مشاكل المرأة في عناوين فقط دون تفصيلها كما حالة الأطفال والتي من ضمنها (تعليم الفتاة - الزواج المبكر -الصحة الإنجابية -الأمراض المنقولة جنسيا - مشاكل الخصوبة والإنفجار السكاني - التمكين الاقتصادي- التمكين السياسي- المشاركة الاجتماعية- المشاركة السياسية- النساء والنزاع- حماية النساء في الحرب - حقوق النساء والقانون الإنساني الدولي وقضايا النساء).

إن كل هذه المشكلات يوجد لها دعم ومنح مخصصة ليس في اليمن فقط ولكن في العالم أجمع ولكن اليمن تنفرد عن كل دول العالم بأنها تحوى الكثير من القضايا والمشكلات وبأشكال متطرفة منها وعلى مستوى جمعي ولكن يوجد لديها مشاكل في التصريف, وهنا تأتي الإشكالية والدهشة.

بالنسبة للشباب وهى الفئة التي إلتفت إليها العالم بشكل أفضل بعد أحداث 11/9 على اعتبار أن الفقر والجهل والبطالة من أهم أسباب التطرف وشيوع الإرهاب فتوجهت الملايين من النقود عبر العالم لدعم هذه الفئة تحديدا, ومع ذلك لم تنشط العديد من مؤسسات المجتمع المدني وخصوصا في اليمن في مجال تصريف هذا الدعم إلاعبر مؤتمرات ودورات يعيبها الندرة, وما يزال هناك القليل جدا من مؤسسات المجتمع المدني التي تعمل مع هذه الفئة ولا تنشط حقيقة منها في اليمن ربما إلا مؤسسات بعدد أصابع اليد الواحدة.

وقس على ذلك كل قضايا الانسان اليمنى وقضايا التنمية والبيئة ,وفى الأخير هناك الملايين ترجع وهناك الملايين تحول لمناطق أخرى, وهناك الملايين من المسحوقين والمهمشين يسمعون جعجعة ولا يرون طحينا, فأين المشكلة ؟

أغلب الظن أن المشكلة تكمن في:

  1. الحكومة : بكل ما تحمله الحكومة من تفشي الفساد في تفاصيلها الإدارية من القاعدة للقمة وكذا بيروقراطية الأداء وعدم القدرة على إبداع مشاريع تقدم لهذه الجهات المانحة بحيث تكون قوة هذه المشاريع تكمن في مدى إبداعها ومدى خدماتها للفئات المستهدفة.
  2.  المجتمع المدني : وهنا المفارقة الأكبر وهو أن يوجد في اليمن أكثر من 15000مؤسسة وجمعية تهتم بكل ما يمكن للمرء أن يتخيله من مشاكل التنمية ولكن النشطة فعلا قد لا تتعدى الخمسون منظمة, وهى التي تنشط فعلا في مجال تقديم أفكار مبدعة ومشاريع خلاقة وتخدم الفئات المستفيدة منها, ولكن ما لا يحقق الطموح في كل ذلك أن هذه المؤسسات تكمن فقط داخل المدن الرئيسية وهى هنا (صنعاء– تعز– عدن) مع اختفاء شبة كامل لنشاطات المجتمع المدني في المدن الأخرى وكذا في الريف بكل ما تحمله هذه المدن الأخرى والريف من مشاكل مستعصية متعلقة بالإنسان والتعليم والصحة وشيوع الفقر والجهل والمرض, وهذا عدا ما تعانى منه مؤسسات المجتمع المدني أساسا من شيوع ما في الدولة من أمراض تتعلق ببيروقراطية الأداء والفساد والتنافس الغير مفيد, ووصولا لندرة وجود أفكار جدية تخلق برامج تنموية لكل فئات المجتمع وتستقطب هذا الدعم قبل أن يرحل من البلاد, وبالتأكيد فاليمن تعانى من جملة مشاكل إضافية شكلت هذه المفارقة ما بين التمويل والصرف منها:
  • الحرب في اليمن ودورها في عدم قدرة المنظمات على العمل الحر والمستقل في سبيل قضايا الفئات البشرية المختلفة.
  • شيطنة التمويل الأجنبي وربطه بالعمالة من قبل بعض الجماعات المسلحة.
  • اليمن من أفقر دول العالم و لديها إنفجار سكاني في سبيله الى التفشي أكثر وشريحة كبيرة من السكان تحت خط الفقر وغير متعلمة ولا تستطيع التعامل مع إستقطاب وإدارة التمويل, ولديها الكثير من المشكلات والمعوقات التنموية والمتعلقة بفئات المجتمع .

ومع ذلك نعود للتكرار عن سماعنا للكثير من المساعدات التنموية التي تذهب الى الخارج وترحل من اليمن لمشاكل في التصريف, وعن نفسي أعتقد أن اليمن تملك من القنوات التي تصرف فيها هذه الأموال وضعفها إن توفرت, ولكن العيب أيضا يأتي في عدم وجود بنية نحتية لإستقبال هذه التمويلات, وعدم وجود برامج ومشاريع مبتكرة تصب في صالح الفئات وتكون مقنعة للممول, وكذا تفشى الفساد وعدم تواجد الحكم الرشيد, وإنحسار التوسع الجغرافي في المدن وإبتعادها عن خدمة الغالبية العظمى من المجتمع التي تقطن في الريف, بالإضافة إلى الحرب الحالية التي فاقمت كل هذه المشكلات وجعلتها تزداد كثيرا عن حجمها قبل الحرب.

إن كل هذا في النهاية يجعل من اليمن غير قادرة على استيعاب هذه المنح فيما يحقق رفاة الإنسان بالرغم من فقرة المدقع وحاجته لكل مساعدة مقدمة.