Thu,Oct 17 ,2024

الشباب والإستثمار

2020-12-24


يخطىء من يقول أن الشباب يعانون البطالة في اليمن أو أي بلاد من بلاد الوطن العربي الكبير رغم أنه فى الحقيقة صادق فى بياناته وإحصاءاتة التي سيستدل بها, ولكن ماهى البطالة؟, هل هي عدم وجود عمل للقادر عليه؟, وما هو مفهوم العمل لدى الشباب اليمنى والعربي إن أمكن التعميم, هل هو فقط العمل لدى الحكومة أو لدى القطاع الخاص أم أن هناك العديد من الأعمال خارج نطاق هاتين الفئتين .

أرى أن المشكلة هي عدم قدرة الشباب على الإبداع, وعدم ثرائهم الفكري, وذلك بكيفية إنتاج أنماط جديدة من الأعمال, وخلق أنماط جديدة من الإستهلاك لهذه الأعمال أو الخدمات, فليس من المعقول أن لا يكون لدى الشباب اليمنى على سبيل المثال فكرة عن أنماط عمل معينة ومتنوعة فيما عدا دكاكين البضائع الصغيرة التي أصبحت منتشرة في كل زقاق في البلاد, والتي يقطنها هم الشباب ممن تسربوا من التعليم باكرا, وربما دفعوا لهذه الدكاكين بعد أن تخرجوا, ولعدم وجود أعمال تتناسب مع أفكارهم الضيقة لمفهوم الوظيفة والتي تنحصر في القطاع العام أو الخاص, فذلك يدفعهم إلى أن لا يستفيدوا من الشهادات التي حصلوا عليها, والتي هي في اغلب الأحيان شهادات الثانوية , أو شهادات جامعية في العلوم الإنسانية والتي رغم أهميتها إلا أنها لم تعد مطلوبة في سوق العمل , وأيضا فالنظرة الدونية للأعمال في المهن الحرفية والتقنية الدنيا تجعل من الكثير من الشباب لا يجدون وظائف رغم أنهم يحملون ألقابا كبيرة في شهاداتهم التي ربما يتخطون بها الدكتوراة ولكنها غير مطلوبة في السوق, ويساعد في إنتشار البطالة رغم وجود فرص عمل كبيرة في أي شارع الإيمان ببعض الأمثال السارية في بعض البلدان العربية, والتي تعمل بشكل كبير على حصر نطاق الأعمال التي قد يفكر الشباب في شغلها في المستقبل كما هنا في اليمن ( شبر مع الدولة ولا ذراع مع القبيلى ) والمثل المصري السائد( إذا فاتك الميرى أتمرغ فى ترابة ) ومن نوعية هذه الأمثال الكثير .

كمشاهدة شخصية فإن في حارتي الصغيرة والفقيرة هناك أكثر من خمسة عشر دكانا لبيع السمن والصابون وأنواع الشوكولا, وكل من يبيعون في هذه الدكاكين هم من الشباب, وهى دكاكين صغيرة إلى حد أن أكبرها لا يتعدى المترين طولا ومثلها عرضا, ويظل الشاب بداخلها من السابعة صباحا إلى الواحدة بعد منتصف الليل في وأد حقيقي لكل قوته وشبابه وأحلامه وتطلعاته, والتي كلها منحصرة في طفل سيأتى ربما بعد قليل ليشترى وخمسون ريالا قطعه شوكولاتة , ولنتصور أيضا الهجمة الشرسة على ألاف الدكاكين الفارغة والتي إستولت عليها صناعة الإتصالات, والتي عمل بها العديد من الشباب وساهمت بشكل كبير في إمتصاص البطالة, إلا أن السوق تشبع بها كثيرا وكأن مركز الإتصالات حينها أصبح هو الخيار الوحيد للشباب للعمل, وكذا الأمر مع مراكز الإنترنت بعدها , فقبل نزع الحواجز كان الإستثمار في هذا المجال مربحا, وشاهدنا النمو السرطاني لعشرات النوادي, ولكن الأمر بداء يتدهور بعد نزع الحواجز حيث إنخفض الطلب على نوادي الإنترنت, وشاهدنا الكثير من النوادي تغلق أبوابها نتيجة الخسارة الكبيرة.

أنا لست ضد دكاكين بيع المنتجات الصناعية أو دكاكين صناعة الأيسكريم المصنع محليا من خليط الفيمتو, ولست ضد نوادي الإنترنت ودكاكين الإتصالات ودكاكين بيع المواد الإستهلاكية فهذا استثمار مربح لصاحب المال, وهو في نفس الوقت يمتص نسبة مهمة من البطالة الشابة التي تعمل في خدمة المستهلك وهذا يساعد أسر شتى على التغلب ولو قليلا على تكاليف المعيشة المتزايدة تكاليفها, ولكن هل هذه فقط هي كل ما يستطيع الشاب اليمني التفكير به للإستثمار أو للعمل ؟, وبمعنى أخر هل هي طرق الإستثمار الوحيدة ؟, و هل يوجد ثراء فكرى لدى الشباب أو الحكومات أو القطاع الخاص أو حتى مؤسسات المجتمع المدني لخدمات ومشاريع وأفكار جديدة ينزل بها الشباب إلى السوق.

إن هناك كتاب يسمى قانون العمل إن لم تخنى الذاكرة وهو قاموس يختص بالأعمال وبداخلة أكثر من مليوني فكرة عمل مختلف , وأقترح أن من الممكن أن تعمل الحكومة ممثلة في وزارة الشباب, وربما الصندوق الإجتماعي للتنمية على البحث عن مثل هذا القاموس وترجمتة والإستفادة منة في خلق وترويج أنماط عمل جديدة على المجتمع اليمنى, وضمان إستهلاك جيد لها, وأن يخصص الصندوق الإجتماعي للتنمية كل سنة نسبة من الدعم أو القروض التي يقدمها للشباب على مشروعات معينة تكون جديدة ويكون السوق محتاجا لها ولا يجدها, ومن الممكن أن تعمل الحكومة أو مؤسسات المجتمع المدني العاملة في مجال الشباب على إنشاء بيوت للخبرة تقوم بتقديم خدماتها الإستشارية للشباب عبر صحيفة أو موقع على الإنترنت لنقديم معلومات عن أعمال جديدة ومتطلبات السوق وإحتياجاته وتقييم السوق وأدائه وطرق توزيع أنماط الطلب ليخلق بذلك أنماط عرض جديدة أو العكس .

إن المشكلة ليست كما يقال في الإنفجار السكاني فبالنسبة لنا, وحجم مساحة بلادنا لا يوجد مشكلة فمساحتنا تساوى مساحة فرنسا, ومع ذلك عدد سكان فرنسا ثلاثة أضعاف عدد سكان اليمن أو أكثر, فلماذا البطالة لدينا مرتفعة وتكاد تصل لمستويات مهددة للإستقرار الإجتماعي والسياسي بينما فرنسا ما زالت تطلب المهاجرين الشرعيين وغير الشرعيين من المغاربة والأفارقة للعمل فيها .

 إن المشكلة في الثراء الفكري, ومدى ما تتيحه الدولة للشباب من أفكار مبدعة, وتشجيعها لأفكارهم والمثقفين ومؤسسات المجتمع المدني, و إن الإهتمام بفكرة تصلح أن تكون إنتاجا متميزا في مجال إقتصادي أو ثقافي أو إجتماعي سيكون لها قدرة كبيرة على حل البطالة, وتفعيل الحكومة آليات البحث والإستطلاعات والدراسات التي تقدم معلومات ستعمل على وضوح الصورة لدى الشباب والمستثمرين والقطاع الخاص, وسيكون أثرها إيجابيا وملموسا.

إن أي حكومة لا تستطيع أن تطعم الناس جميعا بل وبالعكس ها هي اليمن وحسب أوامر البنك الدولي تتخلى عن الكثير من آليات دعمها التي كانت توجة إلى أفقر الشرائح في المجتمع وبالتالي على المجتمع وبالأخص الشباب العمل على صناعة وإبداع أشكال جديدة من الأعمال ليستطيع أن يحيا بشكل جيد في النهاية , وأظن أن الإبداع والإبتكار, ومحاولة صنع أشكال عمل جديدة ومطلوبة هو من سيحل مشكلة البطالة ويدفع بإتجاه التنمية.