Sat,Dec 21 ,2024

عندما تكون الرحمة فسادا

2020-12-24


بالرغم من عملي المستمر في حقوق الإنسان وإنشغالى الدائم بحضور مؤتمر معين أو ورشة عمل أو دورة تدريبية أو حتى لقاء في شبكة من الشبكات التي أنا منظم إليها كشخص أو كعامل في مؤسسة حقوقية لديها عضوية في العديد من الشبكات في اليمن فقد استطاعت والدتي أن تمسكني يوما للذهاب إلى الهيئة العامة للمعاشات والتأمينات للإنتهاء من معاملة شقيقي المجنون , والذي جن في 2004م وهو في حوالي التاسعة والعشرين من العمر, وبالمناسبة فهناك العديد في حارتنا من الشباب في مثل سنه مجانين حتى لا يكاد يخلو بيت في حارتنا من شاب مجنون أو مريض نفسي وهذا ناتج ربما بسبب الأوضاع في اليمن التي تحفز على الجنون أكثر مما تحفز على الاحتفاظ بالبقية الباقية من العقل .

المهم كان من المطلوب منا كأسرة الذهاب بشقيقي إلى الهيئة العامة للتأمينات والمعاشات لإستخراج مذكرة من الدكتور الخاص بهم على أنة متقاعد بسبب عجز صحي فهكذا هو الروتين, وأن أخذنا شهادة من الدكتور الخاص المعالج له وتقدمنا به إلى مقر عمله طلب منا أن نستخرج ورقة أخرى من هذه الهيئة , وذهبنا هناك أنا وشقيقي ووالدتي ولم نجد الدكتور, وكان هناك العديد من المجانين الذين تنشط عائلاتهم في تثبيت رواتبهم من الهيئة, وصدمنا أن الدكتور لا يحضر إلى الهيئة بشكل يومي للقيام الأعمال المكلف بها, وبعد رحيل الكثير من أصحاب المعاملات, وهم يلعنون الهيئة على اعتبار أنهم منذ أيام وهم يلعبون لعبة عسكر وحرامية مع الدكتور الخفي, وأخبرنا البعض من العالمين ببواطن الأمور أن نائب رئيس الهيئة شخص طيب ويمكن أن يعمل على تسيير معاملتنا إن رغب بذلك, وصعدنا إليه وشاهد شقيقي المجنون, وقدمت له والدتي دمعتين وعلى أثرها وقع على الورقة التي تثبت جنون آخى وقال أن لم يعد هناك حاجة لرأى الطبيب المختص وأننا نستطيع المضي بمعاملتنا قدما, وهنا إنتهت الحكاية .

الرحمة حلوة :

نعم إن الرحمة فوق العدل والرحمة جيدة وهى صفة من صفات الرحمن عز وجل ولكن عندما تكون هذه الرحمة هي طريق للانتهاء من معاملات يفترض بها أن تسير في نظام كامل بسهولة ويسر وبدون روتين وبيروقراطية ورشوة فهذا هو الخطاء بعينه.

 إن الرحمة هنا تبدو بثوب مزركش قد نستطيع تسميته بالوساطة, وقد تكون تسميته الأقرب هي الرشوة فالرشوة هنا لم تكن حزمة قات ولا مبلغ من المال ولكنها دمعتين من عجوز ما , وعن نفسي أعتقد انه لا يفترض أن تعطى هذه العجوز دمعتين لتسيير معاملتها ولكن المفروض هنا أن تتم معاملتها منذ دخولها إلى خروجها بيسر ومرونة فائقة كما يحدث مع الشاب والشيخ والفتاة بيض أم سود حمر أم صفر يهود أم مسلمين من عدن أو من صنعاء لا شئ يهم من هذا كله, وكل ما يهم أن لدى هذا الشخص معاملة, وهذا يعني أ، يكون الدكتور موجود لان عدم تواجده لفترات طويلة يعتبر نوعا من الفساد لأنة يأخذ مرتبا لا يستحقه, والرحمة التي أبداها نائب رئيس الهيئة تعتبر نوعا من الفساد فلا يفترض به التوقيع على موافقة أن هذا الشخص مجنون أو معاق إلا بعد تشخيص المختص فى المؤسسة التابعة له, وقد اعترف أن الرحمة قد تكون جيدة داخل النظام في حال كان هناك زحام أو تأخير ما فيتم تقديم النساء والعجائز على سبيل المثال ولكن لا تكون الرحمة مبررة إذا كانت نوعا من التبرير عن غياب المختص داخل هذه الهيئة أو هذه المؤسسة .

نحن لا نحتاج هذه الرحمة :

الرحمة مطلوبة من الله سبحانه وتعالى أولا وأخيرا, ومطلوبة في سياق الخير والبر والإحسان, ومطلوبة في المحاكمة العادلة والنزيهة, ولكنها لا تعتبر مطلوبة في المعاملات الحكومية, فالشخص الذي يقدم الخدمة في المكتب الحكومي يجب علية أن يقدمها بحيادية, ويعمل فقط على تسيير المعاملة ضمن النظام الذي هو أحد ماكيناته, و ذلك النظام الذي يفترض إن يكون سهلا ومرنا ومفهوما وسريعا وفى حال تم الانتهاء من معاملة ما يتم الإبتداء في معاملة لاحقة, وبهذا ينتهي التراكم, وبهذا ينتهي البط في خدمة الناس لفترات طويلة وغير مفهومة, وبهذا لن نحتاج للرحمة داخل هذا النظام إلا في مواقف محددة للغاية قد تعتبر متطرفة في إنسانيتها وحاجتها , وبالتالي فلا حاجة للرحمة في دولة المؤسسات والقانون إلا بحدود معينة ولشخصيات محددة.

وفى الحقيقة لقد كان بإمكاننا أن نكمل معاملتنا في نصف ساعة إذا كان الطبيب موجود, وينتهي من الحالات التي ترد إلية كل يوم بيومه, ولكن كان الانتظار ليوم كامل حتى يتفرغ لما نائب رئيس الهيئة ويقدم عطايا رحمته لنا, وهو من أخرنا إلى ذلك الوقت " منتصف النهار " لتصح الرحمة علاجا للتخشب وعدم المسئولية والغياب والفساد, ولتصبح الرحمة طريقا للفساد فمن وقع على الورقة غير مختص ولكنه ذو منصب كبير فلا لتوقيع المناصب الكبيرة على أوراقنا ما دامت لا تحتاج قانونا لتوقيعاتهم ولكنها تحتاج لتوقيع مختص حتى ولو كان في أسفل مبنى المؤسسة .